القائمة الرئيسية

الصفحات

الفخ الأبيض "الجزء الأول"

 كتبت: فاطمة أحمد عبد الله

الفخ الأبيض "الجزء الأول"


ازداد لمعانه تحت أشعة الشمس؛ لتتوهج عيني بانبهار واضح، توقفت أمامه أتأمله بمزيج عذب من المشاعر.


عيني تحدق بكل تفاصيله، قلبي يخفق بجنون وابتسامة واسعة زينت ثغري الورديّ.


أبيض كالثلج وناعم كالحرير تُزينه حبّات صغيرة لامعة تُشبه السُكر، أكمامه طويلة منقوش عليها ورود بيضاء، يضيق عند الخصر، ثم يتسع إلى آخره، مددت يدي أتلمسه بأناملي ولكن منعني زجاج المحل.


دفعت الباب ودخلت بتمهل أتفحص المكان، الأنوار هادئة وفساتين الزفاف مُرتبة بعناية، اقتربت منّي إحدى العاملات راسمة على محياها ابتسامة هادئة تسألني:


_ بإمكاني مساعدتك؟


أومأت لها أشير إلى الفستان الذي رأيته، أنظر إليه كأنه قطعة من قلبي، قائلة:


_ أريد أن أجرب هذا الفستان.


أومأت لي العاملة وأرشدتني إلى إحدى غرف تبديل الملابس، ثم جلبته لي، ارتديته ببطء أتلذذ بتلك المشاعر التي غزت قلبي، ووقفت أتطلع إلى نفسي بالمرآة وعيناي تفيضان بالبهجة.


دُرّت حول نفسي بسعادة، وقلبي يكاد يقفز من صدري، تحسسته بأناملي وعيناي تتأملانه من المرآة، أخيرًا وماذا بعد، ها أنا أجرب فستان زفاف، ولا يوجد المزيد من تعليقاتهم السخيفة بشأن تأخر زواجي، لن أستيقظ على نبرة أمي المتهكمة ولا حديث جارتنا المتواري، سأصبح عروسًا بعد أيام، لن أخجل من سؤالهن البغيض "متى سنفرح بك؟" وكأنه لا يوجد غيري لم تتزوج بعد.


لكن كل هذا كان في الماضي، أما الحاضر والمستقبل سيكون هذا الفستان الأبيض، بدلته ثم خرجت أعطيه للعاملة وذهبت لأدفع ثمنه ثم أخذته وضممته لصدري؛ لأنه أغلى ما أملك، لم أسمع صوت السيارات ولا سائقيها عندما كنت أعبر الطريق، لم أرى الحوادث التي كدت أتسبب فيها ولا السيارات التي كانت ستصطدم ببعضها بسببي، فقط أسمع صوت قلبي الخافق، وأرى نفسي أرتدي هذا الفستان ليلة زفافي.



صوت بعيد انتشلني من أحلامي وشعرت به يهتز في جيبي، أخرجت هاتفي وأجبت بانتشاء:


_ لقد اشتريت فستان زفافي.


وصلني صوتها المصدوم:


_ماذا؟!، ماذا فعلتي؟!.


صمتت لثوانً قبل أن تكمل:


_ لقد جُننتِ يا فتاة، أشتريته بدوني وبدون أمك؟ ماذا يوجد بداخل رأسك، مخ أم حبة بطاطس؟


تأففت منها وقلت بضيق:


_ لا تُذهبي فرحتي به، ما الفرق إن اشتريته وحدي أو معكن، ثم أني رأيته بالصدفة وأعجبني.


أبعدت الهاتف عن أذني من صوت صراخها والتقطت بضع كلمات:


_ اشتريته قبل أن نتحدث، أنت تعلمين رأيي في هذا الزواج، هذا الرجل لا يصلح لأن يكون زوجًا.


تهدّل كتفاي وهززت رأسي بيأس، ها هي ستعيد عليّ كلماتها التي ليس لها معنى.


 أغلقت الخط ووضعت الهاتف بجيبي وأكملت طريقي وابتسامتي تعرف طريقها في وجهي، اقتربت من منطقتنا رافعة رأسي بشموخ ووصلت إلى بنايتي أبحث بعيني عن سيدة عرفت التجاعيد طريقها في وجهها، وجدتها تقف بشرفتها، لوحّت لها مبتسمة بتكلف:


_ أهلًا يا خالة.


ثم سألتها بمكر:


_ أتعرفين أحد أعطيه فستان زفافي ليضيقه قليلًا، ثم وضعت يدي على جبهتي متصنعة التذكر:


_ لقد نسيت أن ابنتك سمينة فبالتأكيد لا تعرفين.


ابتسمت بانتصار حينما رأيت الضيق على وجهها، ولم اكتفي بل أكملت بغرور:


_ بالتأكيد ستأتين زفافي يا خالة، والعريس تعرفينه بالطبع أحمد الذي جاء ليتقدم لخطبة ابنتك ورآني فتركها، وتقدم لي.


ثم أسرعت إلى داخل البناية قبل أن تجيبني بدلو من ماء غسيل صحونها.


أسرعت إلى شقتنا وطرقت الباب هاتفة:


_ أمي افتحي، لقد اشتريت فستان زفافي، افتحي يا أمي.


فتحت أمي الباب تنظر لي بدهشة:


_ ماذا قلتِ، كيف فعلت هذا، وأين أنا؟


أغلقتُ الباب خلفي وجذبت يدها لنجلس على الأريكة وقلت وأنا أريها أياه:


_ لقد رأيته في طريق عودتي من العمل وأعجبني وخفت أن يأخذه غيري، لا تقلقي سيعجبك.


رأيت إعجابها به في عينيها فأمسكت بوجهها وقبلت وجنتها بقوة وقلت:


_ أرأيتِ، ابنتك ستصبح عروسًا.


تحولت نظرة الإعجاب في عينيها إلى أخرى لم أفهمها فتسائلت بحذر:


_ ماذا؟


قالت بضيق:


_ أبوكِ لم يوافق على أحمد وأختك تشجعه على هذا.


حركت يدي في الهواء وقلت بتذمر:


_ ماذا؟ لم يوافق، ثم وقفت أسير ذهابًا وإيابًا وقلت بغضب:


_ مادامت نور غير موافقة أبي لن يوافق، أنتِ تعلمين كم يحبها ويأخذ برأيها.


ثم أكملت:


_ ولكننّي لن أقف مكتوفة الأيدي وأنتظر رأي الكونتيسة نور أو موافقتها.


ثم أخذت الفستان ودلفت إلى غرفتي وصفعت الباب خلفي.


نور نور نور، إفعلي مثل نور، كوني مثل نور، نور تسمع الكلام دون نقاش، نور أكثر تفوقًا منكِ، نور حصلت على الدرجة النهائية، نور الأولى على الصف، نور تكتب واجباتها في موعدها، المدرسين يحبون نور، المدرسين يهاتفون أبي لأن نور مثال جيد للفتاة المثالية، أبي فخور لأنه أب لنور، ونيرة لا شيء، نيرة لا تسمع الكلام، نيرة فاشلة، المدرسين يشتكون من سوء سلوك نيرة في الصف، يكفي سأتزوج أحمد ويصبح لي بيت وكيان خاص لا يوجد به سوى نيرة، نيرة وفقط.


يُتبع....


الفخ الأبيض "الجزء الثاني"


الفخ الأبيض "الجزء الثالث" 


الفخ الأبيض "الجزء الرابع"

تعليقات