القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة: ورد وشوك "الجزء الثاني"

 كتب: شريف عثمان

قصة: ورد وشوك "الجزء الثاني"

عزيزة

حقًا أن للذكر مثل حظ الأنثيين، صابر وفتحي يغترفان مما ترك أبوهما وعزيزة لا ينوبها إلا فرع واحد، اضطرت لبيعه لفتحي حتى تتمكن من دفع مصاريف تعليم ابنها الوحيد "وليد"، صابر وفتحي يتصارعان على من هو الأفضل بينهما وأكثر مالًا، وعزيزة تعافر مع قلة بختها في زوجها قليل الحيلة "جابر"، جابر الذي كان صبيًا عند أبيها المعلم زغلول، لكنه أحب أن يزوجه إياها حتى يكون تحت طوعه ونظره هو وصابر، لطالما تحكم صابر في حياة عزيزة، لقد اختار هو محل إقامتها ومحل عُرسها وتاريخ ليلة الزفاف وبذلة جابر وفستانها واختار المعازيم أيضًا.


 هذا ليطمئن أن ليلتها لن تكون أبدًا أبهج من ليلته على خديجة ... خديجة التي ظنت عند طرق المعلم زغلول لبابهم أنه جلب في يده فتحي، لكنه جلب صابر، صابر الجاهل.


لقد كانت خديجة صديقة عزيزة الروح بالروح، لقد عرفن بعضهن من الطفولة، وعلمت عزيزة بميل خديجة لفتحي من البداية ومبادلة فتحي لها بنفس المشاعر، لذا صدم الجميع بخسة صابر الذي تزوج من حبيبة أخيه، ورأى الجميع خديجة تذبل يومًا بعد يوم حتى ماتت صغيرة، لم يمهلها الوقت لتربية صبري ورؤيته يدخل الإعدادية، وكانت عزيزة الشاهدة الأولى على ذبول خديجة وعزوف فتحي عن الزواج، لذلك سخطت على صابر، لكن أحبت أولاده وعطفت عليهم واعتبرتهم مثل وليد ابنها.


لطالما رأت عزيزة نفسها سيدة مكافحة وأم حنون وعمة طيبة، لطالما رأت أنه رغم ظلم أبيها لها إلا أنها كانت أكثر من أحبته في أبنائه، صابر وفتحي أنهمكا في صراعاتهما سويًا ونسيا أن يحبا أباهما، خاصة بعد موته، لم يفكر أحدًا منهما قط في خبز القرص وتوزيعها في القرافة على روح المعلم زغلول.


 لذلك كانت عزيزة ترى أنها الأحق بالفرن والمخزن، لكن مستقبل ابنها أهم، لذا ستتركه لفتحي بعد ربح القضية بمقابل يعينها على شراء شقة لوليد تعينه على زواجه، إن إرث والدها مهم "الله يرحمه ويبشبش الطوبة التي تحت رأسه" لكن الحي أبقى من الميت.


ولعل عزيزة قامت بالواجب حينما شاركت في تلك القضية لتنقذ الفرن والمخزن من يد تلك التي عبثت بعقل أخيها الكهل، نعم القضية ليست فكرتها لكنها تشارك لتنقذ ما يمكن إنقاذه.


حقًا أن للذكر مثل حظ الأنثيين، صابر وفتحي لا زالا يغترفان مما ترك أبوهما وعزيزة لا ينوبها سوا المشاركة.



سمير


يجلس سمير عند قبر أمه، يترحم عليها تارة ويدعو على أباه تارات، كما يفعل كلما زارها، ثم يشرع في إخبارها بالمستجدات كأنها تهتم لما يقول في نومتها تلك، لكن هذا يريحه ويشعره بشيء من البركة في خطواته القادمة.


