آخر الأخبار

كلمات بلا معنى

كتبت: ولاء عبد الهادي

كلمات بلا معنى

دائمًا ما كانت الكلمات هي الوحيدة التي تنصفني وتواسيني، كنت دائمًا أهرب إليها وأهرب فيها. لا أعرف ماذا حدث، كيف تخونني كلماتي الآن! باتت جميع حروفي باردة جامدة، لا أشعر بها، ليس لها أي معنى. ماذا حدث؟ أشعر كأنني أضعت كلماتي وحروفي، لا أستطيع التعبير عن شيء، لا أعرف لماذا حدث ذلك؟!


أنا وكلماتي قصة وعلاقة من نوع خاص، هي نور طريقي ورفيق حكايتي. كانت دائمًا موجودة، معبرة عن كل ما يحدث لي، كانت شاهدة على جميع تفاصيل حياتي، فكنت أدون ما يحدث لي على هيئة حروف وكلمات. جميع مشاعري وتجاربي، فرحتي وحزني، انتصاراتي وخسارتي، كل شيء.


تلك الكلمات لم تخذلني يومًا. أذكر ذلك اليوم الذي كنت أصرخ بداخلي، أتألم، شعرت بالاختناق وكأن العالم قد ضاق بي كفتحة إبرة ضيقة. لم يستطع أحد فهمي أو مواساتي، لم يشعر بي أحد، وأنا لم أستطع أن أشرح لهم مدى حزني وضياعي. كانت تلك المرة الأولى التي أكتب فيها، لم أكن أعلم ماذا أكتب، لم أكن أعلم بماذا أشعر!


بدأت بكتابة كلمة، بعدها كلمة، بعدها جملة حتى توالت الحروف والكلمات. لم أكن أكتب بطريقة منظمة، ولم أكن أكتب أحداثًا مرتبة أو قصة معينة، كانت مجرد خواطر وجمل عشوائية. فكل ما شعرت به كتبته، كل أفكاري وأمنياتي وأوجاعي. تخليت عن خجلي وضعفي، تخليت عن نفسي وكتبت وكأنني أكتب قصة شخص آخر، ظللت أواجه نفسي بكل شيء.


كنت كأنني شخصيتين: الأولى هي تلك الإنسانة المتألمة والضائعة، والثانية هي تلك الكاتبة صاحبة الحروف والكلمات التي لا تخشى شيئًا. كانت مواجهة شرسة، فتلك الكاتبة لم ترحم الإنسانة، فكانت تطرح الأسئلة التي تتجنب مواجهتها الإنسانة.


كان الأمر وكأنني مصابة بالانفصام، لقد جُننت فعلًا.


كانت تلك البداية، بداية رحلة طويلة، حكاية قد تبدو مملة أو ساكنة. ولكن كانت العكس تمامًا، فلقد أصبحت أنا وكلماتي رفقاء درب مليء بالمشاعر المجنونة، والأفكار الغريبة، والحكايات والتفاصيل المثيرة. كنت دائمًا أجد الكلمات المناسبة للموقف المناسب، كنت أعبر عن كل شيء بداخلي بدون خوف أو قيود. أكتب في كل مكان، في ورق، في الهاتف، في مذكراتي أو على صفحاتي، في المحادثة التي بيني وبين نفسي على الهاتف، في كل مكان، حتى في عقلي.


كنت أنسى المواقف والمشاعر وأتخطى الأشخاص ببساطة، ولكن كلماتي كانت تظل دائمًا موجودة، حتى على الأقل في مخيلتي. لم تخذلني أبدًا.


الآن بدأت أشعر ببرودة الكلمات، بضياع الحروف. أشعر وكأن الكلمات لم يعد لها معنى، لم تعد تعبر عما بداخلي، وهذا الأمر أصبح يخيفني، فلا أعرف ماذا سأفعل بدون حروفي وكلماتي!


أصبحت ساكتة حتى في مخيلتي، أبحث عن الكلمات فلا أجدها. أصبحت لا أعرف ماذا أقول أو بماذا أشعر! شعور غريب ومخيف، الشيء الوحيد الذي كان يسمعني ويفهمني لم يعد موجودًا. كيف سأتعامل مع هذا العالم بدون كلماتي؟


لن أكتب نهاية لأنني لن أقبل بهذه النهاية، لن أقبل بنهاية رحلتي مع كلماتي. بالأمس، والآن، وغدًا، وكل يوم حتى نهاية حياتي، لن أتوقف عن الكتابة ومعانقة جميع أحلامي ومشاعري بكلماتي.

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات