بقلم: إيمان حاكمهم
منذ عقود، ظلّ الصراع بين إيران وإسرائيل يتخذ أشكالًا غير مباشرة، تارةً عبر وكلاء، وأخرى عبر هجمات سيبرانية واغتيالات خفية. لكن ما كان يجري في الظل، خرج إلى النور في ربيع عام 2024، حين تحولت المواجهة إلى حرب مفتوحة، هي الأخطر في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، وقد تضع المنطقة على حافة الانفجار الشامل.
صواريخ من الشرق
في فجر يوم 13 أبريل 2024، أطلقت إيران مئات الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية نحو أهداف داخل إسرائيل، ردًا على ضربة إسرائيلية استهدفت القنصلية الإيرانية في دمشق، وأسفرت عن مقتل عدد من كبار ضباط الحرس الثوري.
لم يكن هذا مجرد تصعيد؛ بل كان أول هجوم مباشر وواسع النطاق تشنه طهران ضد إسرائيل من داخل أراضيها.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف الهجوم بـ"الخط الأحمر"، متوعدًا برد ساحق، بينما قال المرشد الإيراني علي خامنئي إن "زمن الصمت انتهى".
نار من السماء
في 26 أبريل، شنت إسرائيل عملية عسكرية غير مسبوقة أطلق عليها اسم "سيف القدس 2"، استهدفت عشرات المواقع النووية والعسكرية في إيران، أبرزها قاعدة كاشان الجوية وموقع نطنز النووي.
الضربات، التي نُفذت بطائرات "إف-35" المتطورة وبمشاركة وحدات سيبرانية، هزّت النظام الإيراني، وأسفرت عن مقتل مئات العسكريين، بينهم قادة بارزون في الحرس الثوري.
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت صرّح حينها: "ما نقوم به ليس دفاعًا عن إسرائيل فقط، بل عن مستقبل المنطقة بأسرها".
حرب الاستنزاف تبدأ
طوال صيف 2024، تصاعدت الهجمات المتبادلة:
إيران أطلقت صواريخ على قواعد إسرائيلية في النقب والجليل.
إسرائيل استهدفت مواقع صواريخ "سجيل" الباليستية ومنشآت دفاع جوي قرب طهران.
الموساد نفذ عمليات اغتيال استهدفت علماء ومسؤولين عسكريين إيرانيين.
الحرب السيبرانية اشتدت، حيث أصيبت شبكات الكهرباء في تل أبيب وطهران بالشلل المؤقت.
حصيلة أولية: أكثر من 600 قتيل إيراني، وقرابة 30 قتيلًا إسرائيليًا، فضلًا عن مئات الجرحى والبنى التحتية المدمرة.
يونيو 2025 الدم على الإسفلت
شهد شهر يونيو ذروة التصعيد. في 13 يونيو، شنت إسرائيل أكبر هجوم جوي لها على إيران، شاركت فيه أكثر من 200 طائرة، واستهدفت أكثر من 100 موقع عسكري، بما في ذلك منشآت نووية.
في المقابل، أطلقت إيران في 19 يونيو صواريخ "سجيل-5" التي طالت مستشفى سوروكا في بئر السبع، موقعًا عشرات المصابين وملوّثًا الجو بتسربات كيميائية.
الجيش الإسرائيلي أعلن أن "الحرب دخلت طور الحسم"، بينما حذّر قادة إيران من "الرد الكبير لم يأت بعد".
العزلة الدولية والدبلوماسية الهشة
بينما تتطاير الصواريخ، تتحرك الدبلوماسية بخطى ثقيلة.
قادة أوروبا اجتمعوا في جنيف للبحث عن تهدئة، لكن إيران اشترطت "وقف العدوان الإسرائيلي أولًا".
الولايات المتحدة بقيادة ترامب تعهدت بـ"حماية أمن إسرائيل"، لكنها لم تتدخل عسكريًا بعد، رغم التلويح بذلك.
الأمم المتحدة أعربت عن قلقها من كارثة نووية وشيكة.
وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان قال: "نحن نرد وفق حقنا الشرعي، لكن الباب ما زال مفتوحًا للسلام إن توقفت الغارات".
إلى أين؟
مع استمرار المعارك على ثلاث جبهات (إيران، سوريا، جنوب لبنان)، يبدو أن هذه الحرب لم تصل إلى ذروتها بعد.
المؤشرات العسكرية تشير إلى نوايا إسرائيلية بتدمير البنية النووية الإيرانية بالكامل، بينما تسعى طهران لتحويل المعركة إلى نزيف طويل لإسرائيل.
المخاوف من كارثة بيئية أو حرب نووية غير مباشرة أصبحت حقيقية، خصوصًا مع تقارير عن أضرار لحقت بمنشأة "فوردو" القريبة من سكان مدنيين.
حرب بلا منتصر
بين الضربات والصواريخ، تائهةٌ الحقيقة الوحيدة: لا منتصر في هذه الحرب.
إيران لن تتراجع عن مشروعها الإقليمي، وإسرائيل لن تسمح بوجود تهديد نووي عند حدودها.
المدنيون وحدهم يدفعون الثمن، في مشهد يتكرر، لكنه هذه المرة أخطر، أوسع، وربما… أطول.