القائمة الرئيسية

الصفحات

مهارات التواصُلِ الفعّال

كتبت: سلوى حجازي

مهاراتُ التواصُلِ الفعّال

تصدّر كتاب روبرت بولتون قائمة الكتب الأعلى مبيعًا منذ ربع قرن، ولا زال يحقّق مبيعات ضخمة حتى يومنا هذا، ويرجع سرّ نجاح الكتاب في المقام الأول إلى أنّ مؤلفه عايش ما تحدّث عنه، بل وعانى منه كثيرًا، مما اضطره في النهاية لأن يمتهن الكتابة حتى يوضّح لنا ما أصابه، كما يرجع نجاحه لاستناده على تكوين ثلاث مهارات رئيسية يحتاج إليها الكثير من الناس، وهي:


1- الاستماع.


2- تأكيد الذات.


3- حلّ الصراعات.


فضلًا عن ذلك فإن الكتاب لا ينحو منحنى كُتُب التنمية الذاتية في تشبيهك بالبطل الخارق، أو المُنقذ القادم، بل يتحلّى بالكثير من الموضوعية ويستند على الكثير من الأبحاث العلمية، ويبني آراءه على مدارس كبار علماء النفس، أمثال فرويد وروجرز وكارين هورناي.


لذلك يبدو الكتاب موضوعيًّا سهل التطبيق، فهو لا يطلب منك أن تكون لطيفًا أكثر من اللازم، ولا أن ترتدي قناعًا لا يناسبك، ولا أن تكون ذاتًا لا تشبهك!


بل يعطيك نصائح ضرورية تفيدك في تكوين الروابط الاجتماعية بعدما حلل كاتبه الشخصية الإنسانية، وسلك أغوارها، وتُبيّن دقائقها، وفهم موطن الخلل في الشخصيات التي تفشل في تكوين العلاقات الاجتماعية.


عليه يرى بولتون أن العقبات الرئيسية في بناء العلاقات الفعّالة تكمن في ثلاثة أسباب:


1- الحكم على الناس.

 

2- تقديم الحلول والنصائح.

   

3- المهارات المُكتسبة.


المهم في إدارة التواصل الاجتماعي، القدرة على الفهم والتعاطف دون لبس قبعة الحكيم، أو رداء القاضي؛ فرداء القاضي يجعلك تصنّف الناس تلقائيًّا، ومن ثم تختلف طريقة تعاملك معهم حسب التصنيف الموضوع مُسبقًا، وقبعة الحكيم تجعلك تسدي الكثير من النّصح مع الكثير من النقد دون أن تدري، وهو ما لا يريده أحد!


تعلّم أن تتعامل مع الناس دون تصنيفهم إلى طيّب وشرير، سيء وخيّر، ذكي وأحمق.


تعلم أن تتعامل مع الناس على أنهم بشر، يُصيبون ويُخطئون، فيهم الجانب المُظلم والآخر المُضيء، مثلك تمامًا.


فبحسب الأبحاث العلمية، إن 75% من التواصل اللفظي يتم تجاهله، أو إساءة فهمه، أو نسيان المحادثة تمامًا. لذلك انتبه فهناك فرق كبير بين الإنصات والاستماع:


فالإنصات هو مشاركة نفسية ووجدانية مع المتحدّث، بينما الاستماع مجرّد سماع لحديث الآخر دون إبداء أي مشاركة.


يشتمل الإنصات على مجموعة من المهارات هي


1- الانتباه: بحسب الأبحاث العلمية، فإن 85% من التواصل غير لفظي، ويشمل الانتباه النظر لمن تحدّثهم "التواصل البصري" والتواصل الحركي "Body Language"، والتواصل العقلي فلا تفقد مسار الحديث أثناء الحوار، ولا تنشغل أثناء الحديث بشيء كالهاتف مثلًا، أو تُحدّث شخصًا آخر بينما أحدهم يحاورك.


2- المتابعة: متابعة مسار الحديث الموجّه إليك وإشعار محاورك أنك سعيد لأنّه يحدّثك، وطمأنته إذا تحدّث عن أسراره الشخصية، ومتابعته إذا سقط منه خيط الحوار، فضلًا عن عدم السخرية أو التهكّم على محاورك، كلها أمور تنُمّ عن احترامك لمحدّثك، وأنك جيّد في التواصل مع الآخرين.


