كتبت: نورهان زكريا
المقدمة
بعد أن اكتشف كولومبوس القارتين الجديدتين، الفتت الأنظار حولهم من حيث دراسة طبيعة البشر هناك والاستفادة منهم بشتى الطرق، وعند وصول الإسبان اندهشوا من التقدم الحضاري لديهم، وفي هذا المقال سنعرض أهم الحضارات التي قامت فالعالم الجديد من الناحية السياسية، الاجتماعية، الدينية.
اكتشاف كولومبس الأمريكتين
كريستوفر كولومبوس لم يكتشف "قارتين جديدتين" بل اكتشف الجزر الكاريبية وقرب منها إلى أمريكا الوسطى. لم يكن يعي أنه اكتشف قارة جديدة، بل كان يعتقد أنه وصل إلى الهند، ولذلك سُمي السكان المحليين بـ"الهنود الحمر".
السبب الرئيسي لرحلة كولومبوس
هدف كولومبوس الأساسي هو إيجاد طريق بحري جديد إلى آسيا، وليس اكتشاف قارات جديدة. طريق رأس الرجاء الصالح لم يكن موجودًا في ذلك الوقت، حيث تم اكتشافه لاحقًا من قبل البرتغاليين في 1498.
ماذا وجد المكتشفون الأوائل عندما وصلوا إلى أراضي العالم الجديد؟
نشأت في القارة الأمريكية حضارات مهمة كان أهمها في أمريكا الوسطى، ثم انبثقت من هذا المركز الحضاري تأثيرات حضارية إلى جهات أخرى من أمريكا، فتأثر الهنود الحُمر والأقوام البربرية بها، فانتقلت البوادر الحضارية إلى أمريكا الشمالية والجنوبية، وتعد هذه الحضارات هي حضارات قامت بحد ذاتها ولم تشتق من حضارة سابقة لها، ومن أشهر تلك الحضارات هي (الأزتيك، والمايا، والأنكا)، والتي قضى عليها الفاتح الاسباني (بيزارو) في سنة (1530م).
الاتصال بين المصريين القدماء وحضارات أمريكا
هذه فكرة تندرج تحت "النظريات المثيرة للجدل"، وليست مثبتة علميًا. لا يوجد دليل قاطع على أن المصريين القدماء تواصلوا مع حضارات أمريكا الوسطى مثل المايا. التشابهات بين الأهرامات في مصر وأمريكا يمكن أن تكون ناتجة عن تطورات مستقلة.
حضارة المايا
تقع في أمريكا الوسطي في بلاد جواتيمالا وجنوب الهندوراس، ويرجع تاريخها إلى ثلاث آلاف سنة قبل الميلاد. كانت الزراعة هي مصدر رزقهم الأساسي. ساعدت ديانتهم على تطور فن العمارة والتصوير؛ إذ شيدت شعوب المايا مدنًا بعضها بلغ درجة عالية من الازدهار، وقد بنى معماريون ذوو خبرة عالية أهرامات بالأحجار الكبيرة استقر في أعلاها معبد صغير، كما شيدوا نوعًا من الأقواس وذلك بواسطة بناء جدارين متواجهين عند القمة وربط بينهما بالأحجار المسطحة، كما بنى سكان المايا البنايات الكبيرة المسطحة، ومن المعتقد أنها كانت مهيأة لسكن الكهنة في الاحتفالات المهمة، ويقع أكبر معبد في العاصمة شيشن إيتزا. وكان يوجد شمال هذا المعبد نهر مقدس. وكان يوجد عندهم ازدواجية في الدين والتي تتلخص في الصراع الدائم بين قوى الخير وقوى الشر وكان الثعبان هو الحيوان المقدس عندهم.
معرفة شعوب المايا بعلم الفلك
بلغ هذا الشعب درجة كبيرة من الحضارة والتنظيم الاجتماعي؛ إذ عرفوا علوم الفلك فأقاموا مرصدًا فلكيًّا تميّز بالدقّة والتقدُّم، كما توصَّلوا إلى نوع من الكتابة سجلوا به كل ما عرفوه من تاريخهم من حركات النجوم، إلا أن العلماء عجزوا عن فك رموز ما تبقَّى من آثار تلك الكتابة. ويُلاحظ أن لغة المايا المحلية لا تزال موجودة حتى الآن، وهي أكثر اللغات المحلية انتشارًا في أمريكا الوسطى، إلا أنها فقدت الكثير من مصطلحاتها القديمة بسبب ما دخلها من كلمات إسبانية.
حضارة الأزتيك
ذكر أن الأزتيك أسسوا أولى مدنهم في موقع مكسيكو سيتي الحالية في القرن الثالث عشر الميلادي، وهذا صحيح، ولكن هناك بعض التفاصيل الإضافية التي يمكن توضيحها مثل توسعهم السريع وتحالفاتهم مع قبائل أخرى، وأصبح نفوذها يغطي جميع المناطق الكائنة بين شواطئ المحيط الأطلسي في الشرق، وشواطئ المحيط الهادي في الغرب، وذلك في حدود النصف الأول من القرن الخامس عشر الميلادي. وكانوا قبائل رُحَّل اعتمدوا على الصيد والقنص. ويمكن القول إن هذه الشعوب كوَّنت شبه إمبراطورية، وقد تمكَّنوا من إقامة عاصمة لهم، وهي المعروفة الآن باسم مكسيكو الحالية، وقد كانت متطوِّرة لدرجة أدهشت علماء الإسبان الأوائل.
الحياة الدينية للأزتيك
تعدَّدت الآلهة عند شعوب الأزتيك، فقد وُجدت عناصر ثنائية مُتناقضة في شتَّى المجالات، ويشير العالم المكسيكي ألفريدو لوبيز أوستن (وهو عالم في العلوم الإنسانيّة)، أن في عالم الأزتيك ثنائيات مُتناقضة، ومنها (السماء والأرض، والحرارة والبرودة، والقوة والضعف، وغيرها...) وهي مُكمّلة لبعضها البعض، ومُتبادلة في الهيمنة والنفوذ. وقد ظهرت عندهم فكرة التوحيد، ولكن اقتصرت على المُثقَّفين، وأقام الأزتيك معابدهم فوق الأهرامات وحاولوا بكافَّة الطرق إرضاء الآلهة من حيث تقديم القرابين لها، والتي كانت عبارة عن تقديم حيوانات أو نباتات، وأحيانًا قرابين بشرية.
نظام الحكم والحياة العسكرية عند الأزتيك
كان نظام الحكم عند الأزتيك نظامًا وراثيًّا، ينتقل من الآباء إلى الأبناء، ولذلك اهتم الملوك بتنشئة أبنائهم وتعليمهم وإعدادهم لمهمَّة العرش الملكي من بعدهم، إذ يتربَّى الحاكم منذ صغره على فن الخطابة والكلمات المُقدَّسة، ومن خلال مراحل شعائرية مُكثَّفة، يشغل مكانة مميزة عن سائر البشر. وأما من الناحية العسكرية، فقد كان لأفراد الجيش مكانة خاصة تُعادل مكانة الكهنة ورجال الدين، ونظرًا لقوة هذا الشعب كوّنوا جيشًا قويًّا مُنظَّمًا؛ حيث انقسم الجيش إلى قسمين، هما: القسم الأول مُحترفون وهؤلاء يتم تدريبهم في مدارس عسكرية خاصة لعدة سنوات، ويشترط أن يلتحق بهذه المدارس على مستوى مُعيّن من الثقافة. والقسم الآخر هم غير المحترفين، وهؤلاء تُفرض عليهم الخدمة العسكرية العادية ويُدعون فقط وقت الحرب. وبفضل هذا التنظيم اشتهرت قبائل الأزتيك في أمريكا الوسطى، وبالرغم مِمَا تميَّزوا به من عنف وقوة لم يكونوا ميَّالين إلى سفك الدماء، بل كانوا يفضِّلون أخذهم أسرى لتقديمهم كقرابين للمعابد.
الحياة الاقتصادية عند الأزتيك
عرف الأزتيك تقويمًا لضبط الزراعة، وكانوا أقرب إلى الشيوعية البدائية، فالجميع يعمل لدى مزارع الدولة، والذين لا يعملون لا يُوزَّع عليهم الطعام، وقد اشتُهرت الأزتيك باستخراج الذهب، وهو الذي أغرى الإسبان للاستيلاء على المكسيك.
حضارة الأنكا
استطاعت تلك الشعوب القضاء على الحضارات التي كانت قبلها في جبال الإنديز في القرن العاشر الميلادي، وقد امتدَّ نفوذ تلك الحضارة حتى شمل في مطلع القرن السادس عشر بوليفيا والإكوادور وشيلي. وقد عرف شعب الأنكا نوعًا خاصًّا من الكتابة، ولكن اختلف العلماء في مدلولها، كما اشتهروا بالبناء والعمران فشيَّدوا القصور والمعابد، كما شيَّدوا طرقًا تربط العاصمة بجميع أنحاء الإمبراطورية أدهشت المغامرين الإسبان.
الحياة السياسية للأنكا
كان على قمة الهرم السياسي الأنكا، وهو الحاكم الأعلى للبلاد وذاته مُقدَّسة وسلطته على البلاد لا حدَّ لها ويليه مباشرةً رؤساء الوحدات الإدارية، وأهمهم حكام المقاطعات، وعددهم أربعة. ويُعيَّن هؤلاء جميعًا في العاصمة، ويشكِّلون مجلسًا خاصًّا يساعد الحاكم. والإدارة عند الأنكا كانت مركزية؛ حيث تركَّزت جميع الإدارات الحكومية في العاصمة كوزكو حتى يسهل على الحاكم إدارة شؤون البلاد.
الحياة الاجتماعية للأنكا
يمكن الإشارة إلى أن حضارة الأنكا كانت معقدة ومنظمة للغاية، وأن الأيولو (Ayllu) كان بالفعل أساس التنظيم الاجتماعي، ولكن تصنيف المجتمع إلى طبقات بهذا الشكل الصارم يمكن أن يكون مبالغًا فيه بعض الشيء، حيث كان هناك تداخل بين الأدوار والمسؤوليات، وكان المجتمع ينقسم إلى عدد من الطبقات يتقدَّمها الأنكا، والتي كان لها طابع القداسة، ثم تليها طبقة الأشراف، وهؤلاء يتمتَّعون بامتيازات متعدّدة، أهمها حصر المراكز القيادية والتعليم والثقافة لهم، ثم رجال الدين وكهان المعابد، ولهم امتيازات متساوية مع طبقة النبلاء ورجال الحكم، وكان على رأسهم الكاهن الأكبر (كاهن معبد إله الشمس)، وهو عادةً شقيق أو عم الإمبراطور، وأخيرًا طبقة العامة ومهمّتهم الأساسية خدمة الدولة في مقابل أن الدولة توفّر لهم الحماية من الجوع والمرض والشيخوخة.
الحياة الدينية للأنكا
كانت عبادة الشمس هي الدين الرئيسي للدولة، وكان أهم المعابد موجود في العاصمة كوزكو.
الحياة الاقتصادية للأنكا
لم يعرف هذا الشعب ملكية الأرض، فالأراضي الزراعة تنقسم عندهم إلى ثلاثة أقسام: قسم خاص بالإمبراطور، وقسم خاص بإله الشمس ويديره ويستثمره الكهنة والقسم الثالث مُوزَّع بين القبائل. وقد برعوا أيضًا في صناعة الحلي والمجوهرات وغيرها من الصناعات المُتقدِّمة.