آخر الأخبار

الصحة النفسية والموّروث الشعبي

بقلم: رانيا محمود مسعد

الصحة النفسية والموّروث الشعبي

ترتبط دراسة الموّروث الشعبي بأنواعه المُختلفة، بعِلم النفس وبالصحة النفسية، حيث أن هذا الموروث الشعبي هو انعكاس للشخصية المصرية، وميكانزمات التفكير، والإدراك والتخيّل، وحل المشكلات، وفلسفة الحياة عند الإنسان، في مكان مُحدد بظروفه النفسية والاجتماعية والثقافية والإيكولوجية المتوفرة لغيره في مكان آخر.


دراسة الموروث الشعبي تفيد في دراسة وفهم نفسية هذا الشعب، والتي تميزت بـ(الذكاء – الطيبة – التديّن – حب الفن – الاستقرار – السُخرية)، ومدى التحوّلات التي طرأت على تلك الشخصية، وتعرفنا معايير السواء واللاسواء في الفرد، وأيضًا تفيد في التعمُق في منظومة المعارف والقيّم والأعراف لهذا الشعب. 


كما أن الموروث الشعبي يمدنا بكثير من القيم الموجودة في قصص الأجداد، وحكاوي الكبار، والأمثال الشعبية الشائعة، والسيَّر، وغيرها، والتي تزرع العديد من القيم الإيجابية مثل الكرم، الشرف، التضحية، الشجاعة، عدم الطمع، حب الخير، مواجهة الأخطار، أو تزرع القيم السلبية مثل التي توجد في بعض الحواديت والقصص الأسطورية مثل: حدوتة أبو رجل مسلوخة، وأمنا الغولة التي غرست ثقافة الخوف في أجيال كاملة.


يمكن أن يمدنا الموروث الشعبي ببعض القيَّم السلبية كالتواكل، وانتظار الحظ، تبرير الأخطاء، كما في قصة علي بابا والأربعين حرامي التي تزرع قيّم خاطئة وخطيرة في حياة الطفل.      


حيث أن الوالدان هما القوة الأولى المباشرة في التنشئة، ومن خلالهما يكتسب الطفل قيَّمه ومعتقداته الأولى، ويظل متأثرًا بها، ويتأثر سلوكه طيلة حياته، كما أن للأم دور أكثر أهمية، فمن خلال الأم أو الجدة يتم توصيل الموروث الشعبي للطفل من خلال الحكايات، والأغاني، والأهازيج التي تغنيها لأبنائها طوال اليوم أو قبل النوم.  ا


المثل الشعبي


من أكثر فروع الثقافة الشعبية ثراءً، حيث يجسد المثل الشعبي تعبيرًا عن نتاج تجربة شعبية طويلة تخلص إلى عبرة وحكمة، ومجموعة الأمثال الشعبية تكِّوّن ملامح فكر شعبي ذو سمات ومعايير خاصة؛ فهي إذن جزء مهم من ملامح الشعب وأسلوب حياته ومعتقداته ومعاييره الأخلاقية.


يذكر جمال طاهر في كتاب موسوعة الأمثال الشعبية والمثل الشعبي، أن المثل الشعبي ليس مجرد شكل من أشكال الفنون الشعبية، وإنما هو عمل يستحث قوة داخلية على التحرك، إضافة لذلك فإن المثل الشعبي له تأثير مهم على سلوك الناس، فالمعنى والغاية يجتمعان في كل أمثال العالم، وهذه الأمثال على اختلافها تعبر عن تاريخ وفكر الأمم.


المثل الشعبي هو تعبير عن نتاج تجربة شعبية طويلة أدت إلى عبرة وحكمة، وهو أشبه ما يكون بالرواية الشعبية التي تقُص قصة موجزة فتسهم في تكوين الشعب. 


مجموعة الأمثال الشعبيـة تكون ملامح فكر شعبي ذو سمات ومعايير خاصة، فهي إذن جزء من ملامح الشعب وقسماته وأسلوب عيّشه ومعتقداته ومعاييره الأخلاقية.   

