كتبت: ماري كميل
لم تكن مكتبة الإسكندرية القديمة هي المكتبة الوحيدة في العالم القديم، حيث عُرفت المكاتب منذ القِدم، أي قبل الميلاد عند الكثير من الحضارات فمنها (الحضارة المصرية، حضارة بلاد ما وراء النهر، الحضارة السورية، حضارة آسيا الوسطى، حضارة اليونان).
كانت تستخدم المكتابات للمحافظة على تراث الدول، ولكن الشيء المختلف في مكتبة الإسكندرية أنها لم تكن فقط تحتوي على التراث المصري أو الكتب المصرية، بل اشتملت أيضًا على كتب من جميع أنحاء العالم.
كان اليونانيون والإغريقيون في فترة حكمهم لمصر متعطشون للعلم والمعرفة، كان هذا متزامنًا مع حكم الملك الإغريقي"الإسكندر الأكبر" الذي اتخذ الإسكندرية عاصمة لدولته، وكان لديه الكثير الخُطط التوسُّعية، من ضمن هذه الخطط هي إنشاء مكتبة عالمية في الإسكندرية، ولكن قبل بدء بناء المكتبة مات الإسكندر الأكبر وبدأت في مصر فترة حكم البطالمة وكان حاكمها بطليموس الأول هو الحارس الأمين للأسكندر الأكبر.
قرر بطليموس إكمال هذا العمل العظيم وإتمام حلم الإمبراطور.
أسند بطليموس الأول للمستشار "ديميتروس" مهمة بناء المكتبة، بالفعل في عهد بطليموس الأول داخل الحي الملكي، تم بناء أول مكتبة عالمية، وهي مكتبة الإسكندرية التي سُميت أيضًا بالمكتبة الملكية.
بنيت مكتبة الإسكندرية على طِراز معماري يجمع بين الحضارة الإغريقية والفرعونية معًا.
لم يكتفي بطليموس الأول بجمع الكتب الموجودة في رقعة حكمه، ولكنه بدأ بجمع المخطوطات الأصلية سواء كانت مخطوطة (دينية، علمية، سياسية، فلسفية، تاريخية) من جميع أنحاء العالم.
كان بطليموس مُحِب للأدب والعلم، فلم يكتفي بجمع الكتب والمخطوطات فقط، بل جمع العلماء والكتَبة المثقفين في مكتبة الإسكندرية، ووفر لهم ولأسرهم الرعاية والمسكَن من أمواله الخاصة لكي يستفيد منهم أقصى استفادة ويخرجوا علمهم على هيئة مخطوطات توضع في المكتبة، فكانت المكتبة أيضًا مكانًا ليعلِم العلماء تلاميذهم.
لم يكتفي حُكّام الإسكندرية بهذا، بل جعلهم الفضول يجمعون النسخ الأصلية من كل كتاب موجود على وجه الأرض .. وبما أن الإسكندرية كانت أحد أهم الموانئ في البحر المتوسط، استغل الحكام هذا الامتياز وفرضوا على أي سفينة تعبر من هذه الميناء أن تقدم كتابًا أصليًا، يرجع أصله إلى الدولة القادمة منها هذه السفينة، فيقوم العلماء بنسخ هذا الكتاب وتحتفظ مكتبة الإسكندرية بالكتاب الأصلي وتعطى النسخة المكتوبة حديثا لأصحاب السفينة ليعودوا بها لبلادهم، وكانت الكتب أهم من المال الذي تدفعه السفينة في ذلك الوقت، ولم ينتظروا أن تعبر السفن من الميناء بل أرسلوا سفن لبلاد العالم لكي تبحث عن الكتب.
من ضمن الخطط الذكية أيضًا، كان استغلال ورق البردي، حيث كانت مصر الأولى عالميًا لتصدير ورق البردي لجميع دول العالم، فمنعوا تصدير ورق البردي للخارج، ومن يريد كتابة عِلمه على ورق البردي كان يأتي للأسكندرية بنفسه لكي يدوّن علمه.
فكر العالم "أليماخوس" في عمل فهرس خاص بكل محتويات المكتبة من مخطوطات وكتب وكان الفهرس مكوّن من عشرين مجلد، وسّهَل هذا البحث داخل المكتبة وسرعة الوصول للكتاب الطلوب.
تخرَّج من هذه المكتبة العريقة علماء عباقرة من ضمنهم "ارتوستينس" الذي أثبت أن الأرض مستديرة واستنتج نصف قطرها ومحيط الكُرة الأرضية، بعد ذلك في سنة 48 ق.م في حكم الأمبراطور، يوليوس قيصر الذي فرض الحصار على الإسكندرية، وأحرق السفن الموجودة في الميناء، يقول بعض العلماء "أن احتراق السفن استمر إلى أن وصل للمكتبة، من ثم احترقت" وهذه معلومة خالية من الصحة تمامًا، حيث ظل العلماء يذهبون للمكتبة حتى أثناء فرض الحصار على الإسكندرية.
الحقيقة هي أن مكتبة الإسكندرية لم تختفي مرة واحده، ولكن كان اختفائها بالتدريج.
وقعت مصر تحت حكم الكثير من الدول مثل (دولة اليونان ثم دولة الرومان بعدها كان حكم المسيحين بعدها كانت الدولة الإسلامية)، فالحقيقة هي أن كل حاكم جديد كان يتخلص من الكتب التي لا تعجبه في المكتبة، فكان الرومان مثلا يتخلصون من كتب اليونانيين لأنهم يقولون أنها كتب كاذبة وفلسفات ليست لها اي صحة، أما المسيحيين والمسلمين أيضًا كانو يعتبرون كتب الفلسفة مصدر رعب وذعر، ففي ظل الحكم المسيحي تم قتل الفيلسوفة وعالمة الرياضيات "هيباتيا" لأنها كانت تدرس الفلسفة وتاريخ اليونان، وهذه الفلسفة كانت تحض على الكفر، فبدأت المكتبة في الانهيار.
إذًا نستطيع أن نقول أن هدم مكتبة الإسكندرية لم يكن في وقت معيّن أو في عصر ملك بعينه، ولكنه كان موازيا لهدم العلم والعقول والخوف من المعرفة وخوف كل حاكم جديد من تأثير كتب المكتبة على دولته ... هذه هي قصة مكتبة الأسكندرية.