كتبت: صفاء حامد
في لحظة تجلٍّ مؤلمة، تحدثت امرأة كانت بالأمس زوجة، واليوم صارت ذكرى في حياة رجل لم يُحسن التقدير. لم تكن تروي حكاية طلاق عادية، بل كانت تسرد انهيار عُمرٍ كاملٍ من البذل والعطاء في صمت، دون كلمة امتنان، دون نظرة احتواء.
قالت بصوتٍ تختلط فيه المرارة بالعِتاب: "لن أنسى أنه كتب منشورًا يشكر فيه صديقه الذي خصص يومًا كاملًا لمرافقته لشراء بدلة ليقابل بها المدير بمناسبة ترقيته، ونسيني كعادته. أنا التي خصصت له عُمري كلَّه، لم يكن مجرد نسيان بل إلغاء".
فهي التي شجعته على أخذ الدورة رغم ضيق الحال، والتي رتبت له كتبه وأوراقه، والتي سهرت تُنظم الميزانية لتوفر له قيمة الدورة، والتي احتملت انفعالاته وظلت تواسيه وتدعمه.
"كانت أفعالي بالنسبة له شفافة، لا تُرى، بينما أقل تصرّف من الآخرين كان يُعلّقها على رأسه".
تتحدث عن يوم عزمت فيه والدته وأخواته، وسهرت الليالي لتحضير كل ما يُحب. وحين ساعدتها شقيقته في المطبخ، شكرها أمام الجميع ونسي صاحبة المجهود الحقيقي.
وتحكي عن أيام مرضه في المستشفى، كانت تبكي وهي تمسك يده، تركض لإنهاء الأوراق، تتألم من كثرة الوقوف.
"لكنه شكر إخوته الذين كانوا يزورونه، ونسي عيناي المُحمرّتَين، يدي المرتعشة، وقلبي الخائف".
لم تكن مشكلتها قلة الشكر بل فكرته أن ما تفعله واجب لا يستحق الامتنان. وعندما عاتبته، رد قائلًا: "هذا حقّي، لا أشكر أحدًا على ما أراه واجبًا تجاهه".
فردّت: "كل إنسان يستحق التقدير، خصوصًا من كان عند حسن ظنّك، لأن خذلانه يُوجِع القلب أكثر من أي شخص غريب".
ثم جاء عيد ميلاده. كانت قد بدأت منذ شهور بادخار المال من مصروفها ومن حقوقها، لتحقّق أمنيته بجهاز ألعاب ثمين. جهّزت البيت والديكور والكيكة وكل شيء يحبه. فرح، اندهش، لعب، لكنه نسيها.
نسي أن يحتفل معها، نسي أن يشكرها، نسي حتى أن يسأل كيف جمعت المال.
جلست بجواره تسأله: "هل أعجبك؟"
قال: "جداً".
قالت: "ألن نقطع الكيك ونحتفل؟"
رد: "بعد لحظة فقط"...
لكن اللحظة طالت، ودخلت الكيكة إلى الثلاجة، والنوم إلى قلبها.
وفي اليوم التالي، أصدقاؤه أقاموا له احتفالًا بسيطًا، رجع سعيدًا، كتب منشورًا شكر فيه كل من حضر، وقال إنه سيسجّل تواريخ أعياد ميلادهم. "لكن هو لم يتذكر عيد ميلادي مرة واحدة طوال زواجنا".
قالت في النهاية: "مع الوقت، توقّفت عن الانتظار، فتوقّفت عن الحب، فتوقّفت عن العطاء، وكأنّه أجبرني على الاستسلام في حربٍ كان الانتصار فيها أن يحبّني".
وبدموعٍ تقطر وجعًا، ختمت حديثها:
"أحيانًا، يزول الحبّ من قلب الإنسان رغمًا عنه؛ تراه يسير على الأشواك بحبٍّ لأجل حبيبه، لكن هذا الحبيب ينفر من شكل قدميه النازفتين، فيعود مرفوضًا، يشتد عليه ألم كل شوكة، ومن بعدها، ينتهي الحب".