كتبت: سلوى حجازي
خلق الله حوّاء من ضلع آدم عليهما السلام، ليُعلّمنا مدى تكاملنا بالجنس الآخر، ومدى نقصنا بدونه، ولذلك نسعى جاهدين لإنجاح علاقتنا بشركائنا، إلا إنه وكما هو مُشاهَد بشكلٍ جليٍّ، تبوءُ كثيرٌ من تلك المساعي بالفشل، ولذلك حاولت أن أوضّح بعض الأسباب التي يسلكها البعض منّا، وتؤدّي لتدمير العلاقات وإفشالها.
1- آليات الدفاع النفسي
في محاولة الدفاع عن ذواتنا نتيجة للتجارب الأليمة السابقة التي وقعنا فيها، تجدنا وبدون وعي منَّا نعمل حائط صدٍّ منيع لكلّ من يحاول التقرّب أو التودّد منَّا.
لا يحدث هذا بالطبع لكل الشخصيات ذات التاريخ السيّئ في العلاقات، أو التي لم يحالفها الحظ في علاقتها السابقة، ولكن لأن نفسيّات البشر مختلفة، وبالتالي تختلف طرق استجابتها للأحداث التي تواجهها في الحياة، فمنَّا الشخصيات الحساسة التي يؤثّر فيها ماضيها السيّئ بشكل كبير، فتجدها منغلقة على ذاتها بشكل مُبالَغ فيه، كآلية نفسية من أجل حماية الذات ممّا قد تواجهه من شرور الحياة، إلا أن آلية الدفاع تلك تتحوّل مع الزمن لآلية مُهلكة لصاحبها، حيث تجعله منغلقًا وحيدًا، ومن ثَمَّ انطوائيًّا رغمًا عنه، ليعاني مرارة الوحدة وبؤسها، رغم أنه في واقع الأمر لم يكن ليرغب في ذلك مطلقًا.
2- الألعاب النفسية
يلجأ الشخص للعب تلك اللعبة مع ذاته في محاولة منه لإثبات مدى صحة اعتقاداته السابقة، والتي تراكمت من خلال تجاربه أو حتى مشاهداته ومعايشته للواقع.
تتعدّد تلك الألعاب النفسية بتعدّد المشاكل التي يعايشها الإنسان، ولكنّها تتمثّل هنا في ظاهرة ما يُسمى بالانجذاب غير الصحّي.
يتمثّل الانجذاب غير الصحي في اختيار الشخص المستحيل للارتباط به، كمن يختار امرأة متزوّجة بالفعل ويسعى للارتباط بها، وذلك حتى يقنع الإنسان نفسه بأنه حاول جاهدًا الدخول في علاقة وسعى لإنجاحها، ولكن الأمر في حدّ ذاته فاشل، بدليل أنه حارب من أجل إنجاح علاقته وفشل!
3- مفاهيم مغلوطة
من المفترض أن تُبنَى العلاقات الزوجية على الشراكة والحبّ والامتنان، وهو ما لا يفهمه الكثيرون في مجتمعاتنا ولا سيّما الرجال.
يعتقد الكثير من الرجال أن العلاقة الزوجية تقوم على الغَلبة وتخلو من أي نديّة أو شراكة متكافئة، فهناك الرجل القائد صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في كل صغيرة وكبيرة، أو ما يُطلق عليه "سي السيد"، وهناك المرأة التابع المقود المغلوب على أمرها.
ولا شكّ أنّ العلاقة لو بُنيت على هذا الأساس فهي علاقة مختلّة وهشّة وظالمة، وتحمل بذور فشلها في ذاتها، حتى لو نجحت شكليًّا.
ففي تلك العلاقة تتحوّل المرأة من إنسان خلقه الله حرًّا مستقلًّا، ومن المفترض أن تكون له بصمة مختلفة في الحياة، إلى مجرّد صدى صوت لشخص آخر، وبالتالي تتلاشى تدريجيًّا كشخص فاعل مميّز في الحياة، وتتم تنشئتها فعليًّا لتتحوّل لمجرد مسخ بشري، وظيفته الوحيدة تلبية طلبات الزوج المتسلّط.
على الجانب الآخر يتحوّل الزوج لمجرد ديكتاتور قاهر، ويغيب مفهوم الشراكة، والذي هو أُسّ العلاقات الصحيّة الناجحة، ولأنّ هذا هو ما يعطي للرجل جزءًا من كيانه الجريح في مجتمع سلب منه كل شيء، فتجده دائمًا يتحاشى المرأة المثقّفة القوية المعتدَّة بذاتها في الزواج، ويبحث عن المرأة المقهورة الضعيفة ليحوّلها لمجرد مسخ عن ذاته، وصدى لصوت نفسه، وبذلك يُوهم نفسه بأنّه استردّ جزءًا من كيانه المُستباح في مجتمعات استباحت كلّ شيء.
بالتالي تفشل كثير من العلاقات الزوجية في مجتمعاتنا حتى لو نجحت على المستوى الشكلي في تكوين الأسرة، أما داخل تلك الأسرة فهو مفكّك يعاني من التشظّي والانهيار النفسي، فضلًا عن إنتاج جيل مشوّه وغير متوازن نفسيًّا.
4- الصورة النمطية
يفشل الكثيرون في تكوين علاقات بسبب وضع صورة نمطية مفصّلة لشريك العمر، وعليه يتمّ قياس كل شريك مُحتمل على تلك الصورة، بما تحويه من تفاصيل دقيقة لكل شيء.
في واقع الأمر يتم استخدام تلك الصورة النمطية بطريقة لا واعية لتجنّب الارتباط، لأنه من العسير جدًّا أن يتطابق أشخاص واقعيّون مع صورة ذهنية مفصّلة لشخصٍ ما، ولكن يتمّ استخدام تلك الحيلة النفسية لإثبات أنه لم يعد يُوجد في الحياة من يصلح للارتباط، وبالتالي فإنّ الوحدة هي الحل!
قد تُستخدم تلك الصورة فيما بعد لتكوين العلاقة وإتمام الزواج بالفعل لتتحوّل الحياة إلى جحيم لا يُطاق، فعندما يتصيّد الشريك الأخطاء والهفوات لشريكه قياسًا على تلك الصورة النمطية في مخيلته يكون بطريقة لا واعية مجرد مُفسد لتلك العلاقة ومُدمّر لها.
فهناك فرق بين الانتقاد بغرض الإصلاح وتعديل السلوك والارتقاء به لما هو أفضل، وبين التحوّل لمجرد منظار رصد لا يرى سوى الأخطاء والمثالب الشخصية للآخر وانتقاده عليها.
5- عدم الثقة بالنفس
تتميّز الشخصية المتّزنة نفسيًّا باتزانها وقدرتها الإيجابية على تحقيق أهدافها في الحياة بشكل عام، وعلى تكوين العلاقات الصحيّة والطويلة الأمد في الوقت ذاته.
تُعد حالة فقدان الثقة بالنفس، والشعور بالتّدنِّي من أهم الأسباب التي تؤدّي إلى الفشل العام، سواء على المستوى الشخصي كتحقيق الأهداف والارتقاء بالذات إلى ما هو أفضل، أو حتى على مستوى العلاقات بكل أشكالها ولا سيّما العلاقات العاطفية.
ففي حالة الشخص المُفتقد للثقة بنفسه يشعر دائمًا بحالة من الإحباط والفشل وتدنِّي الذات أمام شريكه، فضلًا عن عدم القدرة على تحمّل المسؤولية في حالة نجاح العلاقة، ولذلك يسعى بشكلٍ لا واعٍ من جانبه لإفشال أي علاقة قد يتورّط بها.
وفي حالات أخرى من الفقدان الظاهر للثقة بالذات، لا ينجذب أحد لذلك الشخص المُحبط والفاشل والسلبي، حسب ما تُظهره شخصيته المتردّدة والهشّة.
6- القوانين المقدّسة
تختلف رؤيتنا للأشياء وحكمنا عليها طبقًا لمجموعة من العوامل الخاصّة أحيانًا كتجارب طفولتنا، وظروف أسرنا، وطبيعتنا النفسية، وما واجهنا من مواقف وطرق استجابتنا لها، وهذه العوامل هي المحدّد الرئيسي لبنيتنا الفكرية ولطريقة رؤيتنا للأمور وحكمنا عليها.
ولكن تكمن الإشكالية الكبرى في وضع قوانين مقدّسة بناءً على تجارب شخصية بحتة لها خصوصيتها البيئية والنفسية والاجتماعية، وتصنيف الأشخاص والحكم عليهم وفقًا لتلك القوانين.
لكلٍّ منا قوانينه الخاصة، ولكن عندما تغدو تلك القوانين كمحدّد للأشخاص، وحاكم على العلاقات تصبح قيدًا مدمرًا لأي علاقة، ويغدو أمل الشريك الأوحد هو التخلّص من هذا القالب الذي يتم وضعه فيه رغمًا عنه.
7- الروتين القاتل
كثيرٌ منا يتمتّع بمميزات كثيرة، ويُعد نفسه كشريك رائع، ولا سيّما إذا عُرض عليه كثيرٌ من مشاكل العلاقات، وقد يكون كذلك بالفعل، ولكن لماذا يفشل هؤلاء الرائعون في الحصول على شريك حياة مناسب؟!
تكمن الإجابة على هذا السؤال في السلوك اليومي الذي يسلكه هؤلاء الأشخاص.
حصولك على شريك مناسب من بين ملايين البشر قد يقتضي منك البحث قليلًا وكسر روتينك اليومي.
حاول أن تخرج من دائرتك الصغيرة، تعرّف على أشخاص جُدُد، مارس رياضة جديدة، سافر إلى أماكن جديدة، وسِّع دائرة معارفك، ونمِّ علاقاتك، فلا تنتظر أن يأتيك الشريك المناسب، بينما تقبع أنت في قمقمك الخاص، ولا أحد يعرف عنك شيئًا، فكيف سيجدك إذًن؟!
أخيرًا، لا تعتقد أنّ هناك شريكًا مثاليًّا ورائعًا دائمًا، فالكمالُ صفةُ الإلهِ الواحد فقط، ولكلٍّ منَّا عيوبه، ولكن يُقاس مدى مناسبة الشريك لك من عدمه، ومدى نجاح العلاقة من عدمها، بما ينعكس عليك أنت من تلك العلاقة، وبما تحققه لك من ارتقاء بذاتك ورفعة بنفسك.