آخر الأخبار

عيد الفلاح: أين ذهب الفلاح عمود الاقتصاد؟

كتبت: صفاء حامد

عيد الفلاح: أين ذهب الفلاح عمود الاقتصاد؟

بدأت الحضارة المصرية عتلى ضفاف النيل وبأيادي الفلاح المصري حيث كانت الزراعة بداية الاستقرار، مما ساهم في التحول من حياة الكهوف إلى حياة البيوت. 


تعود جذور الزراعة في مصر إلى الحضارة الفرعونية، حيث كان الفلاحون يُعتبرون العمود الفقري للاقتصاد. اعتمدت مصر القديمة بشكل كبير على نهر النيل الذي كان يُغذي الأراضي الزراعية. كان للفلاحين دور كبير في إنتاج المحاصيل مثل القمح والشعير، مما ساهم في ازدهار الحضارة. عاش الفلاحون في قرى بسيطة، وكانوا يعملون في الزراعة بجانب الحرف التقليدية. كانت حياتهم مملوءة بالتحديات، لكنهم كانوا يحظون بتقدير المجتمع.


يُعتبر 9 سبتمبر 1952 تاريخًا مميزًا في تاريخ مصر، حيث تم فيه إصدار قانون الإصلاح الزراعي الذي ساهم في تغيير وضع الفلاحين وتحسين ظروفهم. ويهدف هذا اليوم إلى تكريم الفلاحين ودورهم الحيوي في تحسين الإنتاج الزراعي ودعم الاقتصاد الوطني. كما يساهم الاحتفال بهذا اليوم في زيادة الوعي بأهمية الزراعة والفلاحين كعناصر أساسية في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية المستدامة.


هذا اليوم يمثل رمزًا للاعتراف بمساهمات الفلاحين في المجتمع المصري وتقدير جهودهم. 


تمر الزراعة في مصر بمرحلة تاريخية حرجة، حيث يعاني الفلاحون من إهمال الدولة لمُنتِجي الغذاء الأساسيين، مما يؤدي إلى تفشي الفقر بينهم نتيجة السياسات المتعاقبة التي تتجاهلهم.


حيث أن الزراعة ومنتجاتها تستوعب أكثر من 50% من قوة العمل المصرية، بينما تستورد الدولة أغذية وحبوبًا بقيمة 15 مليار دولار سنويًا. لو حصل الفلاحون على نفس الدعم الذي يتلقاه المزارعون في العراق، لكان بالإمكان تحقيق الاكتفاء الذاتي في السلع الأساسية.


حيث تعاقدت الحكومة العراقية مع المزارعين على شراء القمح بسعر يعادل ضعف السعر العالمي، حيث بلغ 400 دولار للأردب. ورغم الأزمة المائية التي يعاني منها العراق بسبب إنشاء تركيا لعدد من السدود على نهري دجلة والفرات، إلا أن المسؤولين هناك يدركون أهمية الزراعة وقيمتها.


ونذكر مثال العدس الذي يحتاج إلى 100 ألف فدان، والفول الذي يتطلب زراعة أقل من نصف مليون فدان، والأرز الذي يمكن أن يفيد أراضي الدلتا بتنقيتها من الأملاح. كما أن زراعة مليون و500 ألف فدان بالأرز في الدلتا يمكن أن تخفض الأسعار وتحافظ على جودة التربة، ولكن قطاع الزراعة يتأثر سلبًا بغياب الفلاح ودعم الدولة للفلاح.


هل من المعقول أن تكون تكلفة إعداد وجبة شوربة عدس في بلد يُنتج العدس فيه أغلى من أي شوربة أخرى؟ وكيف يمكن أن نستورد 50% من الفول، وهو جزء أساسي من إفطار المصريين؟ تدفع الحكومة أسعار مضاعفة للقمح من الدرجة الثانية مقارنةً بالقمح المصري المصنف من الدرجة الأولى. 


تسائل الكثيرون عن عدم تطبيق الحكومة لسياسات دعم فعالة لمحصول قصب السكر، رغم الأزمات المتزايدة في أسعار السكر. فيُعتبر قصب السكر مصدرًا أساسيًا لإنتاج السكر، بالإضافة إلى 17 منتجًا آخر مثل العسل والكحول الأبيض والعلف. دعم زراعة القصب يمكن أن يحل جزءًا من أزمة ارتفاع أسعار السكر.


