كتبت: رانيا محمود مسعد
من أجل الصمود في عالم متغيّر، يجب أن يحافظ الإنسان على طبيعته، وتوازنه، على هويته وقيَّمه، على سلامه النفسي وصحته النفسية والروحية، تلك السلامة الروحية تحميه وتصونه، تقويه، تجعله صامدًا أمام التغيّرات، والمشكلات والضغوط. ولا تتحقق السلامة الروحية إلا بوجود أحد أهم أنواع الذكاءات، ألا وهو الذكاء الروحي.
ما هو الذكاء الروحي
كان مفهوم الذكاء ولا زال مَثارًا لاهتمام الفلاسفة والعلماء منذ القدم، كما أنه أحد الموضوعات الهامة والأساسية في علم النفس؛ لأنه أحد المظاهر الملحوظة للحياة العقلية السلوكية للفرد.
بدأت دراسة القدرات العقلية والذكاء منذ أواخر القرن التاسع عشر، وامتدت لبدايات القرن العشرين على يد بينيه وجالتون، ونظرت للذكاء كقدرة عقلية واحدة تتواجد بنسب مختلفة لدى البشر، ثم ظهرت نظرية الذكاءات المتعددة لجاردنر (Gardner) حيث أكدت النظرية وجود عدة أنواع من الذكاء يمتلكها كل البشر لكن بنسب متفاوتة، وحدد جاردنر في البداية ثمانية أنواع من الذكاء، ثم أضاف إليهم الذكاء الوجداني، وحديثًا أضاف إليهم الذكاء الروحي.
يرى بوزان أن الذكاء الروحي هو أهم وأرقى أنواع الذكاء، ويؤمن الكثير بأنه يؤثر في قدرتنا على تغيير الحياة وتغيير مسار التاريخ نفسه؛ لأنه يرتبط بكل ما هو سامي وذو معنى في حياتنا، فيخرج الفرد من إطار الماديات وكل ما هو دنيوي.
يمثل الذكاء الروحي آخر مراحل تطور ونمو الذكاءات لدى الفرد؛ فعندما يمتلك الفرد الذكاء الروحي، يُصبح أكثر وعيًا وإدراكًا للصورة الكاملة للأشياء وللكون كله.
يساعد الذكاء الروحي الفرد على التوازن بين قيَّمه العليا وبين غاياته، ومن خلال تلك القيم يتوصل لمعنى شامل للحياة، وللتعامل مع الآخرين بشكل أخلاقي، ويتصل بالخالق عز وجل بطريقة مختلفة أكثر ارتباطًا ويتصل بالبيئة ويتسم بالوعي والسمو ويشعر بالامتنان لكل النعم.
أهمية الذكاء الروحي
إن الذكاء الروحي هو أسمى أنواع الذكاء ويتحكم في أنواع الذكاءات الأخرى ويتداخل معها، ويُمثل البوصلة التي توجههم. كما أن للذكاء الروحي دور كبير في تشكيل سمات وقدرات الفرد، وله علاقة إيجابية بالصحة النفسية، والثقة، ويؤدي لتقليل الضغوط، ويزيد من التكيّف الشخصي والمهني للفرد، ويساعد الفرد على رسم طريقه في الحياة ويوجهه لاتخاذ القرارات الهامة لتحقيق أهدافه.
خصائص الأفراد ذوي الذكاء الروحي
يذكر علماء النفس أن ذوي الذكاء الروحي لهم بعض الخصائص مثلت ما تشير الدفتار (2011، 93) إلى أن الأفراد ذوي الذكاء الروحي يتسمون ببعض الخصائص منها:
1- الوعي بالآخرين.
2- التساؤل الدائم.
3- وجود الهيبة والحكمة.
4- الإحساس بكل ما هو روحي.
5- القدرة على الإحساس بوجود الله وسماع نداء التذكير به.
6- الشعور بالأسى من التناقض أو الفوضى.
7- الالتزام بالعقائد.
8- التفاني في سبيل قضاياهم، والتمسك بما يلتزمون به من عهود أو آمال.
9- الجاذبية وأناقة المنظر.
10- التفاؤل والاتجاه الإيجابي نحو الحياة رغم وجود الصعوبات.
كيف ننمي الذكاء الروحي لدينا
الذكاء الروحي يتفاوت وجوده بين البشر، ولكن من الممكن تنميته بشكل كبير ككل أنواع الذكاءات الأخرى. وقدم كثير من العلماء والباحثين طرقًا مختلفة لتنمية الذكاء الروحي، فيذكر (بوزان) أن الفرد يمكن أن ينمي ذكاءه الروحي من خلال ما يلي:
1- إظهار التعاطف مع النفس والآخرين، فالشعور بالعطف يولد الشعور بالمسؤولية والالتزام.
2- البحث عن قيم الفرد.
3- الإحسان للآخرين، وعدم انتظار المقابل.
4- إدراك الشخص للصورة الكاملة للكون.
5- احترام البشر الآخرين؛ فكل شخص منا يُمثل إعجازًا ويجب احترامه.
6- الثقة في البشر؛ فالثقة في الآخرين وفي النفس تُولّد شعورًا طيبًا أفضل مما تولده الريبة.
7- إحصاء النعم وتقديرها، واعتبار أن كل ما يحدث لنا نعمة قد لا ندرك قيمتها في وقتها.
8- اللعب مثل الأطفال.
9- قوة الطقوس والعبادات.
10- السلام.
11- الحُب.
مما سبق يتضح لنا ماهية الذكاء الروحي وأهميته وطرق تنميته، وأنه أحد أنواع الذكاء التي تربطنا بإنسانيتنا، وتوقظها في داخلنا من جديد.