آخر الأخبار

ما علاقة اليهود بالهكسوس؟

كتبت: نورهان زكريا

ما علاقة اليهود بالهكسوس؟

عند ذكر اسم الهكسوس يراود أذهان بعض الناس أنهم احتلوا البلاد بين ليلة وضحاها، ولكن هذا ليس صحيح، حيث إن ظروف البلاد السيئة التي مرَّت بها في الدولة الوسطي أدَّت إلى تدفُّق العناصر الأجنبية، وسيطرة إحدى هذه العناصر على البلاد وهي الهكسوس، وفي هذا المقال سنتكلم عن كيف جاءوا وكيف احتلوا البلاد، وكيفية طردهم من مصر وما علاقتهم باليهود. 


معنى الهكسوس


تنقسم كلمة الهكسوس على حسب اللغة المصرية القديمة إلى قسمين، فكلمة "حقا" تعني حاكم، وكلمة "شاسو" تعني بدوي، ومن الجائز أن الأخيرة قد كُتبت بالإغريقية "سوس"، وبالقبطية "شوس"، وهذا يعني أن كلمة هكسوس هي كلمة مركبة من "حقاو" و"خاسوت" ومعناهما حكام الأقاليم الأجنبية. وقد أُطلق عليهم أيضًا اسم الطاعون بسبب ما أحدثوه في البلاد، وهذا ما سنتعرف عليه لاحقًا.


أصل الهكسوس


تباينت الآراء حول أصل الهكسوس هل هم حوريون أم ساميون أم خليط من العنصرَين، وفي حال الاعتماد على الأدلة الاسمية لملوك الهكسوس نجد أسماء بعض الملوك الساميين الغربيين مثل عنت حر ويعقوب حر. 


دخول الهكسوس مصر


قد بدأ تسلُّل الهكسوس لمصر من المنطقة الشمالية للبحر المتوسط منذ حوالي بداية القرن التاسع قبل الميلاد، والحقيقة التي لا بُدّ من التذكير بها هي أن الهكسوس لم يدخلوا البلاد دفعة واحدة، بل وفدوا إليها على هيئة دفعات متفرقة صغيرة. وهذه الجماعات كان عددها يزداد إلى أن أصبح لهم سلطان عظيم في البلاد، واستغرقت عملية الزحف والتسلل ما يقرب من خمسين عامًا. 


تغلغُل الهكسوس في الحكم


مع الأسف، فإن هذه المرحلة لا نملك سوى معلومات ضئيلة عنها، حيث إن النقوش والمصادر القديمة وضّحت لنا أن هناك غُزاة تسللوا إلى البلاد وبدأوا في السيطرة عليها تقريبًا ما بين نهاية الأسرة الثانية عشرة وبداية الأسرة الثالثة عشرة، وذلك بسبب الاضطرابات الداخلية التي حلّت بين البلاد في تلك الفترة. أما عن الأسرة الرابعة عشرة، فكانت عاصمتها بلدة "سخا" وكانت في الدلتا، وغالبًا هي وليدة تمزيق شمل الدولة بعد بداية الأسرة الثالثة عشرة مباشرةً، وبعبارة أخرى، فإن الأسرة الثالثة عشرة والرابعة عشرة كانتا تحت حكم الهكسوس، حيث إنه يوجد شواهد تدل على خضوع أواخر ملوكهم لنفوذ الهكسوس. 


عاصمة الهكسوس


عندما بدأ الهكسوس بالحكم الفعلي للبلاد، قاموا بترسيخ القواعد الأساسية لقيام أسرة حاكمة، وهي اتخاذ إله لهم، واتخاذ عاصمة لهم وهي أواريس التي كانت تقع شرق الدلتا، وعلى عكس الشائع، فلم يقُم الهكسوس ببناء عاصمتهم أواريس وتشييدها، بل كانت موجودة وقائمة، ولكنهم قاموا بتحصينها وحمايتها. وكانت هذه المنقطة تعبد إله ست، وقد اتّخذوه معبودًا لهم، وذلك لتشابهه مع إلههم "بعل". وقد رفعه ملوك الهكسوس وأبدوا له الاحترام والتقدير وتقديم القرابين له. 


