كتبت: إيمان حاكمهم
في زوايا الحياة المزدحمة، تختبئ حكايات موجعة لا يراها إلا من اقترب من ملامح العجز في عيون أم سهرت، أو رعشة يد أب حمل الحياة على أكتافه ليرى أولاده في خير حال. وبرغم كل هذا العطاء، هناك من الأبناء من قابل الإحسان بالجفاء، وبدّل الرحمة بالجحود. إنها ظاهرة العقوق، حين يتحول القلب الذي رُبّي على الحنان إلى صخرٍ لا يعرف الوفاء.
الأبوان.. أول من نحب، وآخر من نفكر
منذ اللحظة الأولى لولادتنا، يمد الأب والأم جسور العمر إلينا. يسهران، يكدّان، يحلمان لنا أكثر مما نحلم لأنفسنا. يمنحان دون مقابل، يتنازلان دون طلب، يضحيان بكل ما يمكن ليكون مستقبل أبنائهما أفضل.
لكن المفارقة القاسية أن بعض الأبناء، عندما تقوى أكتافهم ويُفتح لهم باب الرزق أو الشهرة أو النجاح، ينسون من صنع لهم هذا الطريق، بل ويتعاملون مع آبائهم كأنهم عبء ثقيل، أو “واجب” يجب التخلص منه بأقل مجهود.
أشكال العقوق قد لا تكون بالصوت العالي
العقوق لا يعني فقط رفع الصوت أو الإهانة، بل له صور أكثر قسوة وأشد وقعًا على القلوب:
تجاهل مكالمات الأهل، وتركهم لساعات وربما أيام دون تواصل.
الاستخفاف بمشاعرهم أو التقليل من شأن آرائهم.
وضع الأولويات في الحياة بعيدًا عنهم، كأنهم لم يعودوا جزءًا من المعادلة.
تركهم في دور المسنين تحت ذرائع "الانشغال" أو "ظروف الحياة".
إنها صور حديثة للعقوق، قد تكون هادئة، لكنها تقتل بلطفٍ بارد.
العقوق ليس فقط ذنبًا.. بل خطر على المجتمع
الابن العاق، حينما يُهمل بر والديه، لا يرتكب فقط إثمًا دينيًا، بل يهز أحد أهم أركان المجتمع: الأسرة. والمجتمعات لا تنهار دفعة واحدة، بل تبدأ من بيت لا يحترم الكبير، ومن قلبٍ جافٍ تجاه من ربّاه
ماذا لو...؟
ماذا لو تُوفي أحد والديك وأنت على خصام معه؟
ماذا لو انقطعت رسائلك، وماتت مكالماتك، وكان آخر ما تتذكره هو "سأرد عليه لاحقًا"؟
هل ستغفر لنفسك التقصير؟ هل يكفي الندم حينها؟
البر لا يحتاج ثروة.. فقط يحتاج قلبًا
ليس البر في الهدايا الفاخرة ولا الزيارات الموسمية. البر أن تكون حاضرًا، أن تسأل، أن تُشعرهم بأنهم في القلب مهما كبرت مشاغلك. أن تُنصت، وتُقبل الجبين، وتُمسك اليد التي أمسكت بك يومًا لتعلّمك المشي.
تذكر أن الزمن يدور، وكما تدين تُدان. فإن كنت اليوم ابنًا عاقًا، فغدًا قد تكون أبًا منسيًا. لا تجعل أبويك ينامان وقلوبهما مثقلة بالحزن منك. فمن أغضب أباه أو أمه، فقد أغضب بابًا من أبواب الجنة.