كتبت: نورهان زكريا
مقدمة
الدين المسيحي هو دين سماوي نزل على السيد المسيح عيسى عليه السلام، والذي تعرض أتباعه إلى الكثير من اضطهادات أباطرة الروم، إلى أن جاء الإمبراطور قسطنطين وأنقذ أتباع الدين المسيحي من اضطهادات الأباطرة السابقين له، والذي كان أهمهم الإمبراطور نيرون والإمبراطور دوميتانوس والإمبراطور دقليديانوس، وهذا الأخير عرف عصره بعصر الشهداء، وذلك لكثرة الشهداء المسيحيين في عهده.
لم تذكر الوثائق أن قسطنطين شارك في هذه الاضطهادات، بل كان رجلًا سياسيًا ورجل حرب.
نشأة قسطنطين
هو فلافيوس فاليريوس كوستانتينوس، ولد في حولي 272مـ، في مدينة نيشيش، وكان والده ضابط فالجيش، تحت حكم الإمبراطور أوريليان، وَوُصف أنه كان رجل متسامح وماهر وسياسي.
كانت الإمبراطورية الرومانية مقسمة بين دقلديانوس ومكسيميانوس، وقد حكم دقلديانوس الشرق وحكم مكسيميانوس في الغرب، وكان كل واحد منهم له بلاطه الخاص، وقد ترقى في المناصب حتى وصل منصب نائب الإمبراطور في الغرب، وذهب قسطنطين معه وأصبح بذلك وريث الإمبراطورية مع والده، وبذلك كانت الإمبراطورية مقسمة بين دقلديانوس وقسطنطيوس وغالربوس ومكسيميانوس.
قسطنطين الإمبراطور
تولى قسطنطيوس، والد قسطنطين، الإمبراطورية وأصبح أغسطس على الشرق والغرب بعد أن تنازل كلًا من دقليديانوس وغالريوس، بعد حدوث الاضهطاد، سنة 303 أو 304مـ، وحدث التنازل سنة 305م.
قد أُرْسِل قسطنطين في حملة إلى الشرق وترقى في أعلى المناصب تحت حكم الإمبراطور دقلديانوس وعاد إلى والده في بونيا في بلاد الغلال، وقد أصيب قسطنطيوس بالمرض الشديد في يوليو 306مـ، وقبل أن يموت أعلن دعمه لرفع قسطنطين إلى مرتبة أغسطس.
عندما تُوفيّ والده، أرسل إلى غالربوس خطابًا بوفاة والده وطلب منه الاعتراف به، فغضب غالربوس من الرسالة وفي النهاية اضطر إلى التنازل له عن منصبه.
كانت إمبراطورية قسطنطين تتألف من بريطانيا والغال وإسبانيا وبلاد من الشرق.
عندما استقر في الحكم، أخذ قسطنطين في التوسع وعزز سور الدائرة حول المدينة بأبراج عسكرية وبوابات محصنة، وبدأ ببناء مجمع قصر في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة إلى الجنوب من قصره، كما أمر ببناء قاعة جمهور رسمية كبيرة وحمّام إمبراطوري ضخم.
كما انفرد قسطنطين بحكم الإمبراطورية الرومانية واختار مكان مستوطنة بيزنطة على البوسفور مركزًا لتأسيس عاصمة جديدة للإمبراطورية في الشرق وهي القسطنطينية (مدينة إسطنبول حاليًا) لتكون ملتقى بين قارتي آسيا وأوروبا.
اعتراف قسطنطين بالمسيحية
لم تذكر الوثائق تعرُض قسطنطين أو والده للمسيحيين وكان اعترافه بالمسيحية بمثابة انتصار للدين المسيحي الذي أصبح أكثر ديانة منتشرة حول العالم.
كان قسطنطين يحارب ماكسنتيوس في معركة جسر ملفيان عام 312مـ، وذات يوم، حلم بأنه رأى السيد المسيح وقال له أن يستخدم الصلب في الحرب وبالفعل تقدم في المعركة بالصليب الذي كان مرسومًا علي دروع رِجاله وقال إذا انتصر سوف يتحول إلى المسيحية.
وهذه المعركة أتاحت لقسطنطين السيادة على الغرب، وبالتالي اعتقد أن إله المسيحيين أعطاه المساعدة في نزاعه ضد ماكسنتيوس.
القديسة هيلانة
يقال أيضًا أن سبب اعتراف قسطنطين بالمسيحية هو أمه هيلانة (التي تزوجها قسطنطيوس وتركها لأسباب سياسية، حيث تزوج من ابنة إمبراطور لكي يترقى في المناصب)، قد اعتنقت المسيحية وعملت على رفع شأنها في البلاد بعد سنة 313مـ، فزارت بيت المقدس ووزعت الهدايا والعطايا على الناس وساهمت في تشييد الكثير من الكنائس.
بناء قسطنطين الكنائس
أدرك قسطنطين ان اضطهاد الدين المسيحي لم يُنقِص من أعداده، بل ازداد المسيحيون تمسكًا به بالإضافة، إلى ذلك؛ ازداد عدد المسيحيين في دول الشرق، ويقال أن قسطنطين أمر بتشييد كنيسة القديس بطرس في روما وكنيسة الصعود على جبل الزيتون وكنيسة المهد في بيت لحم، وزيَّن عاصمته والبلاد المجاورة مثل أنطاكيا ونيقوميديا وشمال إفريقيا بعدد من الكنائس، أشهرها كنيسة الرسل.
توحيد قسطنطين الكنيسة
رأى قسطنطين ان وحدة الإمبراطورية تتمثل في وحدة الكنيسة ومعنى هذا أن الإمبراطور البيزنطي أصبح سيد الكنيسة والمتحكم في شئونها.
بحث مجمع نيقية المسكوني آراء أحد كهنة مدينة الإسكندرية ويدعى أريوس السكندري والذي كان يقول بأن المسيح مخلوق بشري وأنه أقل من الأب في الجوهر وبذلك أنكر أريوس ألوهية الميسح وأنكر الشبه بين الأب والابن.
في المقابل، عَقّب السكندري أثناسيوس على آراء أيوس بأنه قال الأب نور والابن شعاع حقيقي والأب إله حق والابن إله حق.
وأخيرًا رفض المجمع آراء أريوس وقرر أن الابن، أي المسيح، من نفس جوهر الأب، وبهذا بدأت العقيدة المسيحية تتكون وتأخذ شكلًا محددًا.
كان قسطنطين يهدف من بناء القسطنطينية لأن تكون مدينة مسيحية ولتكون عاصمة بدلًا من روما التي ظلت حصنًا للوثنية إلى وقت قصير، وقد أسس قسطنطين مجلسًا للشيوخ.
تذكر الوثائق أن قسطنطين لم يعتنق المسيحية حتى قبل وفاته على فراش الموت، كما أنه احترم العادات الوثينة. ويمكن القول بأنه اعترف بالمسيحية حتى يُمنَح القوة برجال الدين المسيحي ولتثبيت حكم الدولة البيزيطية التي قامت في الشرق الهلنستي.