كتبت: فاطمة عبد الله
توالت الأيام كئيبة في بيتنا، انقطعت عن الطعام فيهن أمام أبي ومن ورائه كانت أمي تجلبه لي، ولم يخاطب لساني لسان نور بعدما حدث، كُنت أجلس بغرفتي أفكر بخطوتي القادمة، غدًا هو اليوم المتفق عليه لنهاتف أحمد ونخبره برأينا، ماذا عليّ أن أفعل لأجل أن يرضخ أبي لطلبي، ماذا أفعل ليوافق؟ وهذا الأحمد لا أعلم من أين أتى برقم هاتفي وأصبح يكلمني كل يوم ولا أريد أن أحادثه بدون علم أبي.
قطع تفكيري دخول أبي الحزين الغاضب رغم هدوئه، نظرت له باستفهام وقبل أن أنطق بأي شيء وجدته يقول:
_ أخبريه بموافقتنا، وأتمنى لكِ السعادة معه ولكنّي أشك.
قال كلماته الأخيرة هذه بحزن أو سخرية لا أعلم، ولكن لا يهم، المهم أنه وافق، ركضت إليه لأعانقه ولكن قبل أن أصل إليه منعني بإشارة من يده وغادر بهدوء كما دخل.
آلمني ما فعل وشعرت بوخزة في قلبي، ولكنّي أقنعت نفسي أن أبي سيرضى بعد أيام بالتأكيد سيرضى حينما يراني بثوب زفافي.
................................................
خرجت من غرفتها متألمًا لمنعي لها، ولكن ماذا أفعل أنا بموقف صعب، بين فرحة ابنتي وتلك اللهفة التي لن تأخذ سوى أيام وبعد أن يغلق بابهما ستصطدم بالحقيقة، والمسؤلية التي ستتحملها كلها وحدها مع هذا الرجل فاقد معنى الزواج والسكن والبيت، ومع هذا أشك إن كانت هي أيضًا تستطيع تحمُل مسؤولية بيت وتربية أبناء.
وضعت رأسي بين يدي وتذكرت حديثي مع ابنتي نور بالأمس.
دخلت عليّ بطلتها الهادئة جلست بجانبي وقالت بحنان:
_ هوّن عليك يا أبي سنجد حلًّا.
هززت رأسي بيأس وقلت:
_ ما يؤلمني يا ابنتي هو عناد أختك لا أعلم لمَ كل هذا الإصرار، كيف لا يهمها إن كان يصلي أم لا، جملتها تلك جعلتني أشعر أنّي فشلت في تربيتها.
أسرعت قائلة:
_ لا يا أبي، لا تقُل هذا، هي فقط لا تفهم، أنت تعلم نيرة اندفاعية قليلًا ولا تهتم بكلامها وقت غضبها.
صمتت قليلّا ثم أكملت:
_ أبي إن رفضت أحمد، نيرة لن تهدأ ولن تفهم وجهة نظرنا.
نظرت لها باستنكار وهتفت:
_ تريديني أن أقبل، كيف؟
_ اسمعني يا أبي، لن نقبل ولن نرفض، سنترك لها الأمر، فقط وافق أن تتم خطبة وفيها سترى نيرة أن هذا الرجل لا يصلح وأنا سأحاول الحديث معها مرة أخرى، علينا أن نكسبها لصفنا، وإن رفضت لا أعلم كيف ستكون ردة فعلها.
صمتُّ لا أجد ما أقول وتابعت هي:
_ لا تخف فقط فترة خطبة لترى نيرة مدى سوء هذا الرجل.
أومأت لها وأنا أقلب كلامها بعقلي، في النهاية أنا أريد أن ينتهي الأمر بأقل خسائر، ولا أريد أن أسبب جرح لابنتي.
وها أنا قد وافقت وليقدر الله ما شاء.
........................................