  

أمثال سلبية: في هذا السياق، يوضح أساتذة الطب النفسي أن بعض الأمثال الشعبية التي توارثتها الأجيال لها تأثير سلبي على الشخصية، ومنها "امشي سنة ولا تعدى قنا"، يعنى ذلك لِف كثير وتجنب مواجهة العوائق التي تواجهك، مما يعد نوعًا من أنواع السلبية لعدم مواجهة الضغوط، والتهرب منها، فيعطي فرصة لعدم الطموح.


كذلك المثل الشعبي "اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب"، الذي يعطي إشارة للبذخ والتبذير دون عقلانية وتفكير في المستقبل، فالأصح أنه يجب على الشخص قبل أن يصرف أمواله، أن يفكر فيما ينتظره. 

     

كما بالنسبة لمثل "العين ما تعلاش عن الحاجب"، فهو أيضًا سلبي، لأنه يجعل الشخص لا يستطيع التطلع إلى الأشياء، التي تكون أعلى من إمكانياته، لكن في الواقع يجب على الشخص أن يكون لديه تطلع للتغيير ويكون لديه الطموح الذي يمكنه من الوصول لما يريد. على هذا المنوال فإن هناك الكثير من الأمثال المتوارثة تؤصِل قيّم خاطئة يجب التخلص منها.


تناقض الأمثال الشعبية

 

يشير الدكتور يوسف زيدان أستاذ الفلسفة، أن التناقض الكبير الذي نجده في بعض الأمثال الشعبية المصرية، يشير لحالة عجيبة تتعلق بالعقل الجمعي المصري، الذي يعبر عن نفسه بالمأثورات المتناقضة، ويرجع سبب عدم الضبط في الأمثال الشعبية، واختلاف السياقات المنفصلة التي تستعمل فيها، دليل على اختلاف طرق التفكير بين المستويات الشعبية المختلفة، وتناقضها. يدل ذلك أيضًا على الرغبة في المراوغة، وتفصيل الأحوال وفقًا لما يرضي جميع الأطراف. 

 

أمثلة الأمثال المتناقضة عن كسب الرزق "الرزق يحب الخفِيّة"، ولكن "اجرى جري الوحوش غير رزقك لن تحوش".


ولابد أن تسرع؛ لأن "اللي سبق أكل النبق"، لكنك ستتعب بلا جدوى لأن "قيراط حظ، ولا فدان شطارة". 


كما يحض المثل على عدم التأخر عند القيام بفعل شيء "حلاوتها في حموتها"، ولكن تأخر كما يقول المثل "اتقل ع الرز عشان يستوي".


كذلك فلا تتأخر عن فعل الخير؛ لأن "خير البر عاجله"، لكن "كل تأخيرة وفيها خيرة".                                                     

 

كما تدل الأمثال على عمل الخير دون انتظار مقابل "اعمل الخير وارميه البحر"، لكن "خيرٍ تعمل شر تلقى" و "أخرة المعروف ضرب الكفوف".  


كما تقدِم الأمثال نصائح وعكسها، مثل الأمثال عن الحب والزواج، "حاسب قبل ما تناسب"، ولكن لن يفيدك التحذير لأن "مراية الحب عامية"، ولزيادة الحب "ابعد حبة تزيد محبة"، وفي ذات الوقت "البعيد عن العين، بعيد عن القلب". 


أما بالنسبة لحماية الأولاد، "الضنا غالي"، لكن يقول المثل "إن جالك الطوفان، حط ولدك تحت رجليك".


الناس سواسية، كما في المثل "كلنا ولاد تسعة"، في حين أن "الناس مقامات".

  

 من الأمثال المتناقضة "النار متحرقش مؤمن"، بينما "المؤمن مُصاب".


ومما يدل على عدم اليأس "لبّس البوصة تبقى عروسة"، ولكن على العكس "إيش تعمل الماشطة في الوش العكر".


رغم تناقض الأمثال الشعبية إلا أنها تبقى رافدًا مُهِمًا من روافد الثقافة العربية، ورغم مبدأ "خالف تُعرف"، إلا أن الاختلاف ليس عيبًا.

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات