آخر الأخبار

فصة: حب بطعم الخذلان " الجزء الثاني"

كتبت: آية محمد

فصة: حب بطعم الخذلان " الجزء الثاني


فصة: حب بطعم الخذلان " الجزء الأول"


مرّت ثلاثة أيام، هذه المرة لم أدخل بتلك النوبة الغاضبة من الاكتئاب، كنت هادئة وعادية بشكل لا يُوصف، لم أبكِ، قيل لي إنّ اللقاء الأول بعد الفراق هو الأصعب، نعم هو الأصعب لأنه ليس مؤلمًا، ولأنه يخلق منك بركانًا خامدًا ينتظر حجرًا لينتفض. 


-إنت يا ابني، مش تسأل عنّي؟

 

___من وقت ما كلمتك من 3 أيام وأنا حسيت إنك محتاجة تبقي لوحدك. 


-أنا كنت محتاجة أبقا مع نفسي، مش لوحدي. 


___ما هم نفس المعني! 


-لا، لوحدي يعني حتى نفسي تتخلى عني ودا اللي حصل.

 

___إزّاي نفسك اتخلّت عنك؟ 


-إنت غبي يا معاذ؟ إنت نفسي. 


... صمت رهيب لم أسمع صوته، ولم أكن أرى، لقد اختنقت وأغرقت الدموع عينيَّ، وبدأت تخرج مني شهقات البكاء المهزومة، لم أعد أرى، ولم أستطع التحكّم حتى بنفسي، وفي تلك اللحظة وجدته يقترب ليحتضنني، لم يكن مجرد حماقة ما عشته معه، لقد كان ... لم يكن مجرد رجل، لم يكن حبيبًا، بل هو وطن، وطن يسكنني قبل أن أسكنه، فلم يكن مجرّد مستعمر استوطن أراضي قلبي، بل كان أكثر، فقد كان الوطن والمواطن، فقد أذابني عشقه حتى لم يصبح بعضي أو كلّي، بل صرت أنا بعضه، فقط أحبك لا تكفي أيها الوطن.


-أنا موجوعة 


___هشششششش أنا هنا، هاخد كل وجعك ليا وإنتي خدي روحي وحتى ضحكتي ماقدرش أشوفك كدا أبدًا. 


مسحت دموعي وقلت:


 -ماينفعش نضحك سوى وبعدين إنت حاضنّي كدا ليه؟ 


اقترب أكثر وقال: 


___معاكي حق، لازم أكون أقرب، أحبسك في روحي وأخبيكي عن أي حاجة ممكن توجعك. 


-كدا هنتقفش بفعل فاضح في صالون بيتنا. 


وهنا انفجرنا ضحكًا، ومن ثَمَّ ابتعدنا. 


___مالك بقا يا ست الهوانم، قابلتي مين عكّر مزاجك؟ 


-إمبارح شوفته. 


___أمممممم، وحسيتي بحنين؟ 


-حسيت إني محتاجالك، محستش بوجوده، كإنه شبح من الماضي، مكعب سكر وقع بقهوتي عكّر مزاجي، لكن محستش بالحنين، أنا بحبك. 


___طيب. 


-إنت زعلت مني؟


___لا، بس خفت. 


-ليه؟ 


___ترجعي تنهاري ونبعد ... 


-أنا قبله ومعاه وبعده، إنت أهم حد في حياتي، إنت الشخص اللي لا يُقارن.


صمت بلا هدف، مرَّت الثواني والدقائق التالية كعمر لا نهاية له.

 

___معاذ! 

ردَّ من بعيد كأنّه لا رغبة لديه في الإجابة:


-نعم! 


___إنت هتسيبني؟ بص إنت معاك حق لو عاوز تعمل كدا، بس لو سمحت إبقا من وقت للتاني طمّني عليك!


ردّ بصوت هادئ كأنه لا يكترث: 


-إنتي شايفة كدا؟ تمام هبعت ماما بكرة تكلّم طَنط في فسخ الخطوبة. 


كان هذا الحجر الذي أُلقِيَ ببركاني بصدق، لم أستطع أن أهدأ، كانت الدموع تغمرني، وحينها قال ببرود: 


-لو سمحتي ماتنسيش تبعتي الدبلة معاها! 


دون أن أشعر خرجت مني شهقات منتظمة، ولم أستطع أن أتماسك، ولكنّي أجبت: 


____تصبح على خير! 


وتركت الهاتف حتى لم أغلقه، لقد نسيت، أو لم أتذكر، فُطِر قلبي، أقسم أنّي سمعت صوت تهشّمه، ولم أتمالك نفسي عندما تُركت من أعوام، لم أبكِ أبدًا لأن معاذ كان بجانبي. اليوم لم أخسر مجرّد حبيب يُعوَّض، ولكن خسرت وطنًا بكيت بحرقة ولا أعلم كم من الوقت ظللت أبكي. 


وعلى الهاتف كان يقول: 


-إنتي يا بت ملاك، ردّي، إهدي طيب، كنت بهزر، والله ما هسيبك، طب بطّلي طيب، يا بنت ردي، طب إهدي، طب أنا جاي ملاك. 


بعد ساعتين تقريبًا، كنت ما زلت أبكي، وسمعت صوت جرس الباب، كان هناك ضجيج شديد، كنا بالواحدة بعد منتصف الليل، ولم أشعر بنفسي، لا أتذكر سوى أن باب غرفتي يفتح وأمي تصرخ بصوت عالٍ: عمّك مش هنا يا معاذ، استهدى وأنا هندهّا لك، ودخل غرفتي وكان وجهه آخر ما رأيته. 


بعد مرور ٤ ساعات فتحت عيني بتثاقل لأجد من يمسك بيدي، ملاك حبيبي، إنتي كويّسه؟ أنا آسف يا روحي. 


أجبت بتثاقل 


___حصل إيه؟ إنت جيت ليـه؟ هي طنط فين؟ هنا دخل رجل لم أعرفه، وأمي معه. 


- ملاك يا قلب ماما، إنتي كويسه؟ 

هنا أدركت أني لست في فراشي وأن الجدران بيضاء، وبذعر حاولت الوقوف، أنا فين يا ماما؟ 


- إهدي يا حبيبتي إنتي تعبتي، وكان لازم نيجي المستشفى. 


___ واتصلتوا بمعاذ ياخدني يعني؟ 


-لا، أنا .. هنا قاطعنا الطبيب قائلًا: آنسة ملاك، إنتي كنتي مُرهقة جدًّا، جالك انهيار عصبي مع كمان إن عندك مبادئ أنيميا، وأعتقد يا جماعة إنتوا اتطمنتوا عليها يا ريت نسيبها ترتاح عشان ...


___أنا عاوزه ماما جنبي وعاوزه أعرف إيه اللي حصل، وهطلع من هنا إمتى واحنا إمتى ... 


-حبيبتي الساعة ٩ 


____٩مين؟ أنا كنت بكلمك وقافلة معاك ١٠، إزاي بقت ٩؟


-٩ الصبح يا بنتي، ما تسيبيلي فرصة أتكلم، وبعدين اللي حصل إننا شدّينا سوا، وإنتي زعلتي وسيبتي الفون وقعدتي تعيطي، كنت بكلمك وما ترديش، فخفت وجيتلك جري، وأوّل ما دخلنا أوضتك أنا وطنط، أُغمى عليكي وبس. 


___هو إنت هنا عشان صعبت عليك؟ لا ما تقلقش يا كابتن، روح شوف مصلحتك. 


- هو فيه إيه يا بنتي؟ دا لولا جيّته يمكن ما كنّاش حسينا، وكنتي روحتي مننا. 


___تمام شكرًا يا معاذ ودكتور، معلش أنا عاوزه أخرج حالًا، في حاجة تمنع؟ 


*لا، مافيش، هنجهّز إجراءات خروجك، حمدًا لله على سلامتك.

 

خرجت وأنا مُحطّمة أرتدي بيجامتي الورديّة، وفوقها شال أمّي، وإذ بي مُجبرَة أن أركب سيارته، فأمي -من فرط القلق- نسِيَت أموالها، عدنا للمنزل، وهو طول الطريق يحاول أن يكلّمني، وبالنهاية وصلنا، ونزلت أمي، وقبل أن أنزل وجدته أغلق أبواب السيارة. 


-مش هتنزلي غير لما نتكلم. 


هنا صرخت 


___نتكلم في إيه؟ إنت عارف إنت عندي إيه؟ إنت عارف إنت عملت إيه؟ كسرت قلبي، أنا سمعت صوت قلبي بيتكسر، إنت فاهم إنك قررت تفسخ خطوبتنا! 


-كنت بختبر ردّة فعلك بس. 


___واختبرتها؟ 


-آه، وبصراحة مبسوط إنك بتحبيني أوي كدا. 


___مبروك، ومددتُ يدي للأخرى وحاولت أن أنتزع دبلته، فإذا به يمسك يدي -بطّلي جنان، مش موقف سخيف زي دا هيخليكي تتخلّي عني 


___بجد أنا اللي بتخلّى عنك؟ معاذ، إنت وجعتني واتفرجت على ضعفي وحبيته وقررت إنه ليه لا، ما أنا عرفت ضعفها، أدوس عليه 


-ما حصلش، أنا بحبك، وعمري ما هعمل كدا، ممكن تدّي نفسك وقت تفكري بس وبعدها أي حاجة عاوزاها هعملهالك، والله أنا ممكن أموت لو خسرتك


 ___ممكن تفتح الباب؟ 


-حاضر.

نزلت وصعدت المنزل. 


مرّت ستة أيام وذهبت إلى الكافيه المُعتاد طوال الستّة أيام الماضية، دخلت إلى محادثاتي مع معاذ مرارًا، قرأتها كلها، وكنت أحبه أكثر وأكثر، كلما تذكّرت مواقفه وجدت له رصيدًا بالقلب أكبر من كل ما حدث، لكني انتظرت أن يكلّمني، ولم يفعل إلى أن دخلت إمكانية المعتاد.


تدقيق: شيماء عبد الشافي

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات