القائمة الرئيسية

الصفحات

ليس في النفاق حياة

بقلم: مارينا سمير

ليس في النفاق حياة

تبدأ قصتنا مِنْ موقِع يقع بعيد عن معظم الناس، وقريب مِنْ بعضهم كثيرًا، مِنْ مكان بين الخيال والواقع، مكان يسكن فيه العالم، ولكن لا يصل إليه إلا مَنْ أخذ النفاق طريقًا، والكذب أسلوب لا يستغنيّ عنه.


قِصتُنا مِنْ مدينة النِفاق التي تقع في عالمنا، الذي يُخيف كثيرًا أو أحيانًا، عالمُنا الذي فقد معنى الإنسانية، ولم يعترف حتى بالأمان، ولكن علَّق شِعار مَنْ يكون سيئ أكثر؛ هو الذي سوف يفوز بالجائزة، وما هي الجائزة؟ إلا الظهور، ورفع الأيدي له، أحسنت، لقد فعلت كل ما هو شرير، أنت رائع.


وهنا أذكُر ذلك الشخص الذي يُدعى إنسان، كان يعيشُ في مدينة رائعة، بها العديد مِنْ الأشخاص الراحمين، والرائعين مثله. كُل شخص يذهب لعمله، والطالب يجتهد بدراسته، والمُعلم ناجِح في إلقاء دروسه، والطبيب مُتقن لعمله، والجميع يعيشُ في هدوء، لا للنِفاق، لا للكراهية، لا للخداع، الجميع هنا إنسان، وفقط إنسان.


هؤلاء القوم الذين يعيشون بعيدًا في مدينتهم هذه، ولا يعرفون أي شيء عن مدينة النِفاق، هم قوم أنقياء، ولا يعرفون الغش، ويعملون بضمير حقًا.


كان إنسان يمتلك إبل جميل، ويرعاهُ في صحراء المدينة كُل يوم، ويهتم به، لقد كان صديقًا له، وكان يحبه كثيرًا، كُل يوم يهتم إنسان بالإبل، ويعطيه كل الاهتمام، ولكن وقف إنسان أمامه في بعض الحيرة، لا يعرف هل هو يريد الطعام، هل اكتشف بعض الحشائش، ويأكل أم يريد أن يضع له هو الطعام؟ 


ظل إنسان ينظر له كثيرًا، يُحاول أنّ يفهم ما الذي يفعله، ولماذا يُحرك شفتيه هكذا، هل يأكل أم أنه يتلاعب؟


جلس إنسان يفكر قليلًا، وهنا تذكر مدينة النِفاق التي تبعد عنهم الكثير من المسافات والأميال الطويلة، تذكر أهل تِلك المدينة، وكيف أن حياتَهُم مِثل هذا الإبل، هم كثيرون الكذب، والنِفاق، والتلاعُب، ولا أحد يُعامل أخاه بسلامة قلب، ولكن الجميع يتسابق، مَنْ يسرق، مَنْ يقتُل، مَنْ يفعل الشر أولًا، وكأن الجحيم خالٍ مِنْ البشر؛ فيتسابقون هم، مَنْ يذهب إليه اولًا، لقد نسيّ أهل مدينة النِفاق أنهم أناس طيبو القلب، ولكن الشر دنس قلوبهم؛ فجعلهم وحوش قاتلة، إن الحيوانات تشفق على أولادها، والبشر يقتلونهم.


حقًا إنه اسم على مسمى؛ فإنها مدينة الكذب، والنِفاق الذي يسكُن فيها البشر، الذين يشبهون طبع إبل، ظل إنسان أمام إبل الكثير مِنْ الوقت، وقرر أن يذهب له، ولكنه تذكر أثناء المشي، أنه يعيشُ في مدينة رائعة، وكم هو جميل، حَسُن خُلق أهلها، وتمنى لو تُصبح مدينة النِفاق مثلها، ولكن هل يجتمع الشر والخير، هل تُصفى النوايا، وتُقابل الإساءة بالإحسان؟ 


إنّ تحويل مدينة النِفاق إلى المدينة الرائعة، يُشبه تحويل القمر إلى الشمس، هو مُستحيل، ولكن ما معنى المُستحيل، لو كان لدينا العزيمة الكاملة؟ 


إنسان يحب عالمه كثيرًا، وما أجمل أنّ يكون كُل العالم إنسان، ويكون كُل العالم مدينة رائعة، وأخيرًا وصل له، ونظر إليه كثيرًا، ورآه لا يأكل كما توقع، ولكنه يتلاعب فقط، تنهد إنسان في حيرة، وقال: كداب، كدب الإبل.


وهنا كان يصف مدينة النِفاق، والأشخاص الذين يعيشون فيها؛ لأنهم حقًا مِثل الإبل في الكذب، بل أسوأ، هم فيهم كُل الصفات السيئة، هكذا عالمُنا نحن البشر، ومتى نترُك مدينة النِفاق، متى يتوقف الإنسان عن الشر، ويُصبح حقًا إنسان؟


لقد خُلق الإنسان للحياة، وفقط الحياة.

تعليقات