كتبت: صفاء حامد
تذكر معي، عزيزي الفيسبوكي، أنه منذ زمن ليس ببعيد كان أفراد الأسرة يجتمعون في وجبات الغذاء الثلاث ويتبادلون أطراف الحديث. تغير النظام قليلًا حيث يخرج الأب إلى عمله كالمعتاد، والأم أيضًا خرجت إلى سوق العمل، ولكن ما زال التجمع الأسري موجودًا، والسؤال عن أحوال الأبناء وتعليم الصح والغلط لا يزال حاضرًا. ويصر الأب على اصطحاب ابنه إلى الصلاة في المسجد، وفي الطريق يشير إلى منزل فلان ويخبره أنه منزل الحاج الفلاني صديق الطفولة، ويلقي السلام عليه. كانت هذه حياة وربما في الثلاثينيات كانت هناك حياة أخرى.
ولكن مع التطور التكنولوجي وتغير الحالة الاقتصادية للشعب المصري، أصبح الحصول على وظيفة دربًا من دروب الخيال. دفعت وسائل التواصل الاجتماعي الناس إلى طريقها؛ فمن يعمل يريد أن يحسن دخله، ومن لا وظيفة له يريد أن يكون له راتب وأموال ودروع، بغض النظر عن المحتوى المقدم. تجد هناك أصنافًا من المحتوى الرديء، مثل ذلك الأب الذي يدخل بناته في البث المباشر (اللايف) ويجلس في زاوية يحسب عدد اللايكات والأسود والجوائز، غير مهتم بملابس بناته أو المحتوى المعروض. وهناك الموظف الذي يعرض وجبة الغذاء وبحزن يقول "أكلة بسيطة مش هتاخد لايك"، وانظر معي لتلك الوجبة: تارة تكون سمكًا وأرزًا وسلطة ومخللًا، وتارة أخرى لحمة وأرز وفاصولياء وسلطة مصنوعة من الطماطم التي وصل سعرها إلى ٢٠ جنيهًا للكيلو.
أما الطامة الكبرى فهي مجموعة المنقبات بنظام جديد، حيث ترتدي المنقبة النقاب على البيجامة وتخرج وتنشر محتواها على الجميع. أصبحت كلمة "كبس كبس" أفضل من "اعمل بجد". هذه الكلمة جعلت الرجال يتركون ميادين العمل أو البحث عن فرصة عمل ويتجهون إلى ميدان التيك توك. هناك نسبة كبيرة من الشعب المصري يبحثون عن الربح من التيك توك. ولكن أين الحكومة من كل هذا؟ هناك قنبلة موقوتة في هذا العالم؛ فقد دفع الأب بناته للظهور على الإنترنت، وتخلت المنقبة عن نقابها، وأصبح هم الشباب الحصول على الأموال، وتناسى الجميع القيم والأخلاق والمبادئ.
لذلك، يجب على الحكومة اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة حيال هذا الأمر، وتكون الإجراءات على محورين: أولًا، توفير فرص عمل للشباب وكبح جماح الأسعار؛ وثانيًا، فرض قيود على التيك توك، ومن يقدم محتوى غير لائق يتعرض للمساءلة القانونية. يجب أن يكون هذا دائمًا وليس حالة كل سنة، وتنظيف عالم التيك توك من قذارته لكي يعود الجميع إلى أرض الواقع وتحقيق حلم التنمية للدولة؛ لأنه لا توجد تنمية لدولة بدون شعبها.