القائمة الرئيسية

الصفحات

الوهم المُريح ... أبرز الحيل الدفاعية عند مواجهة الحقيقة

كتبت: سلوى حجازي

الوهم المُريح ... أبرز الحيل الدفاعية عند مواجهة الحقيقة

قالوا قديمًا الحقيقة المُرة خير ألف مرة من الوهم المريح، لكنهم قالوا أيضًا الحقيقة هي الشيء الوحيد الذي لا يصدقه الناس. فلماذا يفضل كثير من الناس أن يعيشوا في كنف الوهم ويجعلوه لهم مستقرًا وسكنًا مهما سبب لهم من مشاكل وجلب لهم من البلايا الكثير، في المقابل لا يصدقون الحقيقة؛ بل ويحاربونها في أحيان كثيرة وربما يقتلون قائليها.


المثال الصارخ على ذلك، الأنبياء الذين كُذِبوا وحورِبوا وقُتل منهم الكثير وهم حمَلة لواء الحقيقة ورُسُلها. فلماذا إذًا تحب النفس البشرية الزيف، وتقدس الوهم وتتخذه معبودها الأول.


ربما لأن الوهم هو عزاء المهزومين الوحيد في واقع مليء بالهزائم والخيبات الذي كلما حاولوا أن يخرجوا منه أعيدوا فيه؛ فاعتنقوا الوهم دينًا، واتخذوا من الحلم سبيلًا كحيلة نفسية للتأقلم كي لا يموتوا كمدًا.


بعد الكثير من البحث في سبيل الإجابة على هذا التساؤل اتضح لعلماء النفس أن هذا الأمر يرجع لعدة عوامل جمعيها يصب في صالح الإنسان بشكل مؤقت ليجعله يتأقلم مع حياته الجارية، ويشعر بأنه بخير وإن لم يكن كذلك؛ فعندما يعجز الإنسان عن حل مشكلاته، أو تقليل قلقه وتوتره النفسي الناتج عن عجزه الذاتي تجاه أحد الأمور التي تواجهه، أو عندما لا يريد أن يتحمل تبعات المسؤولية الملقاة على عاتقه فإنه يلجأ إلى مجموعة من الحيل الدفاعية النفسية التي تمكنه من مجابهة الحياة على حالها دون التغيير الذي سيعجز عن القيام به. 


 أبرز الحيل النفسية للهروب من الواقع


- التبرير: هي حيلة مشهورة من الحيل الدفاعية يستخدمها الكثيرين لتبرير سلوكياتهم الخاطئة بتبريرات عقلية وإن لم تكن متماسكة منطقيًا؛ وذلك حتى لا يفقدوا الثقة في أنفسهم، غالبًا ما يعرف هؤلاء أنهم مخطئون داخليًا ولكن أنفسهم الهشة لا تستطيع أن تعترف بذلك أمام الملأ.


- الإسقاط: هو إحدى الحيل النفسية الشهيرة، فقط قم بإلقاء عيوبك على الآخرين حتى تبرر فشلك وتتخلص من عقدة الذنب، وبذلك تحيا في سلام باتخاذك من الإنكار درعًا حاميًا لعثراتك وذنوبك بينما الآخرين هم من يتحملون الوزر كله حتى لو كانوا واقعيًا هم ضحاياك.


- أحلام اليقظة: قد تكون أحلام اليقظة مفيدة أحيانًا في دفعنا لتحقيق أهدافنا في الحياة، ولكن عندما تتحول لهوس الإغراق في الخيال والبعد عن تضاريس الواقع ومشكلاته فإنها تغدو كارثة تلتهم صاحبها وتورده موارد الهلاك.


- الإزاحة: تسمى بدائرة القهر الدائمة، غالبًا تنتشر هذه الحيلة في الدول المستبدة ويلاحظها المرء طوال الوقت.