حكام الهكسوس


وردت أسماء ثلاثة وعشرين ملكًا من أسماء الملوك الهكسوس مدوّنة على الآثار التي تركوها، لكن هذه الأسماء متفرقة، ولا يُعرف تسلسل حكم أصحابها. وبحسب ما أورده "مانيتون"، فإن ثلاث أُسر من الهكسوس حكمت مصر، وهي الأسرة الخامسة عشرة (6 ملوك)، والسادسة عشرة (32 ملكًا) والسابعة عشرة (43 ملكًا). والأسرة الأخيرة هي غير الأسرة السابعة عشرة التي تكوّنت من أمراء طيبة في الجنوب.

 

ويبدو من خلال أسماء الملوك الهكسوس المعروفة أنهم اقتبسوا الألقاب والأزياء والتقاليد المصرية، وكتبوا أسماءهم بالهيروغليفية، وكذلك حملوا أسماء عروش مصرية. وتظهر في أسماء بعض ملوكهم مقاطع معروفة في الأسماء الكنعانية في سوريا مثل إيل El وعنات Anat. 


إن أشهر ملكين من ملوك الهكسوس في مصر هما خيان Khayan وأوسر رع أبوفيس Auserre Apopi، وكلاهما من ملوك الأسرة الخامسة عشرة، وقد بلغت سيطرة الهكسوس على مصر في عهدهم أقصى مداها وشملت بلاد النوبة. ومما يُذكر عن خيان أموري أنه عثر على آثار تعود إلى عهده في سوريا وفلسطين وكذلك في كريت والعراق، أما عاوسررع أبوفيس فقد دام حكمه أكثر من أربعين عامًا، ووُجدت له آثار عديدة في أرجاء مصر، ومن تلك الآثار لوح خشبي جاء من الفيوم. نعت هذا الملك في النص المدوّن عليه أنه ملك مصر العليا والسفلى، وقد أرّخ العام الثالث والثلاثين من حكم هذا الملك، وهو التاريخ الوحيد الذي حُفظ من حكم ملوك الهكسوس. بعد عهود أولئك الملوك الأقوياء كان حكم الهكسوس راسخًا في منطقة الدلتا وفي مصر الوسطى. 


تأثير الهكسوس على المجتمع المصري


انتشار البرونز: كان للهكسوس دور مهم في التأثير في الحضارة المصرية بما أدخلوه إليها من أفكار وتقنيات جديدة كانت سببًا بارزًا من أسباب إبقاء مصر القديمة ضمن آفاق ثقافة العصر البرونزي التي كانت سوريا مركزًا أساسيًّا لها. ونتيجةً لذلك كانت هناك تطورات وتجديدات عديدة شهدتها مصر في عهد الهكسوس في مجالات مختلفة، فقد تطوّر استعمال البرونز وأصبحت المواد البرونزية أكثر شيوعًا، ودخل السيف المقوّس والقوس المركبة إلى مصر، وفي مجال الأختام المنبسطة نصف الدائرية التي دخلت إلى مصر في نهاية عصر المملكة القديمة، وحوّلت إلى الجعلان الشائعة في عصر المملكة الوسطى، فقد أقبل الهكسوس على صناعتها بأعداد كبيرة وأصبحت أكثر انتشارًا من قبل. 


العجلات الحربية


كان لهم الدور الرئيس في إدخال استعمال الخيول للركوب، وفي صناعة العربات التي تجرّها الخيول. ويبرز هذا الدور من خلال الأخشاب المُستعملة في صناعة تلك العربات وفي المصطلحات الكنعانية التي أُطلقت على أجزائها، فضلًا عن دور الأشخاص القادمين من سوريا في قيادتها وصيانتها. 


تطوّر صناعة التزجيج: كانت مصر في عصر المملكة الوسطى تتقن صناعة التزجيج، وهي صناعة كانت تُمارس في الشرق الأدنى القديم منذ الألف الرابع قبل الميلاد، لكنها بقيت مقتصرة على الخرز والمواد الصغيرة. أما في عهد الهكسوس فإن صناعة التزجيج أخذت تشمل المواد الكبيرة وتتصف بتعدّد الألوان، وانتشرت هذه الصناعة في ذلك العهد إلى سوريا وبلاد آشور وإلى كريت، ورودس وقبرص. ورافق وجود الهكسوس في مصر تحسين وسائل صناعة الأنسجة باستعمال النول العمودي.