طالت تلك الجلسة، فقد باح سمير بكل ما في قلبه من ناحية أبيه، إنه لا يكرهه، لكنه لا يستطيع أن يحبه كما يفعل كل ابن مع أبيه، لا يستطيع أن يحبه بعدما عزف عن دفع مصاريف الكلية له؛ لأنه لم يوافق على دخوله كلية الطب من البداية وأراده أن يكون محاسبًا يعينه على أعمال الفرن والمخزن، فاضطر سمير للعمل بجانب الدراسة في أعمال شتًا؛ لتغطية مصاريفه، مما كلفه مجهود ووقت، فحُرم من قضاء أيام شبابه، كما كان يفعل من هم في مثل عمره على غرار وليد ابن عمته، لا يستطيع أن يحبه لأنه رفض أن يذهب برفقته حفلة التخرج ورفض أن يعينه على زواجه بل لم يحضر زفافه من الأساس، وكادت الزيجة تفشل لولا وقوف عمه فتحي وعمته عزيزة بجانبه كأب وأم حقيقيين له.


راجع سمير طفولته فلم يجد بها أي مواقف أبوية تدفعه ليحب صابر، لقد كان صابر بالنسبة له بمثابة تحدٍ أو عقبة تعوق حياته، كلما أراد شيئًا وجد السبل لها ميسرة حتى يعسرها صابر.


ولعل ما هون على سمير حياته هو صبري أخوه، آخر شيء من ريحة المرحومة أمه، شاركه معاناته وأعانه عليها، وكان صاحب فكرة قضية الحجر ... داهية صبري، لولاه لما وجدوا حل لإنقاذ أباهم من شباك زينات عاهرة حواكة، بعد أمهم خديجة السيدة الوقور يتزوج صابر من زينات، رحمك الله يا خديجة لقد أحسنت صنعًا حين زرعت الحب بين الشقيقين، لقد فعلت الصواب حين قبضتي على أيديهما ليلة وفاتك وهددتيهما بنبرة صارمة "لا يبرحها وهن سكرات الموت" ألا يكرها بعضهما البعض لأي سبب حتى وإن كان هذا السبب هو إرث أبيهما.


يجلس سمير عند قبر أمه، يترحم عليها تارة ويدعو على أباه تارات.


صبري


لم تكن تلك الحياة بما فيها بالنسبة لصبري أمرًا يستحق التفكير والتدبير لأجله، لذلك كان دائمًا الفرد الذي يخطط، هو فقط يشارك إذا رأى أن من حوله يريدون منه ذلك، لذلك شارك صبري في موضوع قضية الحجر؛ لأنه رأى أخاه يريد ذلك و لأنه رأى عمه وعمته اللذان لطالما احتضناه بعد موت أمه يريدان ذلك أيضًا، لقد أخبروه أن زينات عاهرة وستوقع أباه المسكين في المشاكل، لطالما رأى صبري أن صابر مسكين، لا يستمتع بالحياة وملذاتها كما يجب، لا يستمتع بأخوة يريدون مصلحته وأبناء يحبونه.


صبري رجل فنان ... اعتاد أن يهيم في أحلامه الخيالية رفقة سيجارة الحشيش وهو يصنع موسيقى الـTrap، لذا كان من النادر مشاركته في أي صراعات خارج حدود غرفته، وحينما تزوج أباه، خرج احتراما للسيدة الجديدة من البيت وذهب للعيش مع صديقه في شقته.


صبري كثير النسيان، وهو ذاته لا يكره هذا في نفسه بل يبجله، إنه لا يتذكر الجرح الذي جرحه له والده في يده حينما كان صغيرًا، إن سمير يروي له القصة كل مرة كأنها أول مرة، أنه رأى سمير يتشاجر مع صابر فألقاه صابر بزجاجة فاعترض صبري الزجاجة بيده في الهواء فانكسرت على يده مسببة له جرح عميق، هو أيضًا لا يتذكر أمه أو كيف ماتت أو متى، لم يعد يهتم بكل هذا، صبري ابن اليوم، والأمس في طي السيجارة التي يدخنها.


حين يأتي موعد الحكم في القضية سيذهب صبري معهم يجلس ويضع السماعات في أذنيه حتى تنتهي الجلسة، ثم يعود إلى بيت صديقه ليكمل الـtrack الذي يعمل عليه دون أن يسأل حتى من فاز.


لم تكن تلك الحياة بما فيها بالنسبة لصبري أمرًا يستحق التفكير والتدبير لأجله.


صابر


صابر يعاني ولا يأخذ حقه في أي شيء ... لماذا؟


فتحي يكمل تعليمه ويتفوق وصابر يترك التعليم ويجبر على حمل مسؤولية الفرن صغيرًا، فتحي يعيش شبابه ويختار ما يلبس وأين يذهب وصابر يرتدي مثل والده من سن السادسة عشرة ويلازمه كظله، فتحي لا يتزوج لأنه لا يريد وإذا أراد لوضع قدم على أخرى واختار من تحلو له، أما صابر يجب أن يتزوج خديجة بنت المعلم بكر إلزامًا لأنه صاحب أبيه الروح بالروح، صابر يجب أن ينجب ويتحمل مسؤولية تربية أولاده بعد وفاة زوجته لتتركه وحيدًا لا يعرف كيف يربيهما وفي النهاية لم يخرج منهما واحد يعترف بجميل والده عليه ويود لو يحمل عنه الحمل ولو برهة.


حتى عزيزة التي تزوجت جابر ضعيف الشخصية لتتحكم به وليكون جاسوسها على صابر في الفرن لم تقف بجانبه حينما ماتت خديجة.


وعند تقسيم الإرث أخذ كل منهم الكحك المسكر وتركوا لصابر الخبز الناشف القديم، لم يقبل أحد منهم بالفرن القديمة والمخزن وطمعوا في المحلات الجديدة ولم يعترض صابر لأن ود أخوته أهم لديه من المال و الإرث.


كل هذا في كافة وحينما أراد صابر أن يتزوج فتاة صغيرة تعينه على سنه،  يأويها من أهوال الزمان ويعينا بعضهما البعض على أوجاع الوحدة في كافة أخرى، لم تكتمل فرحته، لقد رفع أولاده وأخوته عليه قضية حجر، لأنه تزوج في الحلال، لكنه اكتشف أن لديهم حق وأنه أحمق فاقد الأهلية، فلقد أخبره أحد صبيانه أن زينات بينها وبين حواكة البلطجي علاقة قديمة، لقد غازلته بمشيتها عابرة من أمام القهوة التي يجلس عليها ولم تحترم وجود زوجها في الفرن المقابل، والآخر لم يحجم غرائزه فقام خلفها يغازلها.


انفجر صابر غضبًا وأمسك بعصا غليظة وخرج من الفرن يجري على حواكة وكاد أن يفلق رأسه، لولا أن الرجال بالشارع حالوا بينهما، فترك العصا وجذب عزيزة صاعدًا بها شقتهما وختم على وجهها بصفعة صعيدي ثم تركها ونزل.


طلقها صابر ليلتها ورماها في الشارع، ووزع أملاكه بالعدل على سمير وصبري وفتحي وعزيزة، وترك رسالة لسمير يخبره فيها أنه لطالما أحبه ولطالما فخر به وأنه حضر تخرجه وزفافه حتى بعدما منعه سمير نفسه من حضورهما بتحريض من فتحي، ثم ترك أخرى لصبري يخبره فيها أنه ليس عليه أن يخجل من شكل يده ذات العلامة، تلك العلامة ليست ذنب أخيه، لم يقصد سمير بالطبع أن يلقه بالزجاجة بل كان يقصد أباه، وترك لفتحي وعزيزة رسالة واحدة يخبرهما فيها أنه يسامحهما على تحريض أولاده عليه، وأنه سعيد بعلاقتهم معهم، إذا كانت قائمة على الحب الخالص، وفي الأخير رسالة لعزيزة يسبها فيها مرفق بها ورقة طلاقها ومبلغ من المال.


قرأ الخمسة رسائلهم ثم أحرقوها ولم يبلغوا الشرطة عن اختفاء صابر الذي دام لأشهر لم يحصوها، فكل تاه في دنياه، لكن الجرائد أحصت المدة حين كتبت "رجل يقتل خمسة ... طليقته، وولديه وأخوه وأخته بأبشع الطرق ثم يسلم نفسه بعد العودة من اختفاء دام ستة أشهر".


تمت....


قصة: ورد وشوك "الجزء الأول"

تعليقات