القائمة الرئيسية

الصفحات

روائع فن الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر

كتبت: سارة حمدي

روائع فن الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر

لنعود للقديم قليلًا، لفن مصر في عهد البشوات.


رغم العقود، ومرور الزمن على هذا القصر، إلا أنه لا يزال هذا القصر المبهج مهجورًا، ولكنه صامد بشموخ، ومازال يستقطب الباحثين عن أجوائه لأنه مليئ بالإثارة والغموض.


ماذا يكون هذا القصر، ومن صاحبه، وما قصته، ومن بناه، وما تاريخه؟


يقول عمرو صلاح، أحد المصورين المصريين: "ما إن دخلت من باب القصر حتى كاد صوت نبضات قلبي يدوي في القصر، إذ انتابتني مشاعر من الإثارة والفرح مع شيء من الخوف والرهبة"، كما وصفه قائلًا: "ما رأيته ليس قصرًا، إنه حقًا تحفة فنية معمارية لا مثيل لها".


إنه قصر الأمير سعيد باشا حليم.


يقع بشارع موبار سابقًا، شمبليون حاليًا، على مساحة 445 متر تقريبًا.


حمل هذا القصر اسم العالِم الفرنسي جان فرانسوا شامبليون، وهو الذي فك رموز اللغة المصرية القديمة التي كانت على حجر رشيد أيام وجود الحملة الفرنسية في مصر.


قبل 132 عام، شُيّد قصر سعيد باشا في عام 1896 على الطراز الإيطالي على يد المصمم الإيطالي أنطونيو لاشياك.


هنا يضيف المصور قائلًا: "حرصت أن يرى الناس في مصر وحول العالم أن مصر فيها الكثير من الدُرر التاريخية والفنية، والتي تنتظر بفارغ الصبر أن يراها العالم، وأيضًا يكون شاهدًا كيف كانت مصر بوتقة للفنانين والمعماريين من أرجاء العالم، أتوا إليها لكي يروا مثل هذا القصر شاهدًا على حقبة في تاريخ البشرية".


- من هو سعيد باشا حليم؟


ولد الأمير سعيد باشا 18 يناير عام 1863، وتوفي في 6 ديسمبر عام 1921 عن عمر يناهز 56 عامًا.


هو سياسي عثماني مصري، وأيضًا ابن محمد عبد الحليم، وحفيد محمد علي باشا، والذي أسس الأسرة العلوية في مصر، ثم تولى منصب الصدارة العظمى (رئاسة الوزراء حاليًا) من عام 1913 إلى عام 1916.


هو أيضًا وقَّع معاهدة التحالف التي تمت مع ألمانيا عام 1914، ومع ذلك عرف بأنه معارض لدخول تركيا في الحرب.


حاول أن يستقيل عند اندلاع الحرب، ولكنه احتفظ بذلك المنصب عند إلحاح رجال حزب تركيا الفتاة.


ولد الأمير في قصر شبرا بالقاهرة في مصر، وتلقىٰ تعليمه على يد بعض مدرسين خاصين، حيث درس الابتدائية والمتوسطة والثانوية بإسنطبول، ثم التعليم العالي في سويسرا، وقد مكث بها 5 سنوات حتى تخرّج من كلية العلوم السياسية.


 في الفترةما بين 1890 - 1895 تزوج الأمير من أمنية إنجي طوسون، وهي ابنة محمد طوسون باشا.


 تم بناء قصره في أواخر التسعينيات من القرن التاسع عشر في وسط القاهرة، من أجل الأمير على يد المهندس الإيطالي.


في عام 1914، بعد انضمام بريطانيا، طالب الأمير بعرش النظام الملكي المصري، بناء على فرمان صدر عام 1866، وهذا الفرمان غيّر القانون من الوراثة المصري إلى أبناء إسماعيل باشا قبل نصف قرن.


خلف بعده محمود شوكت باشا، وأصبح في تلك الفترة الصدر الأعظم ووزير الخارجية معًا.


كان أيضًا المرشح الوسيط لعضوية جمعية الاتحاد والترقي.


كان سعيد باشا منتسبًا بشكل سطحي في رأيه إلى الجمعية.


كان الأمير سعيد مسلمًا محافظًا بشكل لم يعجب اللجنة المركزية، أكن لأسلافه هيبة، أيضًا، افتقار الأمير إلى القوة السياسية جعلت منه مرشحًا لمنصب الصدراة الأعظم مقبولًا في تلك الفترة على مضد.


أيضًا، كان أحد الذين وقَّعوا على التحالف العثماني الألماني في ذلك الوقت، ولكنه كان ضد زج الدولة العثمانية بالحرب، واستقال بعد غارة البحر الأسود والتي كانت السبب الذي أدى إلى دخول الدولة العثمانية بالحرب.


هنا زعم السلطان العثماني محمد الخامس أنه أراد شخصيًا أن يثق في الأمير سعيد بصفته الصدارة الأعظم، وأنه طلب منه البقاء في ذلك المنصب لأطول وقت ممكن.


حدثت إبادة جماعية للأرمن بعدها، ووقَّع الأمير سعيد على أوامر تنص على ترحيل السكان الأرمن.


هنا ناشده البطريرك الأرمني زافين بدير يغيايان بأن يوقف هذا الإرهاب الذي يحدث ضدهم، ولكن رد عليه الأمير سعيد بأن تلك التقارير عن الاعتقالات والترحيلات مبالغ فيها، ولكنه فيما بعد تم ترحيل دير يغيايان نفسه.


خسر الأمير منصب الوزارة الخارجية عام 1915، ولكنه ظل في رئاسة الوزراء حتى عام 1917، وانتهت فترته بسبب حدوث عدة اشتباكات مستمرة بينه وبين جمعية الاتحاد في تلك الفترة، خلفه في احتلال المنصب محمد طلعت باشا.


اتُهِم الأمير سعيد باشا بالخيانة بعد الحرب العالمية الأولى في عدة محاكمات عسكرية بسبب توقعيه على التحالف العثماني الألماني، ولذلك نفيّ في 29 مايو 1919 إلى سجن في مالطا، ولكن تم تبرئته من تلك الاتهامات البشعة، وثم إطلاق سراحه عام 1921، وانتقل للعيش في صقلية.


أراد الأمير سعيد العودة إلى إسطنبول عاصمة دولته ولكنهم رفضوا طلبه.


اغتيل بعد فترة في روما على يد شخص اسمه أرشافير شراكيان وكان عميل الاتحاد الثوري الأرمني، وذلك بسبب دوره في الإبادة الجماعية للأرمن، ودفن في تربة السلطان محمود الثاني.



الآن نعود للقصر الحبيب بعدما تحدثنا عن صاحبه بإيجاز. 


كلف كما قُلنا سابقًا المعماري المشهور إيطالي الثقافة نمساوي المنشأ كورت أنطونيو لاشياك، في عام 1895 بأن يصمم قصرًا في القاهرة، استمر التصميم لمدة 4 أعوام لينتهي منه في عام 1889، مشكَل على الطراز النيوباروك. 


اختفت بعض أثاثات القصر، مما أدى لاختفاء بعض معالمه، وطرازه، ثم خراب حدائقه الشائسة جرّاء حدوث الزحف العمراني بالقاهرة. 


كان القصر ممكوّن من مبنى رئيسي مكون من طابقين وبدروم، وعلى جانبيه أيضًا جناحين متماثلان ملحقان يصلهما به مشأة، وإلى جانب قيمة القصر المعمارية يحوي أيضًا قطعًا فنية ثمينة، وزخارف هندسية، ونياشين مرصعة بالحروف الأولى لاسم البرنس سعيد حليم


يشتمل القصر في طابقه الأول على بهوًا كبيرًا يمتد بطوله انتهاءً إلى سلم مزدوج يمتلك فرعان ممتدان، ينتهي بسلم مزدوج ثانِ له فرعان يؤديان إلى جناحيه الجنانبيان في الطابقان العلويان الذي يحتوي كلً منهما على 6 حجرات واسعه ومرفق به بدروم، يحتوي أيضًا على غرف خادمات، ومطبخ، وأيضًا حجرات للتخزين بها، ودورات مياه، الجناحان يتصلان من خلال ممر متواجد به أعمدة على الجانبين، ويحوي القصر أيضًا مصابيحًا للإضاءة الليلية، متواجدة أسفل المنحوتات التي تشغل أركانه، وذلك لإبراز قيمة الفن المتواجد به، ومساحة القصر كانت حوالي 4781 متر، قبل أن تختفي حدائقه. 


رفضت زوجة الأمير سعيد العيش بالقصر، وعاشت في مضيق البوسفور بإسنطبول حتى ماتت عام 1915.


بعدما شيد القصر، انشغل الأمير بمناصبه التي كانت خارجية، ولم يتمكن من العودة لمصر بسبب نفيه في عام 1952.


انتقلت ملكية القصر إلى الحكومة المصرية في 13 مارس 1915 بسبب مصادرة ممتلكات الأمير وأقاربه، ولذلك تحوّل القصر في عام 1916 إلى مدرسة الناصرية الإعدادية بنين، وعرف القصر بأنه مدرسة رائدة في تعليم أبناء الطبقة الأرستقراطية بجانب مدرسة السنية للفتيات. 


بقدوم ثورة يوليو، تم إخلاء القصر بسبب دلالته على طبقية التعليم. 


ثم فى عام 2000 أصدرت وزارة الثقافة، قرارًا بانضمام القصر إليها.


بعدها قدم المجلس الأعلى للآثار مشروع مع التعاون بمعهد بحوث التنمية الفرنسي بالقاهرة لتحديث القصر، ذلك لترميم وتحويل القصر إلى متحف فني، وكان المقرر له أن يحكي تاريخ القاهرة العظيم في فترة، ولكنه توقف ولم ينفذ للآن. 


في عام 2006 في شهر مايو، جمعية أحباء قصر سعيد حليم تشكلت من أعضاء درسوا بالناصرية، ولكنهم أيضًا فشلوا ولم يستطيعوا إنقاذه؛ وذلك بسبب قرار اللجنة بعدم صلاحية تحويله لمتحف، وقررت ذلك بسبب ضيق الشوارع المجاورة له، ثم تم تقدير قيمته المبدئية فقط، وذلك لتعويض المالك بملبغ 60،540،000، تحت ما يسمى بالعجز والزيادة، ولكنه تم رفضه من قبل قطاع التمويل بالمجلس الأعلى للآثار، وذلك بسبب أن الاعتمادات المالية لا تسمح. 


ثم تم تشكيل لجنة للتفاوض بأمر المالك للوصول لسعر مناسب في يونيو 2008، ولكنهم لم يصلوا لشيء.  


صدر قرار اللجنة الدائمة بعد طول انتظار للآثار الإسلامية والقبطية في عام 2009، بإلغاء القرار السابق ونزع ملكية القصر. 


في 17 اغسطس 2009، تم تسليم القصر بناء على حكم صدر من القضاء الإداري بعد أن قام رجل الأعمال السكندري رشاد عثمان بطلب للمجلس، ومنذ ذلك الوقت تزداد حالة القصر سوءًا ولم يتغير شيء. 


هكذا كُتب على هذا القصر الوحدة والفراغ رغم تميّزه بالموقع والفن وملكيته سابقًا لأحد أحفاد محمد علي.

تعليقات