القائمة الرئيسية

الصفحات

كأنَّه بالأمس

بقلم: شيماء عبد الشافي

كأنَّه بالأمس

مُنذُ أربعة أعوام طرقت ابتسامة صافية بابًا مُوصدًا لم يجرُؤ أحدٌ على فتحه من قبل.


ولكن العجيب أنَّ الباب فُتِحَ مباشرةً دون أن تتكبد أي عناء!


دخلت الابتسامة وسط زهولٍ واندهاش، فالمكان كان نظيفًا، جميلًا... دافِئًا.


فأظهرت الابتسامة -ذات الخبرة- كل طيبةٍ ولطف واهتمام بأركان المنزل.


ولأن المنزل كان خاليًا، كأن لم يسكنه أحد من قبل؛ قررت الابتسامة البقاء، حتى تعلّقت جدران المنزل بها، وأصبحت الجزء الأساسي به.


فقد كان قبلها لا يواجه المتاعب ولا يعيش الفرح، كان فارغًا ولا يعاني الفراغ... جامدًا، لا يبالي، لا يفكر.


ولكن دبَّت فيه الروح والحياة منذ أن خطت الابتسامة عتبته.


بقيت الابتسامة قرابة عامٍ في المنزل. يأنس بوجودها، سعيد كل السعادة بلطفها وحنانها، حتى أصبح غيرَ قادرٍ على الحياة بدونها...


وبعد مرور العام يأتي سكان المنزل الأصليون ليجدوه على غير العادة تغمره السعادة، يضج بالفرح والمرح، ليكتشفوا أن المنزل قد سكنته الابتسامة. تضجر أصحاب المكان وعلى الفور طردوا الابتسامة، رغم أنهم لن يسكنوا المنزل، وليس لهم فيه حاجةٌ ماسَّة.


تشرَّدت الابتسامة في الطرقات. فقد نَسِيَت من أين جاءت، وكيف جاءت، وأخذت تفتش في الذكريات الباقية: ما هذا؟ لا يوجد سوى ذكرياتي مع هذا المنزل؟


عِشرَةُ سنةٍ نَسَّتني ما قبلها! إلى أين أذهب من بعدِك، ومن دونك؟! إلى أين؟


أخذها قلبها إلى موطنها الأصلي الذي تدمّر بالكامل... ليقاطعها في الطريق مرتزقة الحزن ويعتقلوها في سرداب الكآبة. 


وهناك تلقى حظها من العذاب...


أصبح المنزل يعاني الشوق والحنين بعد أن كانت الابتسامة تواسيه كل حين. كأنَّ رياح الظلم قد انتزعت قلبه من بين ضلوعه...


هل من العدل أن يطردوا الابتسامة؟! ما عليهم إلا أن يقبضوا ثمني!


لماذا لم يتركوني لها؟ من حييت لأجلها، وعصفت بكل كياني...


غدا المنزل يعاني أشد المعاناة بالألم والغربة، وخَيَّمَت عليه الوَحشَةُ والظُلمة، وصدَّعه الأنين.


مرَّت عليهما الليالي كالسنين، ومرّت السنة وراء السنة مَرَّ السَّحَاب، أو أشد بُطءًا وعِنادًا.


تم تكفين القلوب ودفنها تحت أنقاض المحبة، وصلى عليها الشوق صلاة الغائب.


وبعد مرور العام الثاني على الغياب فُكَّ أسر الابتسامة، وعليها آثار التعذيب. جالت تبحث عن الملاجئ هنا وهناك، واستقرَّت في ملجأ لمدة عام، بلا قلب ولا وجدان. تتجرع كأس الذل والهوان ... دون رغبةٍ، ودون سلام.


وعندما وجدت عملًا لتسُدَّ به حاجاتها اليومية، طلب اليأس مقابلتها وأعطاها العنوان، فذهبت لتجده هذا المكان، الذي دخلته منذ أربعة أعوام.


يا للصدفة اللعينة! لقد كان اللقاء جافًّا فاترًا، وكان المنزل في حالةٍ من الخمول يُرثَى لها.


وكانت الابتسامة تغض النظر عن جدرانه، وتحارب تلك الذكريات التي تجول بخاطرها؛ حتى لا تفقد وظيفتها كما فقدت قلبها...


سألها المنزل عندما خرج اليأس: أتذكرين لقاءنا بالأمس؟


أجابت الابتسامة بنبرة حزن، وتحتبس الدموع بعينيها: لقد مات الأمس حين خرجت منك، والآن لم أعد ابتسامة...


أتى اليأس وأخذ الابتسامة إلى الخارج بعد نهاية اللقاء.


طأطأ المنزل سقفه، فتصدَّعت جدرانه، وقال في سريرته: كيف بالله رجعنا غرباء؟! كيف يا قلبي رجعنا غرباء؟!


تعليقات