كتبت: إيمان عبد الهادي
قد يظن البعض أن معنى الهروب من الواقع يقتصر فقط على حزم الأغراض والذهاب إلى مكان لا يعرفك فيه أحد. ولكن هذا المفهوم خاطئ فالهروب من الواقع له عدة أشكال، كل شخص يهرب من واقعه بطريقة مختلفة، وكل شخص له واقع معين يريد الهرب منه. بداية من طالِب يتمنى الموت قبل الامتحانات نتيجة خوفه من نتيجة ذلك الامتحان حتى الوصول لشخص تخطى مرحلة التمني وجميع المراحل التي تليه وصولًا إلى الموت ...
نعم... قد ينهي شخص حياته هروبًا من واقع يعيشه أو لا يريد أن يعيشه.
وهنا نصل لسؤال مصيري ما الواقع الذي يجبر شخص للهروب منه إلى الموت؟
لو نظرنا للحياة بشكل عام بكل ما فيها من صعوبات ومجازفات ومصائب، هل يوجد شيء يستحق أن ينهي الإنسان حياته من أجله؟!
لنتحدث الآن بشكل عام من واقع الحياة تعبيرًا عن مختلف وجهات النظر.
أنا الآن طالب لدي امتحانات نهاية السنة بعد أسبوع، درجاتي متوسطة أو فوق المتوسطة بين هذا وذاك، لكن عائلتي تريد الدرجات النهائية في جميع المواد على مدار جميع السنين؛ متحججين أن ليس هناك ما يمنعني من فعل ذلك وأنهم يوفرون لي جميع المتطلبات لفعل هذا. إذن أين المشكلة؟ هل أنا لا أريد الحصول على الدرجات النهائية؟ هل أنا لدي قدرات أقل من الذين يحصلون على الدرجات النهائية؟
أعلم أن هذه هي الأسئلة التي خطرت في أذهانكم، ولكن أتعلمون ما الأسئلة التي راودتني؟
هل عائلتي ستحبني في جميع الحالات، أنا أسعى للنهائية ولكن لو افترضنا أنني حصلت على ضعيف في الدراسة هل سيؤثر ذلك على مقدار حُبهم لي؟ هل أنا لست كفاية لسعادتهم؟ هل وجودي وطبيعة علاقتي بعائلتي مرتبط بدرجاتي؟ هل أستحق أن يفعلوا بي كل هذا بسبب مجرد درجات يعتقدون أنها ستحدد مصيري؟ ألا أستحتق أنا بذاتي أن يحبوني؟ ألا أستحق العيش إذ لم تكن درجاتي مرتفعة دائما؟ .... أنا متعب أتمني لو أموت قبل الامتحانات.
هذه وجهة نظر ربما ينظر لها البعض باستخفاف. ما معنى أن يقتل شخص نفسه بسبب امتحان أو بسبب بعض من الآراء التي من المفترض أنها في مصلحته.
يمكن أن تكون هذه الآراء صحيحة من وجهة نظرهم. ولكن ماذا سيتغير إن أخبرتكم أن هذا الطالب ذاته بعد مدة وُجِد ميتًا على طريق بعدما ألقى بنفسه أمام سيارة!
الهروب من الواقع ليس له علاقة بمدى خطورة الموقف أو مدى عجزك عن السيطرة على مجريات الأمور أو حتى على قسوة ما تمر به، أساس الهروب من الواقع هو مدى تقبلك لهذا الواقع والذي يترتب عليه مدى قوتك لمواجه هذا الواقع.
من رأيي أنه لا يجب أن يصل الشخص للموت أو لحالة صحية حرجة حتى نعترف أن هذا الشخص يمر بأوقات صعبة والأهم أن نتقبل فكرة أن هذا الشخص أضعف من أن يتحمل كل هذا خصوصًا اذا كان وحيدًا.
في حالة الهروب من الواقع بالذات لا قيمة لمكانة الشخص أو الإمكانيات المتاحة له أو ذكائه أو حتى مدى الاختيارات التي أمامه، الفكرة كلها تتمحور حول حالته وقوته النفسية، تلك المشاعر التي تكون موجودة، المشاعر التي تسيطر عليه وعلى عقله.
أبسط أشكال الهروب من الواقع هو حزم أمتعتك والذهاب إلى أي مكان آخر تعتقد أنه مناسب ليحل مشكلتك.
وهناك من يهرب من الواقع عن طريق عمل العكس، دائمًا هو لا يعلم ما الصحيح وما الخطأ وهو فقط يعتقد أن يكون في الاتجاه المعاكس وعدم الوصول للحل –وهذا ما يحدث- أفضل من السير مع التيار وعدم الوصول وهنا لا يفكر الشخص أبدًا في احتمالية الوصول ويكون الشعور المسيطر هو اليأس التام.
وإن تأملنا قليلًا نجد مثلًا الهروب من الواقع على شكل مرض نفسي يسمى (انفصام الشخصية) وهنا يتحكم عقله الباطن ويسيطر على جميع مدركات الشخص ليصبح لدينا شخصيتين كلما شعر الشخص بالضغط والمسؤولية لمواجه واقع مؤلم اختفى وظهر مكانه الشخصية الثانية لتتحمل هي الضغط وتواجه الواقع، ومن الجدير بالذكر أن الشخصية الثانية لن تحل شيء ولكن كل ما تفعله هو اختيار أو اتخاذ قرارات للهروب لا يستطيع الشخص نفسه اتخاذها وفي الأغلب تكون شخصية عدوانية .
وهناك الهروب من الواقع عن طريق الإغماء المتكرر أو الدخول في غيبوبة. ونظل نصعد نصعد حتى نصل للموت مرة أخرى.
مجرد مشاعر وأفكار تغير مجرى حياتنا، مجرد أحاسيس غبية تجعل منا ضعفاء عاجزين، ولكن هل يصل بنا هذا الضعف للموت ؟ وهل هناك اشياء تستحق أن تستحوذ على مشاعرنا ونتعلق بها لهذه الدرجة؟
وهناك سؤال محير – بالنسبة لي- هل سيشكل فرق ندم أو حزن الأشخاص من حوله بعد موته؟ أشخاص كانوا يشاهدون كل شيء، أشخاص من المفترض أنهم يحبونه، اللعنة! هو عانى كل هذا ووصل لمرحلة أنه سينهي حياته، أين كنتم؟