القائمة الرئيسية

الصفحات

حكاية "حجر رشيد" وفك رموز اللغة المصرية القديمة

كتبت: شيماء رشدي 

حكاية "حجر رشيد" وفك رموز اللغة المصرية القديمة

إن زيادة الاهتمام باللغة المصرية في الوقت الحالي، خاصةً بعد عدد من المشاريع المصرية المُهمّة، مثل حدث نقل المومياوات الملكية، وافتتاح طريق الكِباش في عام 2021، واللذين تم مصاحبتهما بالموسيقى والأناشيد المصرية القديمة التي تمّت تأديتها عن طريق فنانين مصريين، وكمية الإعجاب التي رافقت هذه العروض، تؤدّي إلى تساؤلات عديدة حول اللغة المصرية القديمة، وكيف عرفنا هذه اللغة ونطقها؟ وحتى تدريسها في الكليات الخاصة بالآثار من قِبَل مُختصّين، وتمريرها لجيل قادم من المهتمين بعلم الآثار واللغات القديمة.


بدأت معرفة هذه اللغة بحجر رشيد الشهير، وهو عن نصب من حجر الديوريت الأسود، يحمل مرسومًا صدر في 196 قبل الميلاد، مُوجّهًا إلى الملك (بطليموس الخامس).


وقد تم اكتشاف حجر رشيد خلال حملة (نابليون بونابرت) على مصر ما بين عامَي 1798 و 1799مـ. وكان من أهم الاكتشافات الأثرية في مصر، وعلى مستوى علم الآثار واللغات القديمة بأكمله. لأنه كان مفتاح فك رموز الخط الهيروغليفي، مما ساعد في معرفة اللغة المصرية القديمة وترجمة النصوص على الآثار المصرية التي لم تكن قبل فك رموز اللغة سوى علامات على الأحجار. 


وبجهود ضخمة استمرت لأعوام طويلة تمكّن علماء الآثار واللغة من ترجمة وقراءة أساطير مصر القديمة بفضل العلامات التي تم استنتاجها من حجر رشيد


والحقيقة أن اكتشاف هذا الأثر المهم لم يكن سوى صدفة، ففي خلال صيف عام 1799، عندما كان الجيش الفرنسي يقوم بتحصين الساحل الشمالي لمصر وأثناء الحفر على بُعد أميال قليلة من مدينة رشيد، اكتشفوا حجرًا أسود كبيرًا مُغطّى بالكتابة بثلاثة خطوط مختلفة. وقد أدرك العلماء أن النص العلوي كان باللغة المصرية بخطها الهيروغليفي، والنص السُفلي يونانيًّا. ولاحقًا أدركوا أن النص الأوسط كان أيضًا شكلًا متأخرًا من الكتابة المصرية، وهو الخط الديموطيقي، وأن الثلاثة صفوف هم النص نفسه، ولكن بلغتين، هما المصرية القديمة واليونانية. 


ومن خلال ترجمة النص اليوناني، تمكّن العلماء من معرفة أن حجر رشيد كان بمثابة "رسالة شُكر" صادرة من كهنة منف (البدرشين حاليًا) إلى (بطليموس الخامس) على الهدايا التي تبرّع بها الفرعون للمعبد.


ثم تم نقل الحجر إلى القاهرة، حيث أنشأ نابليون معهدًا لدراسة الحضارة المصرية القديمة. وتم عمل نُسَخ من الحجر وإرسالها إلى فرنسا قبل أن يذهب الأصل إلى منزل الجنرال دي مينو في الإسكندرية لحفظه. وفي عام 1801مـ. عندما استسلم الجيش الفرنسي للبريطانيين، تمّت مصادرة جميع الآثار المصرية التي جمعتها حملة نابليون، وذهب حجر رشيد إلى المتحف البريطاني، حيث لا يزال موجودًا حتى اليوم. 


 رغم أن الأغلبية منّا يظنّ أن شامبليون وحده مَن فكّ رموز اللغة المصرية القديمة، إلا أنه اعتقاد خاطئ تمامًا، فقد كان فكّ رموز هذه اللغة جهد جماعي من عدد كبير من العلماء والمهتمين بالحضارة المصرية، فعلى سبيل المثال كان هناك الفيزيائي الإنجليزي (توماس يونغ) والذي كان من هواياته دراسة اللغات القديمة، وقد مثّل حجر رشيد نوعًا من التحدّي بالنسبة له. وكان يأمل بفكّ شفرتها أن يفتح الباب لاكتشاف علوم المصريين القدماء. وقرّر العمل على النص الديموطيقي أولًا. وسرعان ما أدرك يونج أن مجموعات العلامات في النقش الديموطيقي تتوافق مع أسماء الفرعون في النص اليوناني. وبدأ يرى أوجه التشابه بين مجموعات العلامات الديموطيقية ومجموعات العلامات في النص الهيروغليفي.


وبحلول عام 1818مـ، كان قد حدّد مع بعض الدقّة الأبجدية الهيروغليفية. وتُعدّ هذه البداية في فكّ رموز حجر رشيد، وفقد يونغ الاهتمام بالمشروع وتركه ليكمله (شامبليون).


وهنا يأتي اسم شامبليون الذي لا يجوز ذكر حجر رشيد بدون ذكره، ففي عام 1808م. عندما كان (جان فرانسوا شامبليون) في سِن المراهقة، وقد حصل على نسخة من حجر رشيد وبدأ حياته في فك رموز الهيروغليفية المصرية وبدأ سعيه الدؤوب لمعرفة معناه. 


وبما أنه من دراساته السابقة كان يعرف أن هناك ثلاثة خطوط مصرية منفصلة، هي الكتابة المصورة الهيروغليفية، والهيراطيقية التي هي بمثابة خط اليد، والديموطيقية، وهي شكل لاحق وأكثر اختصارًا في الكتابة، عندها بدأ شامبليون في مقارنة النقش الهيروغليفي لحجر رشيد بنظيره اليوناني. والمفتاح كان الاسم (بطليموس)، وبما أن الفراعنة كانوا يكتبون أسماء الملوك في أشكال بيضاوية تُسمّى (الخراطيش). 


وبما أن النقش اليوناني ذكر اسم بطليموس، فإن الاسم الموجود في الخرطوش المقابل في النص الهيروغليفي لا بُدّ وأن يكون بطليموس. وقارن الحروف اليونانية بالعلامات واستنتج نطق هذه العلامات. ومن نقش على مسلّة عُثِرَ عليها في جزيرة فيلة، كان يحمل اسم (كليوباترا)- عرف شامبليون أنه اسم كليوباترا؛ لأن قاعدة المسلة كانت تحتوي على نقش باللغة اليونانية يذكر كليوباترا- وبالتالي فإن عمل شامبليون على الأبجدية الهيروغليفية هو أساس ما نعرفه اليوم. 


وطوال عمله المتفاني في الكتابة الهيروغليفية، عانى شامبليون من اعتلال الصحة، وبصعوبة كبيرة سافر إلى مصر لمواصلة دراسته على النصوص. وقد تُوفّي في عام 1832م. عن عمر يناهز 41 عامًا، وبدأت مجموعة جديدة من العلماء في ترجمة النصوص، وتراكمت الجهود سواء الأجنبية أو المصرية لكشف وترجمة هذه النصوص حتى وصلنا إلى معرفتنا الحالية. 


ومن أهم الأشخاص الذين عملوا على اللغة المصرية القديمة هو عالم اللغويات البريطاني (ألان جاردنر) والذي قدم إسهامات ضخمة في اللغة المصرية القديمة، حيث وضع كتاب قواعد النحو في اللغة المصرية القديمة الذي يُعدّ من أهم المراجع لكل الدارسين لهذه اللغة، وكذلك وضع قائمة تحتوي على جميع الحروف الهيروغليفية المصرية


كما يجب ذكر واحد من أبرز الأساتذة المصريين المُختصّين في اللغة المصرية هو الدكتور (عبد الحليم نور الدين)، والذي أسهم بمؤلفات في اللغة المصرية القديمة منها: كتاب اللغة المصرية القديمة الصادر في عام 1998م، وقد كان عبد الحليم نور الدين مُختصًا في أحد خطوط اللغة المصرية القديمة الأكثر صعوبة، وهو الخط الديموطيقي. 


وحجر رشيد بالنسبة لتاريخ مصر وفك رموز اللغة المصرية أهمية بالغة، مما دعا إلى تكثيف الجهود حاليًا من أجل استعادة الحجر الأصلي وعرضه في مصر بدلًا من النسخة الموجودة في المتحف المصري بالقاهرة، حيث يقوم العالم المصري (زاهي حواس) بتكثيف جهوده من أجل استعادة الحجر، وقام بجمع ما يفوق 100 ألف توقيع على عريضة سوف يتم إرسالها إلى المتحف البريطاني من أجل استعادة الحجر والعديد من الآثار المصرية الأخرى، ونأمل عرضه في إحدى المتاحف المصرية قريبًا بشكل يليق بمصر وتاريخها.

تعليقات