القائمة الرئيسية

الصفحات

الشفقة بالذات والشفقة على الذات والفرق بينهما

بقلم: رانيا مسعد 

 

تختبر الحياة قوة الإنسان وصبره وصموده، فهي ليست طريقًا مفروشًا بالورود، وتختلف ردود أفعالنا تجاه الأزمات والمصاعِب، فمِنا من يقف عندها، وتقف حياته ويستدعي الذكريات السلبية ويجلد ذاته باستمرار على ما فعل وما لم يفعل، ولا يشعر بالراحة أبدًا، فيلوم نفسه ويقطع علاقاته مع الآخرين، ومع استمرار ذلك تظهر عليه الكثير من الاضطرابات النفسية، أما البعض الآخر يشفق بذاته ويرحمها ويعطيها الأعذار، لا ينكر الخطأ ولكن يتقبله، لا يقف عنده، بل يتعلم منه، فما الفرق بين الشفقة بالذات والشفقة على الذات؟ وأيهما أقرب للصحة النفسية؟ هذا ما سنتناوله في السطور التالية.


 الشفقة بالذات

   

تبنَت العالِمة الأمريكية كريستين نيف، دراسة الشفقة بالذات "Self-compassion" كمكوّن هام في البناء الإنساني، يساعده على مواجهة مصاعب وضغوط الحياة بدون الانتقاد الشديد لنفسه ومعالجة المشاعر المؤلمة وقد طرحت نيف سؤالًا يدعو إلى التفكير وهو: ما هي السعادة النفسية؟ هل هي الصحة النفسية والسلامة من الأمراض النفسية أم الشعور بالرضا عن الذات؟، ووجدت أن الإجابة هي الشفقة بالذات، وقد لاحظت أن الإنسان في أغلب الأحيان يقسو على نفسه أكثر من قسوته على الآخرين لخوفه من أن يكون متساهلًا معها؛ مما ينتج عنه مشاعر سلبية عند الفرد تجاه ذاته، والشفقة بالذات تساعد على تقبل الفرد لذاته؛ مما يترتب عليه شعور الإنسان بالأمان والسعادة، وهو يشبه كثيرًا تقدير الذات "Self-esteem" ولكنه لا يتطلب النظرة غير الواقعية للذات، بل أنه يتميز بمدى معرفة وإدراك الشخص لإمكانياته وعدم الضغط عليها.


الشفقة بالذات هي نوع معين من القبول، أي القبول الذاتي الذي يواجه الأسى والألم، أي كُنّ لطيفًا مع نفسك أثناء الألم. وهو الحفاظ على الاتزان الانفعالي عندما ينظر الأفراد إلى أنفسهم بتمعُن، وهذا يؤدي إلى الشعور بالقبول والاتزان. وهو الوعي والتخفيف والوقاية من الألم الانفعالي والذي نتج عن خبرات الذات والآخرين.


أبعاد الشفقة بالذات


إن الشفقة بالذات هي بناء نفسي يتضمن ثلاث أبعاد أساسية تتمثل في:


1- اللُطف على الذات مقابل الحكم الذاتي "Self-compassion - Self-judgment". 


2- الإنسانية مقابل العزلة Isolation common" humanity".


3- العقلية مقابل التوحد المفرط "Mind fullness / over identified". 


إن هذه الأبعاد تتفاعل لخلق إطار وجداني متسامح للعقل.


الفارق بين الشفقة بالذات والشفقة على الذات "رثاء الذات"


يختلف الحنوّ على الذات عن رثاء الذات "Self-Pity" والتي تتضمن في جوانبها عادة الانعزال عن الآخرين، وهؤلاء الأفراد من ذوي الرثاء والشفقة على الذات مشغولون بمشاكلهم الخاصة، وينسون أن هناك آخرين يتعرضون لمثل هذه المشكلات، وتتضمن كذلك التضخيم والمبالغة في مدى المعاناة الشخصية، أما الشفقة بالذات "Self-Compassion" فتعني الانشغال في الأنشطة ما وراء المعرفية والتي تمكن الفرد من الانشغال في الخبرات المرتبطة بالذات والآخرين، وبذلك تبتعد من التمركز حول الذات إلى عالم الآخرين الفسيح، وتعمل على وضع الخبرات الشخصية في مطمورة في منظور الآخر، بينما ترتبط الشفقة بالذات إيجابيًا مع تقدير الذات "Self-Esteem".

 

الشفقة بالذات تتضمن الفهم الواعي للذات، كما أن الفرد ينظر إلى خبراته على أنها تمثل خبرة إنسانية مشتركة بدلًا من انعزاله وابتعاده عن الآخرين، فهو يسعى إلى التخلص من الانشغال بالذات، وبذلك تختلف عن رثاء الذات أو الشفقة على الذات حيث ينعزل الفرد بعيدًا عن رؤية عالم الآخر، وبالرغم من التشابه البسيط بين الشفقة بالذات وتقدير الذات، إلا أنها تختلف من حيث الرغبة في التعامل الواقعي مع المشكلات التي تؤرق الذات، وتهدف إلى خفض الأفكار والمشاعر السلبية، وتحدث اتزانًا بينهم، كما أنها تعالج هذه الأفكار والمشاعر المنحرفة؛ بالتالي تصبح الذات مؤهلة لحدوث الرضا عن الذات الذي يوصلنا للحنوّ على الذات.


في النهاية، نحتاج جميعًا لمن يحنو علينا، ويتقبلنا بأخطائنا، ولا يجلدنا، فإن لم نجد هذا الشخص، فنحن أولى برعاية أنفسنا ورحمتها.

تعليقات