آخر الأخبار

رسالة إلى صديقي العزيز

كتبت: ولاء عبد الهادي

رسالة إلى صديقي العزيز

كنت دائمًا أعتقد أنه لا بد أن يكون للشخص صديق واحد حقيقي على الأقل. لم أفهم قط كيف يمكن للشخص أن يعيش وحيدًا! كيف لا يكون هناك شخص واحد على الأقل يعرفني ويعرف حقيقتي وقصتي! كان هذا الموضوع مخيفًا بالنسبة لي كثيرًا، أخاف أن أموت في لحظة وتموت معي تفاصيل وحكايات ومشاعر لا أحد يعرفها غيري.


وربما لهذا كنت أحاول دائمًا تكوين روابط قوية مع أشخاص مقربين، روابط تجعلنا مميزين في حياة بعضنا البعض، وكانت هنا بداية اللعنة، بداية الخراب...


كل محاولة لي لجعل شخص ما صديقي المقرب كانت تأخذ جزءًا من روحي، جزءًا من طاقتي. كان الموضوع أشبه بكتابة روايات جميعها لديها نفس النهاية مع اختلاف الأشخاص والأسباب. دائمًا ما كان ينتهي الأمر باعتذار مني وخسارة شيء لم أرد خسارته!


أنا شخصيًا أملك معتقدًا أو مبدأ أن لا شيء يستحق حتى أكون سببًا في أذية شخص، أي نوع من الأذية إذا كان فعلًا، قولًا، مجرد نظرة، رد فعل على شيء أو حتى سكوت في حالات معينة. بالنسبة لي، كسر الخواطر من أعنف أنواع الأذية التي يمكن للشخص أن يفعلها. كيف يمكن لشخص أن يطلب من الله جبر خاطره وهو لا يتردد حتى في كسر خواطر الناس؟!


وربما معتقداتي "متطلباتي" كانت مبالغ فيها لدرجة أنني بعد هذه السنوات الطويلة لم أستطع تكوين صداقة تستمر حتى الآن. أنا الصديق المقرب للجميع لا أملك صديقًا واحدًا مقربًا. دائمًا ما أسأل: أين المشكلة؟ لماذا لا ينجح الأمر؟ هم أشخاص جيدون وأنا أحاول دائمًا أن أكون جيدة، إذًا لماذا لا يحدث الأمر؟ لماذا أفشل كل مرة في المحافظة على صداقتي لشخص ما؟


طبعًا لا أعتقد أنني جيدة أكثر من اللازم أو أن متطلباتي سامية أو مثالية للغاية. إنها أمور بديهية، لا أطلب أن يحضر لي شخص النجوم، كل ما أطلبه أن تكون علاقة صداقة بكل ما تحتويه الكلمة من معنى، من وعود ومن وفاء. أنت صديقي، أنت الاستثناء، أنت رفيق الروح ورفيق الدرب، أنا لا أطلب المستحيل.


ربما كانت المشكلة في أني كنت دائمًا أنتظر أن يعاملني الآخرون مثلما أعاملهم. رغم أني حاولت تخفيف توقعاتي ومتطلباتي إلا أن وصل بي الأمر أن أصبحت جميع علاقاتي سطحية. أين الترابط والقرب بين شخصين يتحدثان في المناسبات وبعض اللحظات العابرة؟! متحججين بأن الحياة سريعة، مليئة بالأحداث والمسؤوليات... إلخ. هل تمزحون معي؟ نحن من المفترض أننا أصدقاء مقربون وأساس أي صداقة أو أي علاقة هي المشاركة.


كنت أتفهم جميع الأسباب وجميع الحجج _الغير مقنعة بالنسبة لي_ تفهمت الجميع وتركتهم يفعلون ما يريدون وأكملت طريقي بكل بساطة. ظللت أجرب وأجرب لتكوين تلك الصداقة التي أحلم بها ومع خذلان كل علاقة تفشل كان جزء مني ينطفئ، يتعود على الوحدة. رغم أني لم يكن لدي مشكلة مع الوحدة فأنا أشبه الزهرة، أستطيع تعمير أي مكان أتواجد به، أستطيع التكيف مع أي بيئة أعيش بها.


وكانت تلك الصداقة آخر محاولاتي، حاربت طويلًا من أجلها. أردت ولو لمرة أن ينصرني أحد، أردت لمرة واحدة فقط أن لا أهون على شخص، أن يكون فراقي مستحيلًا بالنسبة لشخص. ولكن بات الأمر بالفشل وكالعادة أصبحت الطرف المتفهم والمتقبل للأسباب والمنطق وللمصطلحات التي دمرت معنى الصداقة في نظري.


لأصدقكم القول، آخر محاولة وآخر صداقة هي الوحيدة التي تمنيت أن تكمل معي، خصوصًا أنها جعلتني شخصًا أفضل.


ولنكن واقعيين، مع انتهاء أي علاقة يكون هناك نوع من الشعور بالفشل والخذلان والمشاعر السلبية وبعض مشاعر التردد والضياع. مجرد تخيل أن أعز شخص لك وأقربهم إليك لم يعد موجودًا، لم يعد صديقك. يحضرني مقولة: "الآن أصبحت شخصًا غريبًا يعرف جميع أسراري".


شخص في مكاني سوف يصاب بالإحباط ويسرع في إخبار الآخرين أن الصداقة شيء خيالي، وأن العالم مليء بالكاذبين والأنانيين، وأن وحدة الإنسان هي قوته... إلخ.


ولكن لا! فمع كل تجربة وكل محاولة كنت أشعر بمشاعر جميلة وسعادة لا توصف لم أكن لأعرفها لولا دخولي في تلك العلاقات. حتى الجانب الحزين من العلاقة جعلني أقدس اللحظات السعيدة، جعلني أعقل وأنضج لأعرف ماذا أريد وكيف أتعامل _أستغل_ جميع اللحظات السعيدة والحزينة.


ربما غرور أو ثقة بالنفس، ولكن أنا دائمًا مقتنعة أنني لا أخسر أحدًا بل يتم خسارتي، وأشفق على من يخسر شخصًا مثلي.


وفي النهاية، رسالة إلى صديقي العزيز: "ربما كان خطئي من البداية أنني أدخلت شخصًا لن أقول ضعيف ولكن "عادي" مثلك في معركة قاسية مثل حياتي، فأعتذر منك وأشكرك على كل شيء قدمته لي. كنت وستكون شخصًا مميزًا وعزيزًا، شخصًا لا يهون ولا يُكره أبدًا مهما كانت النهاية".

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات