كتبت: أميرة عبد السلام
إنها الليلة المنتظرة، فبعد بضع سويعات سأُساق إلى مذبحة الزواج، وأنا قربان ذاك الشيطان الذي اختارني من بين مواشي المملكة القاصرات، ففي كل عام يقوم باختيار صبية جميلة ذات ضفائر، ليتوّجها ملكةً على عرشه، ثم لا ندري عنها شيئًا بعد ليلة التتويج المشؤومة.
غادرن الفتيات أخيرًا، اللواتي قمن بتشويه طفولتي بصناديق من الألوان، وتبعهن أبي وأمي، وملامح تنمَّ عن البكاء المرير والعجز عن إنقاذ طفلتهما في يوم مولدها السادس عشر، باديةٌ عليهما. وَثَبْتُ سريعًا نحو باب الغرفة لأوصده جيدًا، ثم اتّجهت نحو منضدة الزينة أزحتها قليلًا بصعوبة، ثم جلست القرفصاء وضغطت بكفِّي على حجرٍ ما، لينزاح الجدار كاشفًا عن دركاتٍ نهايتها كهف أرضي، فهبطت إلى هناك بحذر، ثم في ممراتٍ طفقت أعبرها بشموخٍ وعداد، فيما أجر أطراف ثوب العرس الأبيض الملكي والحلي المُذهّب يلمع أسفل شعل نارية تزيّن جانبَي الكهف، اقتحمت طخطخته الصمت المُطبق بالمكان.
دقائق ووقفت خلف باب خشبي طرقته مرتين بإيقاع مميز، ففتحت لي ذات العشرة أعوام، بينما تلف حول رسغها قماش ملطّخ بالدماء، بدت أنها له، ألقيت عليها التحية ودلفت للداخل ألقي التحية على باقي الصبايا اللواتي يبلغ عددهن حوالي عشرين صبية حتى جاورت صديقتي، أتطلّع إلى ما يتطلّعن إليه، رجل في مقتبل الأربعين، التابع الوفي لذاك الشيطان القميء وصديقه الأثير، كنا قد اختطفناه، مستغلِّي سكره في إحدى سهراته مع جواريه، جلبناه إلى هنا وصلبناه على الجدار منذ أسبوع تقريبًا حتى أصبحت حالته مزرية بشكلٍ مُهين، حيث كنا نذيقه العذاب ممّا كسبت يداه إلى أن فقد وعيه بما يحدث حوله.
التفتُّ إلى صديقتي أستفهم منها ما إذا كان قد نطق بشيء، فأشارت لي بسكين ذي مقبض أسود بنقوش غريبة: هذه هي التي ستُرجعه إلى الجحيم، فقد قال لنا أن السكين أُقيم عليها طقوسٌ من السحر الأسود بقطرات من دمائه، للقضاء عليه من قِبل أخيه الصغير، لكنه تخلّص منه بحرقه في الكنيسة بعد أن علم بنواياه الخبيثة تجاهه، ثم حاول أن يتخلّص منها ولم يفلح، فدفنها عند الشجرةِ المحرمة، وبالفعل أتينا بها من هناك.
- وبِمَ تفيدنا هذه؟
- طعنة واحدة وستتعرف على دمائه، فتتشربها حتى آخر قطرة.
- أعجبني وفاء هذا الكلب، لهذا لن يطول فراقهما كثيرًا.
- نعم، فالصبايا قُمن بالواجب وأكثر.
أدرت وجهي لهنّ أحمل ابتسامة ممتنة لشجاعتهن على الرغم من أعمارهن التي تتراوح ما بين العاشرة إلى السابعة عشرة، وكل واحدة منهن تحمل بيدها الضئيلة الحجم أداة حادة تتنافر مع هيئتهن الطفولية...
قلت: أشكركن جميعًا على مساندتي ومساعدتي في تخليص صبايا المملكة القاصرات من وأدهن بأبشع الطرق، والآن حان دوري لأنهي وصلة عذاب دامت سنين، ونأخذ بحق جميع الضحايا الأبرياء.
قلنَ: نحن نعتمد عليكِ مولاتي الأميرة.
خبَّأت أداة قتله بين طيات الفستان، ثم اتجهت إلى وجهتي الأخيرة. رأيته يقف على منصّة الإعدام المعتادة ينتظر ضحيته التالية باستبدادٍ وعنجهية، وابتسامة شهوانية مقيتة، لكنّي لم أسمح باكتمال انتصاره، فبينما يلفّ حول رقبتي ما يسميه قلادة ملكة الإمبراطور المنشودة أظهرت السلاح الأخير، وهممت بطعنه، لكن نصله سبقني وانغرس في صدره كسهم متعطش للدماء، تراجعت عنه قليلًا، لأستمتع مع الحضور المشدوه بمشاهدة الظلال وهي تلتفّ حوله، بينما هو يصرخ كالرّعد، يتقاطر من فمه الأجوف قيءٌ أسود، وجسده ينهار تدريجيًّا إلى أن سقط كأرض جافّة، ثمّ في لحظة غير متوقعة تفتّت عظامه كبقايا رماد أسود انتثر مع ذرات الرياح، وهكذا انتهت قصة الشيطان والقاصرات.