القائمة الرئيسية

الصفحات

العلاج النفسي بالفن

بقلم: رانيا مسعد 

العلاج النفسي بالفن

إن الفن وسط تعبيري، وله فوائد واضحة المعالم، وله طبيعة خاصة، إنه ثابـت وبـاقِ وملموس، حينما تكون الكلمات قليلة، واللوحة المرسومة لا تـزول ولا تختفـي فـي الهـواء مثـل الكلمات، والشعور والاتجاه يتضحان على الأوراق، ويكونان ملموسين ومعترف بهما، وهذا لا يكـون في الكلمات، واللوحة المرسومة يمكن أن تعدل آلاف الكلمات، والأكثر أهمية أن الرسـم يمكـن أن يعبر عما تعجز عن وصفه الكلمات لدى الفرد. 


الفن هو الوسيلة التي بها يصيح الفرد ويصرخ بما فـي داخـل الأعماق. واستخدام الفن في العلاج النفسي لا يركز ولا يؤكد على المظهر الإبداعي للفن، لكن الأكثـر أهمية هو الاستبصار العلاجي الذي يحصل عليه الفرد من العلاج بالفن. ولقد تطور العلاج بالفن منذ عام (1940) ويعتبر العلاج بالفن من المجالات المهنيّة والأكاديمية حديثة العهد نسبيًا، وهو يقوم على تطويع الأنشطة الفنية التشكيلية، وتوظيفها بأسلوب منظم ومخطط، لتحقيق أغراض تشخيصية وعلاجية تنموية نفسية، عن طريق استخدام الوسائط والمواد الفنية المُمّكِنة في أنشطة فردية أو جماعية، مقيّدة "موجهة" أو حُرة (اختيارية)، وذلك وفقًا لأهداف الخطة العلاجية وتطور مراحلها، وأغراض كل من المعالج وحاجات المريض ذاته، ويستهدف العلاج بالفن مساعدة المرضى على إعادة بناء الطرق التي ينظمون بها حياتهم ويعيشونها ويدركونها.


ما هو العلاج بالفن؟


تُعرِف الجمعية الأمريكية العلاج بالفن Art American Association Therapy بأنه استخدام علاجي من صنع الفن، ضمن علاقة مهنية، من قبل الناس الذين يعانون من المرض، أو الصدمات النفسية، أو التحديات في المعيشة، أو الناس الذين يبحثون عن التنمية الشخصية، من خلال خلق الفن وانعكاس آثاره على المنتجات والعمليات التي يؤدونها، ويمكن أن يستخدم لزيادة الوعي الذاتي، والتعامل مع الأعراض، والإجهاد، والتجارب المؤلمة، وتعزيز القدرات المعرفية، والتمتع بمباهج الحياة


يُعتبر العلاج بالفن أحد أفرع العلاج النفسي، ويستعمل المهارات مع بذل الجهد، مع التأكيد على استخدام الفن بما فيه من الخطوط والألوان وجميع أنواع الفنون التشكيلية، بحيث لا يأخذ طابعًا لقتل الوقت أو تأكيد نمطية معينة.


الأسس التي يستند إليها العلاج بالفن

     

تستند نشأة العلاج بالفن إلى مجموعة من الأسس، وهي:


- إن المشاعر والأفكار اللاشعورية يسهل التعبير عنها تلقائيًا في صور أكثر مما يعتبر عنها في كلمات.


- إن إسقاط الفرد لصراعاته الداخلية في صورة بصرية لا يحتاج إلى مهارة أو تدريب فني.


- إن التعبير الفني المنتج في العلاج بالفن يجسد المواد اللاشعورية مثل الأحلام والصراعات، والذكريات الطفولية، والمخاوف.


- يعمل إسقاط الصراعات والمخاوف الداخلية في صورة بصرية على بلورتها في شكل ملموس ثابت يقاوم النسيان، ويكون دليلًا على انطلاق الصراعات من اللاشعور، فيبدأ المريض في الانفصال عن صراعاته، الشيء الذي يجعله قادرًا على فحص مشاكله بموضوعية متزايدة.


- يؤدي شرح المريض لإنتاجه الفني لفظيًا إلى التداعي الحُر حول إسقاطاته الفنية، مما يزيد قدرته على التعبير اللفظي خاصة لدى الذين يجدون صعوبة في التعبير عن أنفسهم لفظيًا، ويتم تشجيع ذاتية المريض عن طريق قدرته المتزايدة على الاشتراك في التفسير اللفظي الفني، ويستبدل تدريجيًا اعتماده السابق على المعالج بشحنة انفعالية نرجسية تجاه فنه، ويتحرر المريض تدريجيًا من الاعتماد الزائد على المعالج.


- العلاج النفسي يقوم أساسًا على حوار يتم بين طرفين (مريض – مُعالِج)، هذا الحوار يتم من خلال تبادل الكلمات، أي ينشأ حوار بين المريض والمعالج، حيث يطلق المريض العنان للسانه كي يعبر عما يجول بخاطره من ذكريات وأحداث ومشاعر وانفعالات كأول خطوة نحو تحقيق الاستبصار بطبيعة مشكلاته والتعرف على أسبابها متقدما نحو الشفاء.


أحد أنواع العلاج بالفن، العلاج بالرسم، فما هي فوائد العلاجية؟


1- التواصل


أ‌- مع الأطفال: يُعد الرسم عملًا فنيًا تعبيريًا يقوم به الطفل، وهو بديل عن اللغة، وهو شكل من التواصل غير اللفظي، وأيضًا شكل من أشكال التنفيس، فالأطفال "عن طريق الرسم" يعكسون مشاعرهم الحقيقية تجاه أنفسهم والآخرين، ومن ثم كانت الرسوم وسيلة ممتازة لفهم العوامل النفسية وراء السلوك المشكل، وقد أثبتت الدراسات النفسية التحليلية للأطفال أننا نستطيع من خلال الرسم الحر الذي يقوم به الطفل أن نصل إلى العقل الباطن، والتعرف على مشاكله وما يعانيه، وكذلك التعرف على ميوله واتجاهاته ومدى اهتمامه بموضوعات معينة في البيئة التي يعيش فيها، وعلاقته بالآخرين، سواء في الأسرة أو الأصحاب أو البالغين.


بـ- مع البالغين: طبيعي أن يكون استخدام تكنيك الرسم غير مقتصر على الأطفال، وإنما يمكن استخدامه أيضًا مع الراشدين كأسلوب للعلاج النفسي، وبخاصة أولئك الذين لا يرغبون في الحديث المباشر عن مشكلاتهم وكذلك يستخدم مع الأشخاص الخجولين.


على هذا يكون الرسم أداة مناسبة لإقامة الحوار وتحقيق التواصل مع كل الأشخاص على حد سواء، حتى أولئك الذين لا يجيدون الرسم. لذا يوصي بعض علماء النفس بترك كراسة رسم إلى جوار المريض في الجلسات العلاجية.


من ثم فقد لجأ المعالجون النفسيون إلى استخدام الرسوم كوسيلة يمكن من خلالها تحقيق التواصل مع المرضى الذين لا يحسنون التحدث باللغة المنطوقة، على اعتبار أن الرسم إنما هو لغة يمكن من خلالها إقامة جسر للتواصل بين المريض والمُعالج لتبادل الأفكار والمعاني فيما بينهما، والكشف عن الصراعات الداخلية لدى المريض. إذ أن لدى الإنسان القدرة على أن يحول الأفكار إلى صور بالقدر الذي يمكن فيه أن يحول الصور إلى أفكار وكلمات.


2- التوافق الاجتماعي


يُعتقَد أن الأطفال المتأخرين دراسيًا وسيئي التوافق الاجتماعي والانفعالي، وذوي الاحتياجات الخاصة، هم في حاجة أكبر للتعبير الفني من الأطفال الأسوياء، ومن ثم فإنه يمكن أن يكون الرسم أداة قيمة لفهم حالات الطفل الانفعالية.


ربما تكون المعلومات عن استخدام وتحليل هذه الرسوم أداة هامة للأخصائيين النفسيين بالمدارس في جهودهم لفهم الانفعالية لتلاميذهم، وفي هذا يؤكد العلماء على ضرورة استخدام الفن في علاج الأطفال المضطربين نفسيًا، حيث يمكن لنشاط الفن أن يهيئ هؤلاء الأطفال للعلاج.


كما أن الرسوم تعد سجلًا بصريًا ثابتًا للتعرف على مدى تقدم المريض أثناء العلاج. كما أن هذا النوع من العلاج لا يعتمد على مهارة فنية، فلا أهمية ولا ضرورة لذلك.


في النهاية، يعد العلاج بالفن أحد أنواع العلاج المفيدة لتحسين الصحة النفسية للأطفال وللراشدين، فسواء كان ذلك الفن هو الرسم أو الموسيقى أو الأعمال الفنية اليدوية، فهو يُخرج الكثير من الطاقة السلبية بداخلنا، ويساعد كثيرًا على الاسترخاء.


لاستكمال القراءة في مجال أنواع العلاج النفسي الحديثة والغريبة تابعوا القراءة في كتاب "أنواع العلاج النفسي، من التحليل النفسي إلى الواقع الافتراضي" بقلم رانيا محمود مسعد.

تعليقات