القائمة الرئيسية

الصفحات

الحياةُ لا تُعدَّل، فقط تعوَّد عليها كما هي

كتبت: محاسن مجدي

الحياةُ لا تُعدَّل، فقط تعوَّد عليها كما هي

الحياةُ هي تلك الفرصة التي منحها الله لكل إنسان، والتي من خلالها نصل إلى الجنة، وفيها نسعى للوصول لأعلى المراتب والمناصب، ولكن أيضًا لنصل لجنّات النعيم مُخلّدين فيها أبدًا وفيها يحقّق كل إنسان إنسانيته كاملةً.


فالحياةُ مَقَرٌّ كبيرٌ لكل مخلوقات الله تعالى، والتي تتواجد مع بعضها البعض في مسار سليم يكمل بعضه بعضًا، وتتفاعل بشكل إيجابي ما لم تحدث تدخّلات بشرية غير مشروعة، وبهذا المعنى تزدهر الحياة وتتألّق بالتكامل والتجانس الحادث بين عناصرها.


الحياة قصيرة جدًّا، يجب استغلالها فيما ينفع، وفيما يراه الإنسان مناسبًا له، بما لا يعصي فيه الله أبدًا، وأنه من غير المُجدي إهدارها في الأعمال السيئة، والتي تُغضب الله، والنزاعات والخلافات التي لا جدوى منها، فإن الحياة ثمينة لا يجب علينا إهدارها فيما لا ينفع، فهي رأس مال الإنسان، نجمع من خلالها كل أعمالنا الصالحة لنقابل بها الله لنُحاسب أمامه، وندخل بها جنات الخلد أو نحصد الأعمال الطالحة وندخل بها نار السعير، والعياذ بالله، وحتى يستمتع الإنسان بحياته ويستوفي غاياته ويحقّق أحلامه وطموحاته، لا يكون بالمعصية وفعل الشر ونشر الفساد، بل يجب على الإنسان أن يهتم بالعديد من الجوانب التي تُكمل بعضها بعضًا، سواء الجانب الديني أو الأخلاقي أو ملء أوقات فراغه فيما ينفع ويفيد، وفي طاعة الله، لا معصيته، وملء أوقات فراغه بالأعمال التي يهواها القلب أو مخالفة لأوامر الله؛ حيث يساعد ذلك في زيادة البهجة والإنجاز ودخول السرور إلى القلب، فسوف يُسأل الإنسان عن وقته فيما أفناه.


أما إضاعة وقت الفراغ في اللغو واللهو والنوم وعدم فعل شيء، كل ذلك يصيب الإنسان بالفتور والملل والاكتئاب وعدم الاستفادة من وقت فراغه بالشكل الأمثل. 


وقد حثّنا رسولنا الكريم على تعليم أبنائنا اللعب بألعاب تنفعهم؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "علموا أبناءكم السباحة والرماية وركوب الخيل"؛ فاللعب ليس حرامًا، ولكن لا نلعب فيما هو محظور، ولا نجلس بالساعات أمام شاشات التلفاز والهواتف ومواقع التواصل التي أصبحت تستنزف كلّ وقتنا وعمرنا فيما لا ينفع. 


حبُّ الحياة أحد أهم وسائل الاستمتاع بها؛ فعلى عكس الثقافة السائدة التي تقلّل من قيمة الحياة في عيون الإنسان، وتجعلها مكانًا للتعب والضنك، فهي في الواقع مكان للقيام بالأعمال الصالحة، وهي مُقدّمة النعيم الأبدي الذي لا يفنى، لذا فإن الحياة تمتلك كافّة المقومات التي تجعل الإنسان مُحبًّا لها، حريصًا على قضاء وقته فيها بكل ما هو مفيد ونافع.


وعدم إهدار الفرص المُتاحة، واقتناصها بكل ما أُوتي الإنسان من قوة وجهد، ولكن بشرط عدم الإضرار بالآخرين؛ فإلحاق الضرر بالآخرين من أجل التحصّل على المكاسب يجعل الإنسان يبدو غير أخلاقي، وبالتالي فإنه سيخسر أكثر مما قد يكسب نتيجة لنفور الناس عنه.


الهمّة العالية، والطموح المرتفع يساعدان الإنسان على الاستمتاع بالحياة، وإيجاد معنى لها، خاصةً إن ارتبط كلٌّ منهما بتحقيق خدمة جليلة للإنسانية.


التفاعل مع الآخرين في أفراحهم، وأتراحهم، وبناء علاقات اجتماعية قوية مبنية على أُسُس متينة من الاحترام المتبادل والحب، بغض النظر عن العوامل التي قد يُساء التعامل معها، والتي قد تُبعد الإنسان عن أخيه الإنسان. 


زيارة أكبر قدر من الأماكن حول الكرة الأرضية، فالله تعالى لم يخلق الإنسان على هذا الكوكب حتى يبقى جالسًا في مكان واحد فقط.


الاهتمام بالنواحي الروحية، والتفكير الجدّي بتحقيق التكامل الروحي عن طريق الزواج، والارتباط مع المُكمِل من الجنس الآخر، فهذا أدعى لتحقيق السعادة للإنسان.


كل هذا وأكثر يرشدنا إلى أن الحياة دار استمتاع بما أحلّه الله لنا، ومتاع، وأيضًا جهاد للنفس للبعد عن المعاصي وكل ما يبغض الله، وأن الدنيا هي دار الفناء، والآخرة هي المُستقرّ، فننعم في الدنيا بما يُرضي الله، وننعم في الآخرة بأعمالنا الصالحة والقُرب من الله. 


فاعلموا أن الحياة قصيرة، لا تساوي جناح بعوضة؛ فجاهدوا قدر استطاعتكم لرضا الله، والبُعد عن كل ما يُغضب الله، قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ * أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).


أيضًا قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا).


تدقيق: شيماء عبد الشافي

تعليقات