الإزاحة هي تفريغ القهر والعنف الواقع على الشخص نحو الأضعف الذي يلقيه حظه العاثر في طريق المقهور الأول، وهكذا تسير الدائرة باطراد مستمر، فالمدير يقهر الموظف ويعنفه، فيفرغ الموظف حمولته من القهر نحو زوجته وعملاءه، وهكذا تُلقي الزوجة بتلك الأعباء الزائدة على أطفالها، فينتج جيل يعاني من انعدام السواء النفسي، ويظهر هذا في سلوكيات كالتنمر وتعذيب الحيوانات وغير ذلك من السلوكيات الشاذة والغريبة، كل هذا سببه في الحقيقة هو إزاحة الانفعالات المكبوتة نحو الغير كي تتخلص منها نحن، ولكنها للأسف تستوحش أكثر فأكثر حتى تستحيل لعادة لعينة تطارد صاحبها طوال الوقت.


- التقمص: إحدى الحيل الدفاعية أيضًا. فكثيرًا ما نغذي عقول الأطفال بفكرة (القدوة)، القدوة ببساطة هي أن ترى شخص كمثل أعلى ومن ثم تتقمص صفاته حتى تتوحد معه وتصبح شبيهًا به ... يعتقد الكثيرون أن هذه فكرة مفيدة للأطفال وتدفعهم نحو تحقيق أحلامهم ولكنهم يغفلون أنهم يغرسون في أطفالهم أحلام غيرهم وبالتالي يستلبون ذواتهم الحقيقة وأحلامهم الأصيلة التي يجب أن تكون هي دافعهم نحو الاستقلال وإثبات الذات، نزرع لأولادنا مجموعة من القدوات التي يجب أن يسيروا على خطاها في المستقبل ولكن ننسى أن نعلمهم أن يكونوا هم قدوة مميزة يومًا ما.


- النكوص: هو ببساطة التحول أو النكوص نحو الحالة الطفولية عندما نعجز عن مجابهة الواقع أو نفشل في تحقيق ما نريد، حينها نسلك بعض التصرفات الطفولية كالسب والشتم أحيانًا، والبكاء وضرب الأرض وتكسير الأدوات أحيانًا أخرى، وهي نفس التصرفات التي يلجأ إليها الأطفال حال غضبهم من أجل التخلص من الضغط النفسي وتفريغ التوتر والقلق ... تتحول تلك الحيلة التي تعد من أهم الحيل الدفاعية مع بعض الناس إلى سلوك دائم في حال قابلتهم المشاكل مما يتسبب لهم في مشاكل جمة سواء في عدم حلهم للمشكلة الأصلية والهروب منها بتلك الطريقة الطفولية، أو عندما يتحول النكوص إلى إحدى سمات الشخصية التي تهلك صاحبها وتنفر الناس عنه.


- الكبت: هو رفض الاعتراف بالمشكلة ومحاولة الهروب منها بل وربما نسيانها بطريقة جبرية ونسيان ما يتمخض عنها من آلام حتى يشعر المرء بالهدوء والسلام بدلًا من القلق والتوتر الذي يخلفه الاعتراف بالمشكلة، يكون ذلك على المدى القصير ولكنه يسبب مشكلات نفسية جمة على مدار الوقت.


- التثبيط: هو الكبت الواعي للغرائز والشهوات والدوافع الطبيعية المختلفة وربما المشاعر والسلوكيات إما لاستحالة إشباعها في الوقت الحاضر وإما لبعض الاعتقادات التي يؤمن بها الفرد وتسبب هذه الحيلة من بين الحيل الدفاعية للإنسان ضيق ومشاكل نفسية تظهر في سلوكياته. 


- التعويض: هو محاولة التغطية على النقص الحقيقي أو المتوَّهم الذي يشعر به المرء باكتساب ميزات جيدة تكسبه وضعًا أفضل كي يثبت لنفسه بأنه الأقوى والأفضل. وهذه الحيلة من بين الحيل الدفاعية التي إذا استخدمت بطريقة صحيحة فإنها تسهم في تطوير شخصية المرء وتدفعه للتقدم في حياته بشكل كبير.


كانت تلك أبرز الحيل الدفاعية التي يستخدمها أغلب الناس في حياتهم اليومية.

تعليقات