القائمة الرئيسية

الصفحات

صاروخ عياش 250 "المهندس الشهيد"

كتبت: شان مسلم

صاروخ عياش 250 "المهندس الشهيد"

لم يظن يومًا وهو يتلقّى اتصالاته أو يُجريها أن نهايته ستكون بسبب مكالمة!


تعالى معي لنذهب في جولة، لا أعدك بأنها ستكون سريعة، في سيرة ذاتية لشخص أرعب الكيان الصهيوني بأكمله، وهو الشهيد يحيى عبد اللطيف عياش الذي وُلد في بلدة رافات في محافظة سلفيت بالضفة الغربية، يوم الأحد الموافق 6 مارس 1966م، وينحدر يحيى عياش من عائلة تتّسم بالبساطة والجهاد؛ حيث إنّ آل عياش شاركوا في الانتفاضات والثورات الفلسطينية ضد الانتداب البريطاني على فلسطين، منذ وعد بلفور وحتى الثورة العربية الكبرى في عام 1936م.


أما والده عبد اللطيف ساطي عياش، كان يعمل بالزراعة ونقش الحجر، له ابنان بالإضافة إلى يحيى، وهما مرعي ويونس، وكان يُوصف يحيى في طفولته بالهدوء، فلا يحب الاختلاط بأقرانه كثيرًا، ووالدته هي عائشة عياش. 


تعليم يحيى عياش


كان يحيى من الطلاب المجتهدين المتفوقين منذ الصف الأول حتى إنهاء المرحلة الثانوية وحصوله على شهادة (التوجيهي)، وكان ينال المرتبة الأولى دائمًا خلال دراسته لاثنتي عشرة سنة في رافات والزاوية وبديا، وأتمَّ يحيى عياش حفظ القرآن الكريم كاملًا، وحصل على شهادة تقدير من مديرية الأوقاف الإسلامية- القدس، لتفوّقه في دراسة العلوم الشرعية وتجويد القرآن الكريم، ولا تزال محفوظة في صالة منزل والديه، ودرس يحيى الهندسة الكهربائية في جامعة بيرزيت وتخرّج فيها في مارس عام 1993م، والسبب في طول مدة دراسته هو الإضرابات والإغلاق المستمر للجامعة، وأيضًا لم يحضر حفل التخرج الجامعي وتسليم الشهادات؛ حيث إنّه كان مُطاردًا وقتها ومطلوبًا من جهاز الشاباك وقوات الاحتلال بسبب دوره في التخطيط لعملية "رامات أفعال" بتل أبيب في نوفمبر عام 1992م، وبعد تخرّجه حاول الحصول على تصريح خروج للسفر إلى الأردن لإتمام دراسته العليا؛ فرفضت سلطات الاحتلال طلبه، وقد ندمت على ذلك فيما بعد؛ حيث عقَّب على ذلك "يعقوب بيري" رئيس المخابرات آنذاك، بقوله: "لو كنّا نعلم أن (المهندس) سيفعل ما فعل لأعطيناه تصريحًا، بالإضافة إلى مليون دولار"، وتدل هذه المقولة على قوّة تأثيره وعظمة جهاده ضد قوات الاحتلال.


زواج يحيى عياش


تزوّج يحيى بعد تخرجه من ابنة خالته، ورزقه الله ولده البكر (البراء)، ثم رُزق بولده (عبد اللطيف) المُلقّب بـ(يحيى)، وقد بدأت علاقة يحيى بالكتلة الإسلامية في جامعة بيرزيت في أول أكتوبر 1984م، ثم في العام الدراسي الثاني 1985- 1986م، انضم إلى مجموعات الإخوان المسلمين في مدينة رام الله، ووظّف المهندس السيارة التي اشتراها والده في خدمة الحركة الإسلامية، حين دأب على السفر إلى رافات، ونظرًا للدور الريادي الذي قام به؛ فقد اعتبرته الفصائل الفلسطينية "شيخ الإخوان في رافات"، ورجعت إليه في كافة الأمور التي تتعلّق بالفعاليات أو الإشكالات خلال الأعوام من 1988- 1992م. 


بدأ المهندس بالعمل العسكري أيام الانتفاضة الأولى، عامَي 1990 و1991م، حيث توصّل إلى مخرج لمشكلة شُحّ الإمكانات المتوفّرة، ونُدرة المواد المتفجرة، وذلك بتصنيع هذه المواد من المواد الكيميائية الأولية التي تتوفّر بكثرة في الصيدليات ومحلات بيع الأدوية والمستحضرات الطبية، فكانت العملية الأولى بتجهيز السيارة المفخّخة في رامات إفعال بتل أبيب، وبدأت إثر ذلك المطاردة المتبادلة بين يحيى عياش وكيان الاحتلال وأجهزته الأمنية والعسكرية، وبعد تحقيق شديد وقاسٍ مع أعضاء في حركة حماس، الذين اعتُقلوا إثر العثور على السيارة المفخّخة، طبع الشاباك اسم يحيى عبد اللطيف عياش في قائمة المطلوبين لديها للمرة الأولى، ولذلك داهمت قوات كبيرة من الجيش وحرس الحدود، برفقة ضبّاط ومحققين من الشاباك، بلدات سلفيت وقراوة بني حسان بحثًا عن زاهر جبارين، وعلي عاصي، ظنًّا منهم أنّ أحدهما قد نجح في التوصّل إلى المعادلات الكيميائية، وفي الربيع الأخير من عام 1992 استكمل الفريق الرباعي المُكوَّن من المهندس يحيى عياش بالإضافة إلى زاهر جبارين وعلي عثمان عاصي وعدنان مرعي مستلزمات الانتقال بالجهاد نحو مرحلة الدفع بقوّة، باتّجاه تنفيذ العمليات العسكرية، وتحديد الأهداف، وذلك بعد أن وصل المهندس إلى مُبتغاه الذي كان يبحث عنه في المعادلة الكيميائية، وهو تحويل المواد الكيميائية والأولية إلى متفجرات. 



يُعد يوم الأحد الموافق 25 أبريل من عام 1993، بداية المطاردة الرسمية له، ففي ذلك التاريخ غادر المهندس منزله، ملتحقًا برفاقه الذين كانوا يتّخذون من كهوف ومغارات فلسطين قواعد انطلاق لهم ضد جنود ودوريات الاحتلال، وفي مساء ذلك اليوم داهمت قوات كبيرة من الجيش والمخابرات المنزل، وقامت بتفتيشه والعبث بالأثاث، وتحطيم بعض الممتلكات الشخصية للمهندس. 


وبعد أن أخذ ضباط الشاباك صورة الشهيد جواد أبو سلمية التي كان المهندس يحتفظ بها، توجّه أحدهم إلى والده مهددًا: "يجب على يحيى أن يسلّم نفسه، وإلا سوف يموت، وسوف نهدم المنزل على رؤوسكم".


وقد كانت بداية المهندس مع تفجير الحافلات، بتركيب العبوات التي قُدّر وزنها بأربعين كيلوجرامًا من المواد المتفجرة، وربطها بجهاز التفجير، وأربع أسطوانات غاز لزيادة قوة التأثير. وحسب الخطة، وضع المهندس بمساعدة أبي إسلام، العبوات في حافلة صغيرة من طراز (فان- فولكسفاغن) تحمل لوحات معدنية صفراء -اللوحات الإسرائيلية- استولى عليها أحد أعضاء حركة حماس من مُستعمرة تل أبيب مساء يوم الجمعة، الموافق 20 نوفمبر 1992م، وعليه، يُعدّ هذا التاريخ بداية (قصة الحب التي يعيشها المهندس مع الحافلات الإسرائيلية)، كما يقول ألكس فيشمان في مقاله الطويل الذي نشره في صحيفة معاريف، تحت عنوان (أعرف عدوّك: المهندس هو المطلوب الأول) في أكتوبر من عام 1994م.


العمليات التي اتُّهم بتنفيذها يحيى عياش


1- عملية تفجيرية (استشهادية) بسيارة مفخّخة بالعفولة في 6 أبريل 1994م، والتي نفّذها (رائد زكارنة)، وقد أدّت إلى مقتل ثمانية إسرائيليين، وجرح ما لا يقل عن 30 آخرين، وقد كانت هذه العملية أول الردود على مذبحة المُصلّين في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل. 


2- عملية مدينة الخضيرة داخل الخط الأخضر في 13 أبريل 1994م، والتي نفّذها الاستشهادي (عمار عمارنة) الذي فجّر شحنة ناسفة ثبّتها على جسمه داخل حافلة؛ ما أدّى إلى مقتل 7 إسرائيليين وجرح العشرات، وقد شملت الاعتقالات التي نفّذتها الشاباك بتعزيز من المظليين والوحدات الخاصة في أعقاب العملية، نحو (500) مواطن فلسطيني جديد، وضمّت أئمة مساجد وطلابًا وأطباء وأكاديميين ممّن استُثنوا في الحملات السابقة.


3- تفجير داخل حافلة ركاب في شارع ديزنغوف في مدينة تل أبيب، نفّذها الاستشهادي "صالح نزال"، وهو مقاتل في كتائب الشهيد عز الدين القسام، حيث قام بتفجير نفسه في 19 أكتوبر 1994م؛ ما أدّى إلى مقتل 22 إسرائيليًّا، وجرح ما لا يقل عن 40 آخرين، ولم تسلم المحلات والمخازن والمقاهي، فقد أحدث الانفجار أضرارًا جسيمة وفادحة في المنطقة التي اهتزت، وتصاعد عمود من الدخان إلى علو ستة أمتار بفعل الحريق الذي اندلع في الحافلة، ويبدو أن العملية انطوت على خسائر بشرية (22 قتيلًا و47 جريحًا) ومادية (سبعة ملايين شيكل - مليونين وثلاثمِئة ألف دولار أمريكي)، وقد أُصيب الناس بالذهول، وهرعوا في بعض المدن إلى الشوارع، في تظاهرات صاخبة كانت تنادي بالموت للعرب، والقضاء على حركة حماس، وتطالب باستقالة إسحاق رابين ومحاسبة القيادات العسكرية والأمنية على التقصير. وعلى إثر ذلك عقد رابين اجتماعًا طارئًا لقادة الأجهزة الأمنية، ومن ثَمَّ اجتماعًا للحكومة لدراسة الخطوات والإجراءات المضادة لحركة حماس. وصرّح: "أقول للخاطفين ومُفجّري القنابل، إن قوات الأمن سيمسكون بكم عاجلًا أو آجلًا".


بدأ نجم عياش يسطع في العام 1993 بعد أن اكتشفت أجهزة الأمن الإسرائيلية أن ذاك الشاب هو مهندس العبوات الناسفة والسيارات المُفخّخة، فشرعت بحملة مراقبة حثيثة ومداهمات يومية لبلدته، ومنازل أقاربه وأصدقائه ومحاولةً اعتقاله. ولكن بعد اشتداد حملة المُطاردة التي تعرّض لها في الضفة الغربية، قرّر الانتقال إلى قطاع غزة للتمويه ولتدريب نشطاء كتائب القسام على صناعة المتفجرات. وعبّر "الجنرال جدعون عيزرا" نائب رئيس الشاباك السابق عن إعجابه بيحيى عياش، ففي مقابلة مع صحيفة معاريف، قال الجنرال عيزرا: "إن نجاح يحيى عياش بالفرار والبقاء، حوّله إلى هاجس يسيطر على قادة أجهزة الأمن ويتحدّاهم؛ فقد أصبح رجال المخابرات يطاردونه وكأنه تحدٍّ شخصي لكلٍّ منهم، وقد عُقدت اجتماعات لا عدد لها من أجل التخطيط لكيفية تصفيته.. لقد كرهته، ولكنّي قدّرت قدرته وكفاءته". 


اغتيال يحيى عياس


برغم الرعب الساحق والمناورات التي قام بها ضد الاحتلال الصهيوني، اغتيل على يد الاحتلال في يوم الجمعة 5 يناير 1996م، وذلك بعد أربع سنوات من وضع إسحاق رابين ملف تصفية القائد القسامي على رأس أولويات حكومته السياسية والأمنية، فقد وضع له جهاز الشاباك مادة متفجرة وصلت إلى 50 جرامًا في تليفون محمول أخذه من صديقه أسامة، وأسامة أخذ التليفون من خاله، وهو الوحيد الذي كان يعلم بأمر اختباء عياش في بيت أسامة.


وكان يأخذ التليفون من أسامة ويعيده إليه، وشكّ عياش يومًا في احتمال وضع اليهود لجهاز تصنّت في التليفون ففكّه ولم يجِد شيئًا، وكان عياش ينتظر مكالمة من والده صباح يوم الجمعة 5/1/1996م، وكان الخط المنزلي مقطوعًا فاتّصل والده بالتليفون المحمول، وعن بُعد فُجِر التليفون عن طريق طائرة كانت تحلّق في الوقت نفسه، فتناثرت أشلاء عياش بعدما قُطعت رقبته، وتمزّق نصف وجهه الأيمن حيث كان الهاتف.


هذا وقد خرج في تشييع جثمانه 100 ألف فلسطيني في غزة وحدها، وعمَّ الإضراب الشامل والحداد مدينة القدس وضواحيها، وأُلصقت صور يحيى عياش في الشوارع، ووقعت صدامات ومواجهات عنيفة بين المتظاهرين وجنود الاحتلال، بينما شهدت غالبية المدن الفلسطينية إضرابات شاملة، وقال الصحفي علاء الدين أسعد صفطاوي واصفًا المشاعر التي سادت القطاع: "إن الشارع الفلسطيني أُصيب بصدمة عنيفة إزاء نبأ استشهاد الجنرال الإسلامي يحيى عياش. ليس هيّنًا على شعبنا أن يتقبّل بصمت استشهاد هذا البطل. فهو شخصية وطنية كبيرة وليس رجلًا عاديًّا"، وردًّا على اغتيال المهندس نفّذت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، سلسلة عمليات تفجيرية أسفرت عن مقتل 48 إسرائيليًّا، وجرح 85 آخرين، وإكرامًا له صدرت عدّة كتب تتحدث عن سيرة المهندس، ومنها كتاب باللغة الإنجليزية بعنوان The Hunt For The Engineer، وصدر باللغة العربية كتاب بعنوان المهندس الشهيد يحيى عياش رمز الجهاد وقائد المقاومة في فلسطين، لغسان دوعر، في عام 2010م. 


أطلقت بلدية رام الله اسم يحيى عياش على أحد شوارعها، وقد احتجّ بنيامين نتنياهو على ذلك؛ ففي بيان وزّعه مكتبه جاء فيه: "فإن إطلاق اسم يحيي عياش على أحد شوارع رام الله يُعتبر تحريضًا من قِبل السلطة الفلسطينية تقشعر له الأبدان، فيحيي عياش هو كبير المخربين، قتل مئات الإسرائيليين، رجالًا وأطفالًا ونساءً"، ومسلسل يحيى عياش، الذي عرضته قناة المنار ويتكوّن من 15 حلقة، من إخراج الفلسطيني باسل الخطيب، وكاتبة السيناريو هي ديانا جبور، وقد قام بدور يحيى عياش الممثل سامر المصري، وأدّت دور زوجة عياش الممثلة مانيا النبواني، بينما أدّى دور والد عياش الممثل تيسير إدريس، ووالدته لورا أبو أسعد، وأيضًا كتاب (فضائل الشهيد يحيى عياش) للأستاذ مخلص برزق، وصاروخ عياش 250: هو صاروخ فلسطيني محلّي الصُنع، من إنتاج كتائب الشهيد عز الدين القسام سُمِّيَ نسبةً إلى يحيى عياش، ويصل مداه إلى 250 كم، واستُخدم لأول مرة ضمن الحرب على غزة في عام 2021م، في قصف مطار رامون في جنوب صحراء النقب، وفي النهاية عاش يحيى عياش مجاهدًا مناضلًا ومات شهيدًا باسلًا.


تحقيق إملائي/ شيماء عبد الشافي

تعليقات