القائمة الرئيسية

الصفحات

"البحار الغريق" قصة من الأدب المصري القديم دمجت بين الخيال والمشاعر الإنسانية

كتبت: شيماء رشدي

"البحار الغريق" قصة من الأدب المصري القديم دمجت بين الخيال والمشاعر الإنسانية

تركت الحضارة المصرية القديمة العديد والعديد من الآثار وليس المقصود بالآثار فقط تلك الأبنية والأهرامات والأشياء المادية، بل تركت ما هو أكثر من ذلك فلقد أورثتنا المعرفة في العديد من المجالات سواء الطب والفلك وغيرهما من العلوم، بالإضافة إلى أن المصريون القدماء لم يتركوا مجال الأدب والخيال فارغًا بل كتبوا ببراعة العديد من الأشعار والقصص.  


لدينا من القصص المصرية القديمة قصة "البحار الغريق"، التي تحكي قصة مغامرة خاضها البحار في الجزيرة المسحورة التي يسكنها ثعبان هائل الحجم، وقد كُتِبت قصة البحار الغريق خلال عهد الأسرة الثانية عشر المصرية، أي خلال الفترة الممتدة من حوالي 1985 إلى 1975 قبل الميلاد. والنسخة الوحيدة الباقية محفوظة في متحف ليننجراد في روسيا حاليًا، وقد تم اكتشافها ونشرها بواسطة عالم المصريات (فلاديمير جولينشيف) عام 1881م. 


تبدأ أحداث القصة في عهد الملك "أمنمحات الأول"، الملك الذي أعاد السلام والوحدة لمصر بعد سنوات من الاضطراب والصراعات. وفي أحد الأيام، كان هناك بحار مصري يتجول في باحة القصر في طيبة (الأقصر حاليًا)، واندفع إلى وزير الملك، وتوسل كثيرًا من أجل لقاء الملك حتى يتمكن من إسعاده بحكايته. وأخيرًا وافق الوزير على سماع الحكاية بنفسه والحكم على ما إذا كانت الحكاية سوف تعجب الملك. 


وهكذا بدأ البحار يقص حكايته وقال أنه انطلق مع مجموعة من البحارة إلى مناجم الملك، وكان عددهم مئة وخمسين من أمهر البحارة... ثم فجأة هَبَّت عاصفة وحطمت قاربهم الخشبي على الصخور، وحملت الموجة البحار عاليًا وألقت به على شاطئ رملي. 


وعندما أشرقت الشمس في اليوم التالي، شكر البحار الآلهة على سلامته بينما هلك جميع رفاقه. وكانت الجزيرة بالرغم من جمالها معزولة وبقي البحار وحيدًا. يتغذى على الفواكه، والخضروات، والطيور، وأسماك الجزيرة. 


وفي اليوم الثالث من وجود البحار على الجزيرة، بدأ الجزء الخيالي من القصة، حيث يقول البحار أنه فجأة سمع ضجيجًا مرعبًا مثل الرعد حتى أنه كان خائفًا واعتقد أن موجة هائلة كانت ستهاجم ثانية، ولكن حينها رأى مشهدًا مخيفًا للغاية، حيث كان يتقدم نحوه ببطء ثعبان ضخم يبلغ طوله 30 ذراعًا - الذراع هو وحدة قياس مصرية قديمة تبلغ حوالي متر -، وحراشفه مصنوعة من الذهب وعيناه من اللازورد. 


توقف الثعبان ورفع رأسه عاليًا وسأل الملّاح: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ ما الذي أتى بك إلى هنا يا صغيري؟ قُل ما الذي أتى بك إلى جزيرتي! أخبرني على الفور وإلا سأحرقك بالنار. تكلم! أنا أنتظر. وعندما لم يرد البحار الخائف حمله الثعبان إلى كهفه. ولكن لم يؤذِه.


وهكذا بعدما قل خوف البحار بدأ في إخبار الثعبان بحكايته فقال: لقد أبحرت بأمر من فرعون مصر، في سفينة كبيرة لجلب الكنوز من المناجم في الجنوب. ولكن عاصفة شديدة حطمت السفينة، ودمرت الجميع إلا أنا، وأنا هنا منذ ثلاثة أيام، وأنا عبدك الذي جلبه الموج إلى هنا، وعندها حدث الشيء غير المتوقع، حيث أكد الثعبان للبحار الغريق أنه ليس في خطر وحثه على ألا يحزن على مصيره. بل وأيضا تنبأ بمستقبل البحار الغريق وقال له أنه بعد مرور أربعة أشهر، ستأتي سفينة من مصر إلى الجزيرة وتحمله إلى منزله بأمان ليكون بين أحضان زوجته وأطفاله. 


وبالفعل تحققت النبوءة بعد فترة وتم إنقاذ البحار الغريق وعاد محمّلًا بالخيرات إلى مصر، وقام الملك بتكريمه أمام كبار الموظفين. 


وهكذا فلقد احتوت هذه القصة على الكثير من الخيال ومع ذلك فإنها تحمل داخلها نصائح مثل الصبر على المواقف الصعبة بل وحتى المستحيلة، وكذلك العيش دائما على أمل تجاوزها، وتقدير نعمة الحياة. ومن ناحية أخرى تظهر لنا اهتمام المصريين القدماء بالملاحة ومعرفتهم الكبيرة بالإبحار. 


ومن أجمل ما قيل في هذه القصة علي لسان البحار "قضيت ثلاثة ايام، وأنا وحيد - ولكن - قلبي فقط كان رفيقي". 


وفي النهاية، لما لا يتم اعتبار هذه القصة القديمة بأنها على نفس القدر من التشويق والخيال والمشاعر اللتان تشملهما مغامرات السندباد والتي تحكي عن مغامرات بحار بغدادي، بل وربما كانت مصدر إلهام لحكايات السندباد نظرًا لوجود بعض التشابه. كذلك هي لا تقل جمالًا عن رواية (روبنسون كروزو) من تأليف دانيال ديفو والتي تحكي عن شاب انعزل في جزيرة نتيجة عاصفة، وظل وحيدًا لمدة طويلة دون أن يرى أي بشر.

تعليقات