3- إعادة الكلام: يُعرف "بوكنون" إعادة الكلام بأنها "ردٌّ مُوجز على المتحدّث يوضّح له خلاصة ما قاله بكلمات من اختيار المستمع"، وهي مشاركة مفادها أنني فهمت مرادك جيدًا، وقد استمعت لك باهتمام وشاركتك وجدانيًّا فيما تقول.


4- الردود الرزينة: يُقصد بها اختيار العبارة المناسبة للموقف دون نقد أو تجريح، مع إيصال الرسالة المطلوبة، وذلك أمرٌ صعب نسبيًّا على كثير من الناس الذين لا يُجيدون مهارة التواصل مع الآخرين، وقديمًا عرّف العرب الحكمة بأنها "وضع الشيء المناسب في المكان المناسب" وهنا تتضّح الرزانة، والحكمة في استخراج الفعل، أو الردّ المناسب مع الإبقاء على المودّة مع المرسل إليه.


تعود أهمية الردود الرزينة كذلك في التواصل في أن الناس لا يبوحون بكل شيء، ويكتمون الكثير من المشاعر حتى ولو أظهروا لنا عكس ذلك، ولذلك يجب أن نبحث عن المشاعر الكامنة وراء حُجُب الكلمات، ونتفاعل معها ونقدّرها رغم كل شيء.


الحكمة التي تتمثّل في التواصل الفعّال تكمُن في أنها تكشف شخصيات مَن نتعامل معهم، وبالتالي نتعامل معهم بصورة صحيحة بدلًا من وضع افتراضات خاطئة تفتح علينا مصائب لا تنتهي فيما بعد.


5- مهارات التأكيد: يشترك الإنسان مع الحيوان في كثير من الصفات الفطرية، ومنها آليات الهجوم والانسحاب، وهاتان الآليتان يستخدمهما كثير من البشر، سواء بوعي منهم أو بدون وعي بغية الحصول إلى ما يريدون.


لكن هنالك وسيلة أخرى بديلة، ولكنها في الوقت ذاته أفضل وأمثل، ألا وهي المهارات التوكيدية، وهي إحدى أكثر الوسائل الفعّالة في التواصل الجيّد والحصول على ما نريد.


6- منع الصراع والسيطرة: "لا توجد مشكلة بشرية لا يمكن حلها إذا فعل الناس ببساطة ما أنصح به"، هكذا قال غور فيدال ذلك اليوم، ولكن تخيّل إن كان هذا شعار بعضهم في إدارة العلاقات، فكم سيكون حولهم من أصدقاء!


حاول أن يكون شعارك في حل المشكلات التي تنجُم أثناء العلاقات أن تكون متوازنًا محافظًا على المسافات، ففي حين النظر إلى احتياجات جميع الأطراف بدلًا من البحث عن الكثير من الحلول التي قد تكون في كثير من الأحيان غير مناسبة، أو مُرهقة، أو صعبة التنفيذ، فإنك ستجد الحلّ الأمثل والمثالي في الوقت نفسه بمجرد البحث في الاحتياجات ومحاولة تلبيتها بطريقة عملية مع تفهُّم وجهات النظر الأخرى، مع ذلك لا تنسى أن هناك مسافات دائمًا بين عربات القطار حتى لا تصطدم ببعضها.


وعليه تكمُن مشكلات العديد من الأشخاص الذين يعانون من الوحدة، ليس في الناس من حولهم، ولكن في عدم امتلاكهم لأدوات التواصل، كما يقول كارل يونغ "الشعور بالوحدة لا يأتي بسبب عدم وجود أشخاص من حولك، ولكن من عدم قدرتك على التواصل مع الآخرين عن أشياء تبدو لك مهمّة"، وهنا تكمُن أهمية تعلّم فنون الاتصال الفعّال.


ويكون ذلك من خلال تمكينه وبناء قدراته في الجانبين المعرفي والإنساني، وهما أكثر الجوانب المهدورة في البلدان العربية.

تعليقات