القائمة الرئيسية

الصفحات

"لعنة توت عنخ آمون" حقيقة أم مجرد وهم يلاحق مقبرة الفرعون الصغير

كتبت: شيماء رشدي

"لعنة توت عنخ آمون" حقيقة أم مجرد وهم يلاحق مقبرة الفرعون الصغير

تقع مقبرة الملك المصري الشهير (توت عنخ آمون) في وادي الملوك على الضفة الغربية لوادي النيل في محافظة الأقصر حاليًا، وتحمل الرقم 62. 


وقد حكم الملك (توت عنخ آمون) مصر ما يقارب عشر سنوات خلال الأسرة الثامنة عشر، وسبب شهرته لم يكن بسبب أعماله، ولكن الكنوز التي تحتويها مقبرته، وكونها المقبرة الوحيدة التي لم تُسرَق محتوياتها، وظلّت لما يقارب ثلاثة آلاف عام. وقام باكتشافها العالم الإنجليزي (هوارد كارتر) بعد عدّة مواسم من البحث والتنقيب عنها في وادي الملوك لتصبح واحدة من أهم الاكتشافات الأثرية على الإطلاق.


حيث استغرق عشر سنوات أخرى لإخراج وتسجيل وترميم كنوزها. والأمر أن المصريين القدماء لم يضعوا اللعنات على مقابرهم أبدًا، ولكن بعد فتح مقبرة (توت عنخ آمون) وفي عام 1922 انتشرت شائعة مفادها أن قبره ملعون، وأنه تم العثور على لوح طيني في المقبرة مع النقش الذي يقول "الموت سيقتل بجناحيه من يزعج سلام الفرعون"، ولكن تلك كانت مجرد شائعة مشكوك في صحّتها، وليست موجودة بالأساس، كما أن المصري القديم نادرًا ما كان يكتب على ألواح طينية. 


وانتشر أيضًا ادّعاء بأن عدّة أشخاص من الذين عملوا عن كثب في عملية اكتشاف المقبرة وفتحها قد توفوا بعد وقت قصير من الافتتاح بسبب اللعنة. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، بل زادت الشائعات بشكل خاص عند وفاة اللورد (كارنارفون) وهو رجل إنجليزي ثري كان مسؤولًا عن تمويل أعمال التنقيب في المقبرة، وهو الذي أسند للمكتشف (هوارد كارتر) مهمّة التنقيب عن قبر الفرعون الصغير وتُوفّي بعد وقت قصير من دخوله حجرة الدفن. 


وبعد فترة قصيرة جدًّا من وفاته، انقطع التيار الكهربائي عن مدينة القاهرة، وغرقت المدينة في الظلام، وقد اعتبر الكثيرون هذا الأمر متعلّقًا باللعنة، ولكن الحقيقة هي أن (كارنارفون) تُوفّي بعد وقت قصير من دخوله مقبرة توت عنخ آمون لسببين مهمّين: وهما حالته الصحية المتدهورة، وتعرّضه إلى لدغة بعوض يحمل بكتيريا، أو ببساطة إن سبب الوفاة قد يكون البكتيريا التي هاجمت جهازه التنفسي، والتي حملها هواء المقبرة؛ لأنه دخل المقبرة قبل تهويتها؛ طمعًا في رؤية الكنوز بسرعة، ولم يكن الجميع في ذلك الوقت ملتزمين بالاحتياطات اللازم اتّخاذها عند فتح المقابر الأثرية


وقد كان هناك العشرات من الأشخاص المرتبطون بفتح مقبرة توت عنخ آمون، سواء حرّاس الموقع الأثري أو علماء الآثار، ووقوع وفيات بين هؤلاء الأشخاص هو مجرد صدفة عشوائية، ويناقش المحقّق الكندي (جيمس راندي) في كتابه بعنوان (موسوعة الادّعاءات والاحتيال وخدع الغامض والخارق للطبيعة)، أن وفاة بعض الأشخاص من قبيل الصدفة لا يجعل اللعنة حقيقية، فعلى سبيل المثال تُوفّيت ابنة كارنارفون في عام 1980، أي بعد سبعة وخمسين عامًا كاملة، أما المكتشف (هوارد كارتر)، والذي فتح المقبرة بنفسه، بل وقام أيضًا بإزالة مومياء توت عنخ آمون من التابوت قد عاش حتى عام 1939، أي بعد ستة عشر عامًا من ذلك الحدث، فإذا كانت اللعنة حقيقية، لماذا لم يُتوفَّى (هوارد كارتر)؟! ولم يقتصر الأمر على كارتر، ولكن أيضًا الرقيب (ريتشارد أدامسون)، الذي تولّى حراسة غرفة الدفن على مدار الساعة لمدة سبع سنوات، فقد عاش 60 عامًا أخرى حتى وفاته في عام 1982.


ويناقش (راندي) فكرة أن اللعنة ليست حقيقة، وأنه عندما تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون وفتحها في عام 1922، أصبح ذلك حدثًا أثريًّا كبيرًا. ومن أجل إبعاد الصحافة والسماح لهم بالتعامل مع الجانب المُثير للاهتمام من القصة فقط، قام (هوارد كارتر) بنشر قصة مفادها أن لعنةً قد حلّت على أي شخص ينتهك بقايا الملك. ولم يخترع كارتر فكرة المقبرة الملعونة، لكنه استغلّها لإبعاد المتسلّلين عن اكتشافه التاريخي.


إذن، قد تكون لعنة المقبرة مجرّد دعاية أو وهم أثار انتباه العديد من الأشخاص وانتشر، والحقيقة أنه لا يوجد رأي واحد أو أي اتّفاق حول هذا الموضوع، خاصةً ما زاد انتشار هذه الشائعات تلك الوفيات في السنوات اللاحقة لأعضاء مختلفين من فريق كارتر وزوّار حقيقيّين، خاصةً في حالات الوفاة بسبب العنف أو في ظروف غريبة. ومن بين الضحايا المزعومين للعنة الأمير (علي كامل فهمي بك) من مصر، الذي قتلته زوجته بالرصاص في عام 1923، والسير (أرشيبالد دوغلاس ريد)، الذي من المفترض أنه قام بتصوير المومياء بالأشعة السينية، وتُوفِّي في ظروف غامضة في عام 1924. 


وإذا قدّمنا رأيًا مبنيًّا على المنطق والعلم، فإن هذه الوفيات لا تتعدّى مجرد كونها صدفة، في حين أن بعضها كان نتيجة البكتيريا والفطريات التي توجد في كل مقبرة أثرية بسبب قلّة دخول الأكسجين، وأنه لم يتم اتّباع بعض الإجراءات التي كان من المفترض اتّباعها في كل كشف أثري في هذه المقبرة بالشكل الصحيح عند اكتشافها. 


ولم تقتصر الشكوك حول وجود لعنة في المقبرة، بل امتدّت لتشمل القطع الأثرية التي تعود للملك، ومنها البوق الملعون الذي تنتشر حوله شكوك بأنه سبب حدوث الفوضى والصراعات في العالم، وهو قطعتان ارتبطا بكوارث كبيرة قد وقعت في العالم، وأشهر القصص حول هذا البوق هو أنهم قاموا بمحاولات للنفخ في إحدى هذه الأبواق عدّة مرات، ففي المرة الأولى اندلعت الحرب العالمية الثانية، وفي المرة الثانية وقعت النكسة في عام 1967، وفي الثالثة اندلعت حرب الخليج في عام 1991.


وبغض النظر عن اختلاف الآراء وكثرة الجدال حول حقيقة هذه اللعنة، فإن الجميع يتّفق على حقيقة واحدة، وهي روعة الكنوز في المقبرة وتميّزها، بالإضافة إلى الغموض الذي يحيط بحياة الفرعون الصغير. وسوف يتم عرض كنوز الملك جميعها لأول مرة، والتي يبلغ عددها أكثر من خمسة آلاف قطعة، في المتحف المصري الكبير، والذي يُعدّ أحد أكبر متاحف العالم.

تعليقات