مرّ اليوم سريعًا في تجهيزات منزلنا وأتى اليوم التالي وجاء أحمد وقررنا أن نعقد فترة خطبة صغيرة على الرغم من رفض أبي ولكن أمام إصراري وافق.
في المساء اشتعلت النيران بيننا، صرخ أبي في وجهي:
_ ماذا تريدين أن تفعلي بي، ما رأيك أن تتزوجي اليوم، لا فائدة من الانتظار.
_ لا أعلم ما يزعجك يا أبي إن كانت فترة الخطبة قصيرة أم طويلة؟
وهنا تدخلت نور تهتف بغضب هي الأخرى:
_ اتركها يا أبي تفعل ما تشاء، هي لم تَعُد صغيرة.
وانتهى الحديث عند هذا الحد.
توالت الأيام وتمت الخطبة في منزلنا وحضر فيها الأهل المقربون فقط، ومع توالي الأيام توالت أخطاء أحمد التي تزداد عمقًا في كل مرة.
يهاتفي بعد منتصف الليل ويُملي عليّ من الغزل ما لا يصلح بفترة الخطبة، وعندما يأتي إلينا يتصيد الفرص ليمسك بيدي.
في البداية كنت أمنعه ولكن بضعف، ثم بعدها تركته خوفًا من أن يذهب، وهذا الشيء الغير موافق بداخلي على ما أفعل أخرصه بالنهار، عندما أرى أحمد ويتلوى في جانبي بالليل عندما أكون وحدي، أنا لست جاهلة وأعرف أن كل ما يفعله أخطاء ولكن فقط لنتزوج، نتزوج وسأصلح كل شيء، سأتغاضى عن كل شيء وليحدث ما يحدث، المهم أن أرتدي ثوب الزفاف.
في الأيام القليلة التي سبقت يوم الزفاف تبدل أحمد
قليلًا، أصبح يغضب عليّ بدون سبب، أصبحت أنا من أهاتفه، وعلى الرغم من انطفاء هذا الشيء الذي كان متوهج بقلبي إلا أني أصررت على المضيّ في تلك الزيجة.
سرعان ما أتى هذا اليوم الذي صبرت لأجله سنوات، جاء ولكن مشوبًا بالحزن؛ بسبب موقف أبي مني، وبسبب تغيّر أحمد، ولكن لا يهم سيأتي يوم ونرجع أنا وأبي كالسابق، وأحمد بالتأكيد متوتر قليلًا بسبب ضغط العمل واقتراب الزواج، أليس كذلك؟.
أقنعت نفسي بهذا ليهدأ هذا الضجيج بداخلي، وقفت أتطلع إلى هيئتي بالفستان، وجهي الأبيض لم يكن مشرقًا كما كنت أظن، وحجابي الأبيض يغطي رأسي على الرغم من موافقة أحمد لأن أخلع الحجاب في الفرح لكن أبي لم يوافق، وإن فعلت كان ليفسد تلك الزيجة، عيناي البنيتان كانتا منطفئتين، وكنت أظن العكس، رأيت نفسي كثيرا في هذا الثوب وحلمت أكثر بهذا اليوم، ولكنه كان سعيدا ليس كما الآن.
مر اليوم في التجهيزات المعتادة وانتهى بحفل الزفاف الذي لم أرى فيه سعادة أبي وأختي، حتى أمي التي كانت تتعجل زواجي لم أشعر بفرحتها، مضى اليوم ناقصًا غريبًا وذهبت أنا وأحمد إلى منزلنا، وعاد أبي وأمي وأختي إلى البيت، لوهلة كنت سألحق بهم وليذهب كل شيء كما جاء، ولكنّي عدلت عن هذا في آخر لحظة.
لم تودعني سوى أمي بينما أبي وأختي سبقاها للسيارة، انتبهت لصوت الباب يُغلق خلفي وخلفه، ولكنّي لم أشعر بالدفء الذي كان يتحدث عنه أبي.
يتبع....