القائمة الرئيسية

الصفحات

الفخ الأبيض "الجزء الرابع"

 كتبت: فاطمة عبد الله

الفخ الأبيض "الجزء الرابع"

مرّت الأيام عليّ كئيبة، لا أفعل شيء سوى تنظيف المنزل وتحضير الطعام، وعندما كنت أمرض لم أستطِع التوقف عن دور الخادمة، ولم أجد منه سوى الصراخ واتهامي بالتقصير.


أحمد لم يتغير بعد الزواج للأحسن كما كنت أظن، ولم أستطِع أن أفعل شيء، هو لا يراني سوى خادمة في بيته، وصدمتي كانت عندما عايرني بأني كنت أحادثه بوقت متأخر، وكنت أترك له يديّ قبل أن يحل له ذلك.


أحمد لم يترك الفتيات بعد الزواج، بل كان يقضي الليل كله معهن، وأنا حبيسة بين الجدران، حتى حين مرضي لم يسأل عنّي ولا يأخذني لطبيب، وقضيت أيام طويلة في الحمى لا يعرف عنّي شيء.


أين المودة والرحمة التي كانت تتحدث عنها نور؟


مرّت الأيام بطيئة كئيبة بلا روح وحملت طفلًا لم أرد له الحياة في هذا البيت، ومع هذا الرجل، لم أستطِع أن أدوام على نظافة المنزل وفي المقابل كنت أجد صراخه.


إلى أن وصل الأمر لأن يمد يده عليّ ويضربني، تحملت كل شيء فأنا المخطأة، وأنا التي جنيت على نفسي، ليت الزمن يعود إلى حديث وقت الطعام حينما صرخت بوجه أبي، ليته يعود لأرفض وأقبِل يد أبي ورجليه، ليته يعود.


وضعت طفلي الأول دون فرحة، وضعته وحدي دون أحمد الذي لم يكلف خاطره ليأخذني إلى المشفى ويترك هاتفه، بل سمع  الجيرانصوت صراخي  وأشفقوا عليّ مما أنا فيه، وأخذوني إلى المشفى، حتى كرامتي ذهبت بسببه.


 كنت أتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعني حين سألتني جارتي عن سبب استمراري في هذا الزواج قبل أن أنجب، تتسائل وهي تسمع صوت صراخي كل يوم بسبب ضربه لي، تتسأئل وهي ترى عودته المتأخرة كل يوم والتي غالبًا ما تكون مصحوبة بالسُكر، صمت ولم أجد ما أجيبها به، فماذا سأقول...


حملت بعدها بسنتين وزاد الحمل فوق رأسي وانحنى ظهري من هذا الحمل الذي أحمله وحدي ،واحمد موجود بالطبع ولكن أمام هاتفه يحادث الفتيات ويغازل ويضحك، ومعّي أنا يصرخ ويضرب ويشتم، بلغ الألم منّي مبلغه وطفلي يصرخ ولكن لا أستطيع النهوض وأحمد يصرخ بي لأسكته؛ لأنه لا يتحمل صراخه، يكفي لن أتحمل أكثر من هذا، لم تعد لدي القدرة.


 تحاملت على نفسي ونهضت، غادرت الغرفة وذهبت إليه وقلت بوهن:


_ اترك هاتفك قليلًا ودعك من هذه السخافة، احمل ابنك قليلًا سأموت من الألم.


وبكل برود أجابني:


_ وما شأني بهذا، اذهبي له واسكتيه قبل أن أقوم وأحطم عظامك.


شعرت بالقهر والعجز، لم أتعب ولم أتحمل كل هذا الألم من قبل، قلت له:


_ طلقني، لا عيش لي معك بعد الآن.


ظننته سيتراجع عن ما هو فيه، ولكنه نطقها بكل برود:


_أنتِ طالق، وخذي ابنك معك.


صدقت نور حينما قالت لي أن هناك رجال لا يفهمون معنى الزواج، وأنهم يرون زوجاتهم جاريات في بيوتهم يبدلوهن وقتما يشاؤون، وأنهم يتزوجون فقط لأجل المجتمع ومن خلف هذا الستار يفعلون ما يحلوا لهم.


رجعت إلى غرفتي أبكي وأنتحب، ماذا سأفعل الآن، سأعود إلى أبي الذي حذرني، أم إلى نور التي منعتني، سأعود إلى أبي الذي وقفت بوجهه ورفعت صوتي عليه لأجل هذا الزواج، أم إلى أمي التي حكيت لها وحذرتني من الطلاق وفي نظرها هذا خوفًا عليّ، سيكون كل هذا العذاب أرحم من أن يراني المجتمع مطلقة، فليذهب هذا المجتمع الذي أنا هنا الآن بسببه إلى الجحيم.


أخذت ابني وذهبت إلى بيت والدي، قصصت عليهم كل شيء، كل هذا الألم قصصته عليهم، ورأيت الانكسار في عينيّ أبي وبلحظة كان يمسك صدره موضع قلبه وسقط متألمًا بجزَع.



شهقت بقوة وانتفضت من فراشي، أكان حلمًا؟ تطلعت حولي لأجد نفسي بغرفتي، ونور على فراشها، لا لم يكن حلمًا بل كابوس، وأسوء كابوس رأيته بعمري.


نهضت من فراشي سريعًا أبحث عن أبي، وصرت أهتف كالمجنونة:


_ أين أبي، أين أبي؟


خرجت أمي على صوتي من المطبخ ترمقني بتعجب، وخرج أبي من غرفته ينظر إليّ في فزع، وقبل أن أفسر أي شيء ركضت إليه وعانقته متمتمة بطل كلمات الأسف والاعتذار، ربت على ظهري لأهدأ وقال:


_ ماذا حدث لك يا ابنتي، ما الأمر؟


_ سامحني أرجوك، لقد أخطأت بحقك كثيرًا، أنا غير موافقة على هذا الزواج.


تطلع إليّ بدهشة وقال:


_ اهدأي، نيرة ماذا حدث ؟


_صدقني لم يحدث شيء، فقط فكرت في الأمر مرة أخرى ورأيت أن أحمد ليس أهلًا ليتزوج من ابنة انت ربيتها، أنا أحبك كثيرًا أبي، أحبك كثيرا.


عانقني أبي بقوة وقال بسعادة:


_ هكذا تكون ابنتي، سعادتي بك لا توصف، ليس لأنك رفضته ولكن لأنك اقتنعتي حبيبتي.


يتبع...


الفخ الأبيض "الجزء الأول"


الفخ الأبيض "الجزء الثاني"


الفخ الأبيض "الجزء الثالث"

تعليقات