علاقة الهكسوس بالخيول


ارتبطت دائمًا الخيول بالهكسوس كسلاح جديد لا يعرفه أهل طبية، وكنا نرى أن نجاح الهكسوس ليس معتمدًا فقط على أسلحتهم المتفوقة ولا حصونهم المنيعة، إذ إن الخيول والعربات لعبت دورًا مهمًّا. والواقع أن الهكسوس كانوا يُعتبرون منذُ زمن بعيد أنهم هم الذين جلبوا هذه العناصر الجديدة الهامة من المدينة إلى مصر. كذلك أمدّتنا حفائر في "تل العجول" الواقع جنوب فلسطين بمعلومات عظيمة عن الحصان بوصفه حيوانًا خاصًا بالهكسوس، بل كذلك كانوا يقدّمون له القرابين. 


بداية المقاومة


بدأت حركة المقاومة ضد الهكسوس بزعامة الملك سقنن رع تا عا الأكبر وزوجته الملكة تتي شيري، والتي ذُكر اسمها خمس مرات ضمن وثائق الأسرة الثامنة عشرة، حيث ذُكرت مع أحمس الأول ضمن إهداء معبد، وهي تُنتسب لأسرة من عامة الشعب، وهي أم الملكة إعح حوتب التي أنجبت أحمس الأول مؤسس الأسرة الثامنة عشرة. 


أصوات فرس النهر في الجنوب


توجد وثيقة مكتوب فيها قصة تشير إلى الخلاف الذي وقع بين ملك الهكسوس (عاقنن رع أبو فيس) وهوتاعا الثاني أو الاسم الأشهر سقنن رع، وهي بردية سالييه الأولى، والتي تروي أن ملك الهكسوس ادّعى في عاصمته أواريس الواقعة في شمال الدلتا أن خوار فرس النهر التي تعيش في الجنوب في طيبة تؤرّق مضجعه وتزعجه في الشمال على الرغم من أن المسافة التي تفصل بينهما أكثر من سبعمِئة ميل، ومن المؤكد أن هذه كانت مجرد ذريعة اتخذها ملك الهكسوس لإعلان الحرب على ملك طيبة، والذي كان يضمر له العداء. 


بداية المناوشات


أسهم سقنن رع في مواقف دبلوماسية نشطة، ربما كانت تتألف أكثر من مجرد تبادل الإهانات مع الحاكم الآسيوي في الشمال، ويبدو أنه قاد مناوشات ضد الهكسوس، وبالرجوع إلى جروح الرأس الضارية على مومياء سقنن رع الموجودة في المتحف المصري بالقاهرة نجده متأثّرًا بجروح في رأسه، وربما حدث ذلك بسبب إحدى المناوشات. 


كامس يستكمل الحرب


أما عن ثاني الحروب الحقيقة التي دارت بين الهكسوس والمصريين، فقد دارت رحاها في عهد كامس، وهو الفرعون الأخير من أسرة طيبة السابعة عشرة. من المُمكن أن يكون ابن الفرعون سقنن رع والملكة إياح حتب وشقيق أحمس الأول، طرد كامس الهكسوس من عاصمتهم بعد أن حاصرهم، وأصبحت طيبة عاصمة لدولة لها سيادة بعد أن كان يتنازع الهكسوس السيادة معها. وتُوفّي كامس في أثناء حربه مع الهكسوس عام 1540ق.م على مشارف مدينة (أمبوس) بعد أن دخلها منتصرًا مظفرًا، جاءته ضربة الغدر من أحد جرحى الهكسوس فوافته المنية، وآخر ما نطق به أن أوصى أخوه أحمس أن يُبلغ الجدة العظيمة تتي شيري أنه لحق أباه ومات ميتة سقنن رع.


أسرة جديدة


يُعتبر أحمس مؤسس الأسرة الثامنة عشرة، وكان عضوًا في العائلة المالكة لطيبة، ابن الملك سقنن رع وشقيق الملك الأخير من الأسرة السابعة عشرة، الملك كامس. في عهد والده أو جده. عندما كان في السابعة من عمره قتل والده، وفي حوالي العاشرة عندما تُوفي شقيقه كامس كما ذكرنا، والذي لم يحكم سوى لثلاث سنوات فقط. تولى أحمس الأول العرش بعد وفاة أخيه، وقد أصبحت طيبة في ذلك الوقت متمردة على الهكسوس بعد أن كسر كامس أخوه شوكتهم في عاصمتهم أواريس. 


محاربة أحمس الهكسوس


قام الملك أحمس بتطوير الجيش المصري، فكان أول من أدخل عليه العجلات الحربية، والتي كان يستخدمها الهكسوس، وهي سبب تغلُّب الهكسوس على مصر وكان يجرّها الخيول، وطوّر كذلك من الأسلحة الحربية باستخدام النبال المزوّدة بقطعة حديد على الأسهُم، ثم بدأ بمحاربة الهكسوس بدءًا من صعيد مصر، والتفَّ حوله الشعب، فقام بتدريبهم بكفاءة حتى أصبحوا محاربين أقوياء ومهرة. 


جهود أحمس ابن أبانا في حرب الهكسوس


ترك لنا أحمس آثارًا عامة لنفسه، ومن أهمها لوحة كبيرة سجَّل فيها أعمال أحمس، وذكر والدته، وأشار إلى الأعمال الحربية التي قام بها، ومن المُرجح أن والده كان ضابطًا أيضًا في الجيش، أشار أحمس في كلماته أن حصار أواريس كان طويل الأمد، وقد رقَّى فيه أحمس، وأعطى له منحة "ذهب الشجاعة" خمس دفعات في عهد أحمس الأول، وقد قام أحمس بأسر واحد من الهكسوس على الشاطئ الذي يعسكر فيه الهكسوس، وخاض به إلى الشاطئ الذي عليه المصريون والأسير على ظهره، وقد كُوفئ على هذ العمل بالذهب من جديد. والحدث الثاني الذي ذكره هو تخريب أواريس، وحصل من أجله على عبد وثلاث إماء نصيبه من الغنائم، وقد وصل هذا الحدث إلى الإغريق، وذلك أن مؤرّخًا يُسمَّى "بطليموس المنديسي" قد وصلته قصة تفويض أحمس الأول لأواريس. 


حصار شاروهن


كان أهم ما ذكره أحمس ابن أبانا هو حصار شاروهن وهي بلدة في قبيلة "سيمون" جنوبي "يوده"، وهي التي تقهقر إليها الهكسوس، وقد سلمت بعد حصار دام ثلاث سنوات إلى أن سقطت هي الأخرى في يده، وبهذا تم القضاء على قوتهم نهائيًّا. 


ونأتي هنا لسؤال عنوان الموضوع، وهو ما علاقة الهكسوس باليهود؟


يحاول اليهود بشتّى الطُّرق أن ينسبوا أنفسهم إلى المصريين، وأن يرفعوا من أنفسهم، لذلك يحاول المؤرّخون اليهود الرفع من شأنهم، فنجد المؤرّخ اليهودي فلافيوس يوسفس الذي عاش في القرن الأول الميلادي ينقل كتابات المؤرخ المصري مانيتون، ليرفع شأن اليهود الذين كان يحتقرهم كتاب الإغريق ويحطّون من شأنهم، لذلك أخذ المؤرّخ يوسفس يبرهن للملأ أن الهكسوس واليهود هم عنصر واحد، وقد خرجوا من مصر منذُ حوالي ألف سنة قبل حروب "طروادة" ذائعة الصيت، والتي خلّدها هوميروس في الإلياذة والأوديسة، فيشير يوسفس أن مانيتون كتب عنّا (أي اليهود)، وكان يبالغ في عدد الرجال، وأيضًا مساحة أواريس. والواضح من كلام يوسفس أنه يرغب في تعلية شأن قومه.

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات