آخر الأخبار

غرور المرأة حين تتسلّط على الرجل … قيادة المرأة حين يختل ميزان العدالة الاجتماعية

بقلم: الكاتب والمحلل أ.م.د. مهدي علي دويغر الكعبي

غرور المرأة حين تتسلّط على الرجل … قيادة المرأة حين يختل ميزان العدالة الاجتماعية

شهد العراق في العقود الأخيرة تحوّلات جذرية في البنية الاجتماعية، وعلى رأس هذه التحوّلات كان التوجّه الحكومي نحو تمكين المرأة. ولا شك أن هذه الخطوة طال انتظارها، فهي حقٌّ أصيل لا خلاف عليه، فالمجتمعات لا تنهض إلا إذا نهض نصفها الآخر، ولا تعلو أمة دون أن تُمنح المرأة مساحة عادلة للمشاركة في البناء والتطوير. فالأمم لا تُبنى بالرجل وحده، بل تحتاج إلى عقل المرأة كما تحتاج إلى عقل الرجل، إلى قلبها كما إلى قوّته، إلى شراكتها لا إلى تبعيتها.


لكن، وكما هو الحال مع كلّ حق، فإن التمكين لا يعني الإطلاق بلا ضوابط، بل يعني المسؤولية والموازنة. فالمجتمع لا يقوم على طغيان جنس على آخر، ولا بسيادة فئة على أخرى. وهنا تبدأ الفجوة التي نشهدها اليوم، حيث بدأت بعض المفاهيم تنقلب، وتحوّلت بعض دعوات التمكين من نضال مشروع إلى سلوك استعلائي مغلّف بشعارات براقة تُخفي وراءها روح التسلّط والهيمنة.


حين يُخلط الحقّ بالغرور


إن المطالب المشروعة عندما تتحوّل إلى أدوات للغرور والانتقام، فإن الفكرة بأكملها تفقد توازنها. لم يكن الهدف من تمكين المرأة إزاحة الرجل أو إقصاءه، بل كان الأصل في ذلك إقامة شراكة عادلة بين الطرفين. إلا أن بعض الأصوات النسوية، خصوصًا المتطرفة منها، بدأت تُلوّث المسار، رافعةً شعارات ظاهرها العدالة وباطنها الاستعلاء.


في هذا السياق، لم تَعُد بعض النساء تطالب بالمساواة، بل أصبحن يسعين إلى إثبات تفوّق زائف، ولو على حساب فطرتهن وأنوثتهن. فسمعنا من بعضهن عبارات مثل: "لن نسمح للرجل أن يعود للقيادة"، أو "عصر الذكورية قد انتهى"، وهي عبارات لا تعبّر عن وعي أو نضج، بل عن خلل نفسي وفكري بحاجة إلى مراجعة جذرية.


من التمكين إلى الهيمنة


لقد كان التمكين وسيلة للارتقاء، لكنه تحوّل لدى البعض إلى وسيلة للهيمنة. فبدل أن ترى بعض النساء في القيادة فرصة للعطاء، أصبحن يتعاملن معها كوسيلة للسيطرة والتحدي. رأينا من تخلّت عن رقة الأنوثة وتقمّصت قناع القسوة، تنافس الرجل لا في مواقعه، بل في رجولته، بل وتُقصيه لا لأنهن أكفأ منه، بل لأنهن منتميات إلى طبقة النسوية المتشددة.


وباتت بعض المؤسسات تُدار بعقليات متسلّطة، لا تحتضن الرجل كشريك، بل تعاديه كخصم، ممّا أدّى إلى تشوّه حقيقي في هيكل القيادة والتواصل المهني.


القدوة في نساء أهل البيت (ع)


ومن باب الإنصاف، فإننا لا ننتقد المرأة لذاتها، بل ننتقد الفكر المتسلّط المستتر خلف بعض الشعارات. ولنا في نساء أهل البيت (ع) القدوة الأسمى. فـفاطمة الزهراء (عليها السلام) لم تكن مجرد امرأة في بيت النبوّة، بل كانت نموذجًا للمرأة الواعية بدورها، تطالب بحقها دون استعلاء، وتؤدي دورها في الأسرة والمجتمع بحكمة واتزان. وزينب الكبرى (عليها السلام) كانت رمزًا للقيادة في الميدان الحسيني، واجهت الطغيان لا بغرور ولا تحدٍّ أجوف، بل بقوّة الإيمان وبلاغة اللسان. لم تسعَ إلى أن تكون بديلًا للرجل، بل رديفًا له في أحرج المواقف.


العدالة لا تنقلب


إن العدالة الاجتماعية لا تتحقق بإضعاف الرجل، ولا بتسلّط المرأة، بل تتحقق عندما يُعطى كلٌّ حقَّه وفق فطرته وطبيعته. المجتمع المتوازن لا يحتاج إلى امرأة متغطرسة، ولا إلى رجل مكسور، بل إلى إنسان واعٍ بدوره، يُكمل الآخر لا يُنافسه.


غرور المرأة حين تتسلّط لا يُنتج امرأة قوية، بل يصنع ظلًّا مشوّهًا لأنثى فقدت جوهرها، وركضت خلف وهم التفوّق بدلًا من حقيقة التوازن.


في النهاية... عودوا إلى فطرة التوازن


إلى من زيّنت له السُّلطة سُكرة الغرور، وإلى من رفعت شعارات المساواة على حساب الواقع، نقول: عودوا إلى رشدكم. لا نهضة في العراق إلا بتكامل الأدوار، لا بتصادمها. لا بناء لوطن إلا بالشراكة بين عقل الرجل وقلب المرأة، بين حنانها وحزمه، بين رؤيته ورقتها.


فقط حين نُعيد ميزان العدالة إلى نصابه، نصنع مجتمعًا ناهضًا بأبنائه وبناته، بعيدًا عن الإقصاء، وخارج حدود الغرور.


العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات