كتبت: أميرة عبد السلام أحمد
بُنَيّ...
هذه رسالتي الأخيرة مذيلة ببضع عبارات الشوق فلا تلتفت لها، إليك وداعي أخيرًا...
سأغادرك فكن سعيدًا، فلا تطرف بعينيك التي تشبه خاصتي، خلفك، حتى لا تنزغك نزعة الندم، أنت من اخترت ترك يدي فامضي، سأظل ألوح لك من بعيد فخورًا، وإن تناسيتني، فاقرأ رسالاتي علها تبوح لك بعطر الحنين...
هل لي أن أعيد معك ذكرى قديمة؟ كانت أمك فيها تغني، وأنت بين أحضانها تناغي، كان بالنسبة لي مشهدًا مضنيًا لأمٍ تودع طفلها بالضحكات وهي راحلة بعد سويعات، كانت الطامة التي أفنت فؤادي إذ إن الحب بيننا كان أزليًا، لكن حينما حملتك وربت بكفك الصغير على خدي أدركت حينها أنك جنتي التي تعبق برائحتها، فضممتك أكثر وبكيت حتى رسالاتي وصلتك ندية، فاعذرني...
لم أجد سببا يجعلك بجواري تبقى، ربيتك حتى شبت عن الطوق، ثم قررت أن تستقل بدوني، فبدا أن دربك لا يحتاجني، ظننت أني كنت لك أبا صالحًا حتى يأست من سؤالك عني ولو صدفة، فتقبل مني حشدًا من الأسفِ...
منذ أن تعلمت السير وحدك وأفلَّت يدي، فجأة وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا، ذبلت ورقتي وقد آن سقوطها أما قد حان أن تأتي وتشهد رحيلي الأخير...
فقط زُرني زيارة وحيدة وما إن تدلف إلى منزلنا سيتعرف على خطواتك الشقية حينما حبوت لأول مرة، ابتسامتك المشاكسة عندما أسقطت المزهرية البشعة التي كنت لا تفضلها، أنينك وقتما تصيبك الحمى ليلًا، صخبك مع أصدقائك أثناء حفلات عيد ميلادك، بكاؤك المكتوم في صدري عندما رسبت في مادة معلمك المفضل، وأخيرًا خطواتك البطيئة نحو بابه قاصدًا الغربة، لن يعاتب أو يلوم، بل سيعجه النور سيتنفس بعد ردح من الزمن في قبر لا تحفه الزهور، وتدور بكم الذكريات إلى أن تقع عيناك على غرفتي، تقدم ثم اطرق بابي ستجدني مستلقيًا على فراشي انتظرك دون كلل، وكلي أمل في أن تشرق عيناي على رؤياك، فهل لك يا بني أن تحقق أمنية عجوز أيامه أشرفت على الانتهاء؟...
مع تحيات والدك المسامح المشتاق المنتظر، فلا تتأخر...