إذا زادت المساحات المزروعة بمحاصيل استراتيجية، مثل القمح والفول والعدس والأرز والسكر، فإن ذلك يمكن أن يُقلل الاعتماد على الاستيراد، مما يوفر العملة الصعبة ويعزز الاقتصاد الوطني. وضرورة الاستثمار في البحث العلمي وتطوير الزراعة، حيث يُمكن أن يُسهم دولار البحث العلمي في تحسين الإنتاجية وتقليل الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك.


تساهم الزراعة بحوالي 12% من الدخل القومي، وزيادة الاهتمام بالمحاصيل الاستراتيجية يمكن أن تعزز هذه النسبة وتحقق فوائد اقتصادية كبيرة.


ومن الجدير بالذكر أن المحاصيل الأخرى التي تصدرها مصر لا تحقق سوى مليارين ونصف المليار دولار، في حين أننا نستورد سلعًا أساسية بقيمة 15 مليار دولار.


يأتي دور وزراء الري والزراعة والتموين والذي يهدف إلى وضع استراتيجية مشتركة لتحقيق غذاء المصريين، مع التأكيد على أهمية عدم التعالي على الفلاحين، بل مشاركتهم في هذه الاستراتيجية لخدمة الصالح العام. ويجب أن تكون الأولوية للاكتفاء الذاتي من المحاصيل والسلع الرئيسية، يليها الاستثمار في البحث العلمي لتوفير بذور وشتلات تستهلك كميات أقل من المياه في ظل ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات المناخية. وهناك مقولة متداولة وهي كل دولار يُستثمر في البحث العلمي يُمكن أن يُحقق عائدًا يصل إلى 10 دولارات.


أهمية الأسمدة ليست مفيدة للفلاحين فقط، بل تعود بالنفع على الدولة بأكملها. فالفلاح الذي يُجبر على استخدام نصف كمية الأسمدة المطلوبة قد يؤدي ذلك إلى تقليل إنتاجية المحصول بنسبة 30%، مما يُجبر الدولة على استيراد القمح بالعملة الصعبة. كلما أهملت الدولة قضية الأسمدة، زادت تكاليف توفير السلع الضرورية، مما يُبعد البلاد عن تحقيق الاكتفاء الذاتي.


ودور الحكومة هام في هذه المرحلة فيجب عليها شراء المحاصيل من الفلاحين بالسعر العالمي، وتخفيض أسعار الأسمدة والغاز، التي شهدت انخفاضات في الأسعار العالمية لكن لا تزال مرتفعة في مصر. في الوقت نفسه يُعاني الفلاحون من ارتفاع إيجارات الأراضي الزراعية، التي وصلت إلى 25 ألف جنيه للفدان، وفي بعض المناطق إلى 40 و50 ألف جنيه.


 دور الفلاح لا يقتصر على إنتاج المحاصيل، بل يحتاج إلى دعم الدولة ورعايتها. لن تنخفض أسعار الطعام ما لم نهتم بقدراتنا الزراعية، يكمن سبب ارتفاع أسعار الزيوت التي بلغت 120 و150 جنيهًا للكيلو عدم زراعة فول الصويا وعباد الشمس، وغياب مشتري لهذه المحاصيل. يجب على الدولة أن تتحول إلى مشتري يوفر الموارد اللازمة لإنتاج هذه الزيوت، والتي أغلقت بفعل الأزمة الاقتصادية.


إن تحقيق الأمن الغذائي في مصر يتطلب تعاونًا فعّالًا بين الحكومة والفلاحين، من خلال وضع استراتيجيات مشتركة تدعم الإنتاج المحلي وتحقق الاكتفاء الذاتي. يجب على الدولة أن تعيد النظر في سياساتها المتعلقة بالأسمدة والأسعار، وتوفير الدعم اللازم للمزارعين، لضمان استدامة الزراعة وتحسين الظروف المعيشية للفلاحين. إذا تم الاستثمار في البحث العلمي وتطوير الزراعة، فإن ذلك سيساهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد ويعزز الاقتصاد الوطني، مما يعود بالنفع على الجميع.

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات