القائمة الرئيسية

الصفحات

نساء حكمن مصر في القديم والحديث

كتبت: نورهان زكريا محمد

نساء حكمت مصر في القديم والحديث

من الجدير بالذكر أن هناك نساء حكمت مصر في التاريخ القديم والحديث، وسنذكر بعضهن في هذا المقال، وهناك أيضًا نساء لهن دور بارز في مساعدة أزواجهن وأبنائهن، مثل الملكة تتي شيري -جدة أحمس- والتي كان لها دور بارز في تشجيع ابنها سقنن رع، وحفيدها أحمس، والتي قال عنها: "امدحوا سيدة البلاد، زوجة الملك وأخت الملك وأم الملك"، ونفرتاي التي كانت زوجة كامس، ثم أصبحت زوجة أحمس، والتي قُدّست في الأسرة الحادية والعشرين في طيبة؛ حيث أُقيم لها معبد هناك. 


كذلك دور نفرتيتي البارز في مساندة زوجها في الثورة الدينية، وعبادة إله واحد وهو آتون، ويذكر التاريخ أيضًا ست الملك أخت الحاكم بأمر الله التي حكمت مصر حتى يبلُغ أخوها سن الرُشد، ويصبح قادرًا على حكم مصر. وغيرهن من النساء التي حكمت تحت حكم ابنها أو زوجها.


حتشبسوت


هي خامس حُكام الأسرة الثامنة عشر، ومعنى اسمها خليلة آمون المُفضّلة على السيدات، أو خليلة آمون درّة الأميرات، أبرز الملكات اللاتي حكمن مصر، بعد وفاة زوجها الملك تحتمس الثاني، كوصية على الملك الصغير تحتمس الثالث في البداية، ثم كملكة وابنة الإله آمون، وقد ساعدها في ذلك بعض رجال الدين الذين صاغوا حولها الأساطير التي تقول: "إن الملكة هي ابنة آمون من صلبه، وإنه أَمَرَ أن تتولّى ابنته بنفسها عرش مصر، وتحكم الوادي من أقصاه لأدناه"، وسُجّلت تلك الأسطورة بتفاصيلها في المعبد الذي أقامته لأبيها آمون، في الدير البحري بالبر الغربي في الأقصر، والذي يُعتبر أروع الإنجازات المعمارية في عهدها. 


كذلك ساعدها أحد كبار موظفيها، وهو سينموت الذي أشرف على تربية ابنتها نفرورع. وقد نقش أيضًا في معبد الدير البحري الأسطول الذي أرسلته حستشبسوت إلى بلاد بونت، والذي كان مُكوّنًا من خمس سفن لإحضار البخور والعطور والأشجار التي غُرست بالفعل في ساحة المعبد، والتي لا تزال أجزاء من جذورها باقية عند مدخل المعبد في الدير البحري.


كما أقامت مسلّتين عظيمتين في معبد الكرنك بمناسبة العيد الثلاثيني. أما عن نشاطها العسكري، فقد قامت بمساعدة أعوانها بأربع حملات تأديبية ضد النوبة. 


وفي العموم، اتّسم عهدها بالرخاء الاقتصادي والنشاط التجاري والعمراني، وقد انتهت حياتها في ظروف غامضة لم توضّحها الوثائق، ولكن من فحص المومياء تبيّن أنها من المُحتمل أنها تُوفِّيَت بسبب إصابتها بمرض السكري، وقد حكمت هذه المرأة العظيمة حوالي 22 سنة. 


كليوباترا السابعة


هي من نسل البطالمة، وهي ابنة بطليموس الثاني عشر، المعروف بـ(بطليموس الزمار). تولّت حكم مصر بعد وفاة والدها عام 51 ق.م، وكانت تبلغ حين ذلك 17 عامًا فقط. وكان قد أوصى بأن يُولَّى العرش لها، ولأكبر أخويها بطليموس الثالث عشر، ووصَّى أيضًا أن ترعى روما تنفيذ وصيّته على هذا النحو. على أيّة حال، تم تنفيذ الوصية وأصبحت كليوباترا وأخوها شركاء في العرش، تحت إشراف وتوجيه حاشية القصر. 


وفي عام 48 ق.م، تأزّمت العلاقة بين الإخوة، وأصبحت كليوباترا ناضجة بأمور القصر؛ فأرادت أن تكون المُتصرّفة الوحيدة في الحكم؛ فقامت حاشية القصر بنشر الإشاعات حولها، بأنها تريد قتل أخيها، وأثاروا عليها الجيش وشعب الإسكندرية؛ حتى اضطرّت إلى الهروب من المدينة. في ذلك الوقت كان قيصر يحارب بومبي، وفرّ الأخير إلى مصر؛ فلحقه قيصر، فوجد الإسكندرية خالية من الملك والملكة، وقد علم بالخلاف الذي حدث بينهما، فأعلن نفسه حكمًا في الخلاف، مُنفّذًا لوصية الملك الراحل. 


وقد ثار الجيش والشعب على هذا الدخيل، وحدثت اشتباكات بينه وبينهم، أدّت في النهاية إلى موت بطليموس الثالث عشر غرقًا في النيل، عندما كان يفرّ من جنود قيصر. بعد ذلك، أعلن قيصر كليوباترا ملكةً لمصر، وزوجها وأخاها في الوقت نفسه بطليموس الرابع عشر شريكًا لها. 


أنجبت كليوباترا من قيصر طفلًا أسمته قيصرًا، ولكن أهل الإسكندرية أسموه قيصرون، وهو تصغير قيصر؛ وذلك على سبيل السخرية، وذهبت كليوباترا إلى روما في عام 46 ق.م، وعبّر الرومان عن كراهيتهم لها؛ حيث اعترف قيصر بشرعية ابنه منها. وبعد أن تم اغتيال قيصر؛ عادت كليوباترا إلى مصر؛ لأن روما أصبحت غير آمنة لها، وذلك في 44 ق.م. وأعلنت ابنها قيصرًا شريكًا لها في العرش، بعد أن تُوفّي بطليموس الرابع عشر في ظروف غامضة. 


بعد أن انتهت الحرب الأهلية في روما؛ قُسّمَت أملاك إمبراطورية قيصر على أوكتافيان (ولايات الغرب) وماركوس أنطونيوس (ولايات الشرق)، وذلك سنة 42 ق.م، وقد فُتحت أبواب الحظ لكليوباترا مرة أخرى؛ حيث بعث لها ماركوس في أفيسوس، وتوالت اللقاءات بينهما، وخضع لها وأصبح أسيرًا لغرامها، وتوطّدت العلاقة بينهما، حتى إذا جاء عام 35 ق.م، أعلن أنطونيوس طلاقه من زوجته أكتافيا أخت أكتافيان، وقد أعلن الأخير عن علاقة كليوباترا وأنطونيوس، وأن ولايات الشرق تقسّمت بين أبنائها جميعًا، وأصبحت كليوباترا نفسها ملكة على هذه الولايات. 


شنّ أكتافيان حربًا باسم إنقاذ الإمبراطورية، ودارت المعركة بينهما عند أكتيوم البحرية في غرب اليونان سنة 31 ق.م، وعندما اتّضح تفوّق أكتافيان عليهما؛ حاولا إعداد خطة جديدة لمواجهة الموقف، ولكن سرعان ما فاجأهما أكتافيان من سوريا، واستولى على مصر، واتّجه إلى الإسكندرية في أول أغسطس 30 ق.م؛ فلم يجد أنطونيوس حيلة سوى الانتحار، وبعدها بقليل وُجدت كليوباترا ميتةً في قصرها، وهكذا انتهت حياة هذه المرأة الغريبة، التي قُدِّرَ أن تكون خاتمة عصر الأسرة البطلمية.


شجرة الدُّر "المرأة التي حكمت المسلمين"


هي جارية تركية، وقيل آرمينيّة، اشتراها نجم الدين الأيوبي، ثم أعتقها وتزوّجها، وقد اعتبرها بعض المؤرّخين أول سلاطين المماليك في مصر، وهي التي كافحت الحملة الصليبية بعد وفاة زوجها نجم الدين، ولم تُخبر الجنود والجيش؛ حتى لا تهبط لديهم روحهم المعنوية، وبالرغم من دورها العظيم في هذه الحرب، إلا أنّ تنكّر السلطان الجديد "توران شاه" لشجرة الدر، وبدلًا من أن يحفظ لها جميلها، بعث يهدّدها ويطالبها بمال أبيه، فكانت تجيبه بأنها أنفقته في شؤون الحرب وتدبير أمور الدولة، فلما اشتدّ عليها ورابها خوفٌ منه؛ ذهبت إلى القدس خوفًا من غدر السلطان وانتقامه. 


ولم يكتفِ توران شاه بذلك، بل امتدّ حنقه وغيظه ليشمل أمراء المماليك، أصحاب الفضل الأول في تحقيق النصر العظيم، وإلحاق الهزيمة بالحملة الصليبية السابعة، وبدأ يفكّر في التخلّص منهم، غير أنهم كانوا أسبق منه في الحركة، وأسرع منه في الإعداد؛ فتخلّصوا منه بالقتل على يد أقطاي. 


حاولت شجرة الدُّر أن تحكم باعتبارها أم ولد، ونسبت نفسها إلى زوجها الراحل نجم الدين الأيوبي، والخليفة العباسي المستعصم بالله، ونقشت على العملة عبارة "المستعصمة الصالحة ملكة المسلمين والدة السلطان خليل أمير المؤمنين".


كما وجّهت جهودها الأولى في التخلّص من بقايا الحملة؛ إذ أن الملكة الفرنسية مارجريت زوجة لويس التاسع كانت تقيم في دمياط مع الحامية، وكان زوجها وكبار أُمرائه رهن الأسر في دار ابن لقمان بالمنصورة، ومعهم اثنا عشر ألفًا ومِئة وعشرة من الأسرى الفرنج، ودارت المفاوضات حتى انتهت بالاتفاق على فدية قدرها ثمانمِئة ألف دينار، يدفع الملك الأسير نصفها قبل رحيله، ونصفها الآخر بعد وصوله إلى عكّا، وتم تسليم دمياط للمصريين في 6 يونيو 1250م. 


رفض الخليفة العباسي الاعتراف بشرعيّة شجرة الدُّر، حتى أرسل ليردّ لها على طلب التفويض الذي وصله بقوله: "إن كانت الرجال قد عُدمت عندكم أعلمونا حتى نُسيّر إليكم رجلًا"، وهكذا أدركت الملكة وأُمراء المماليك خطورة الموقف، وبعد ثمانين يومًا فقط تنازلت شجرة الدُّر عن الحكم لأحد أمراء المماليك الصالحية، وهو عزّ الدين أيبك التركماني الصالحي، الذي تولّى عرش البلاد تحت اسم السلطان الملك المُعزّ عز الدين أيبك. 


اشتهر عز الدين أيبك بعزوفه عن الصراع؛ حتى ظنّ الجميع أنه ضعيف، وقَبِلَ أمراء المماليك الأقوياء زواجه من شجرة الدُّر، وجلوسه على عرش السلطنة، وتولَّى أيبك الحُكم في يوليو 1250م. 


علمت شجرة الدُّر أن أيبك يريد الزواج من إحدى أميرات البيت الأيوبي، وبدأ الزوجان يتسابقان في نسج المؤامرات للتخلّص من الآخر، وانتصرت شجرة الدُّر في هذا السباق، حيث أرسلت إليه -إلى القصر السلطاني-، وحين دخل الحمام، كان هناك مجموعة من الغلمان تناولوه بسيوفهم، حتى وقع قتيلًا. وحين علمت زوجته أم علي وولده ومملوكه سيف الدين قطز بما حدث؛ أسرع إلى جمع المماليك المُعزِّيَّة، وذهبوا إلى القصر السلطاني؛ رغبةً في الانتقام من شجرة الدُّر، وتم القبض عليها، وحملوها إلى زوجة المعزّ الأولى أم علي؛ فجمعت جواريها وضربن شجرة الدُّر بالقباقيب حتى ماتت، وألقَينَ بها من سور القلعة، وهكذا انتهت حياة السلطانة الأسطورة شجرة الدُّر، بالرغم من دورها في التخلّص من الفرنجة، وقيادة الحرب ضدّهم.


تدقيق: شيماء عبد الشافي

تعليقات