القائمة الرئيسية

الصفحات

المهرجانات تاريخ لن يوقفه قرار

 كتب: أحمد ياسر إبراهيم "رئيس التحرير"

المهرجانات تاريخ لن يوقفه قرار

في البداية عليك أنت كقارئ أن تخلع عنك جميع أفكارك سواء كنت مؤيد لمنع المهرجانات في مصر أم لا، اقرأ أولًا ثم احكم بعد ذلك، أو لا تحكم فلن يهم، الفكرة أنه عليك أن تعلم أنه وإن طَفَت على السطح القمامة ففي القاع تختبئ اللآلئ.


المهرجان كفكرة لم تكن وليدة اليوم، ولكنها بدأت منذ ما يقرب من 12 عام، كانت على يد "ڤيجو شبح اسبيكو" وهو فرد من مدينة السلام كان يقوم بعمل "ريمكس" بمعنى أنه يضيف للأغنية طبلة ودرامز وغيرها من الآلات التي تثير البهجة وتغير المزاج للأفضل، ورغم قِصَر يد السوشيال ميديا في هذا الوقت وانتشارها المحدود، حقق هذا النوع من الأغاني المُعاد توزيعها رواجًا أكثر من الأغاني الأصلية.


بعد فوز مصر ببطولة أمم إفريقيا على نظيرها "الكاميرون" بهدف مقابل لا شيء، قام "ڤيجو شبح اسبيكو" بالاشتراك مع "سعد حريقة" و "كريم مزيكا" و "علاء فيفتي"، بعمل مهرجان "منتخب مصر"، والذي لاقى رواجًا كبيرًا بشكل غير معهود بين فئة الشباب، وكان من الطبيعي جدًا أن تستقل ميكروباص أو توكتوك وتجده يسمع هذا المهرجان، ولم يعد اعتياديًا سماع حمادة هلال "والله وعملوها الرجالة"، ومع أول مواجهة للمهرجان مع الأغنية، انتصر المهرجان وبجدارة.


توالت الأيام والشهور وكثرت المهرجانات وكثر صُناعها وتزايدت معها حصة المهرجان في سوق المستمعيين، ظهر الكثير من صُناع المهرجان الجدد على الساحة مثل "سمكة، بلطية، سردينة، قنديل، فيفتي، سادات، عمرو حاحا...إلخ" مجموعة من الشباب لم يكن يميزهم عن غيرهم سوى "كمبيوتر وميكروفون والدافع".


إلى أن وصلنا لعام 2011، بالتحديد وقت ثورة 25 يناير، بدأ كل شيء وقتها يظهر على حقيقته، حيث ارتمى الفن بين أحضان النظام السابق متمسحًا في تراب الأحذية ومتباكيًا ومتحسرًا على النظام، بينما المهرجان ظهر ليقف بجانب الشباب، حيث ظهر مهرجان "ثورة 25 يناير" مباشرة بعد إعلان تنحي "مبارك"، والذي قام بصنعه "أحمد شمس، أيشا، سردينة"، حيث كان يحتوي المهرجان على بعض الجمل الحماسية وشكر للثوار وتحية للشهداء وذِكر بعض فضائح النظام البائد، مثل قتل الثوار والسرقة وغيرها، وكانت من أعظم الجمل التي ذكرت في هذا المهرجان "لو الدفاع عن الحق جريمة....فليحيا عالم الإجرام".


انتشر مهرجان ثورة 25 يناير، حتى أنني أظن أنه لا يوجد مصري واحد يحمل أذنين تعملان بشكل جيد ولم يسمعه.


توالت الأيام والمهرجان لم يخرج عن هذا السياق، بعض الجمل عن الصداقة والأخوة والسجون، على الأغلب كانت هذه الجمل موجودة من قبل على ظهور التكاتك والميكروباصات، كان يستولي على المهرجان شباب محافظة القاهرة بين المطرية والسلام وغيرها، حتى نهاية عام 2011، بدأ يظهر المهرجان بلون جديد وصناع جدد.


كان مهرجان "أصدقاء سُداسية" هو بداية ظهور اللون الإسكندراني في الصورة، بالتحديد "الدخلاوية" حيث اختلف عن اللون "القهراوي" فبدأ يهتم بصنع موسيقى خاصة به، وبدأوا في صياغة كلام متناسق عن الصداقة والأخوة والاعتزاز بالنفس إلى جانب ما يحدث في الشارع من حكايات ومشاكل تواجه الشباب مثل الفقر والبطالة إلخ...



وكان أول من ابتدع اللون الدخلاوي هو "الفيلو" وأول من بدأ في كتابة شِعر المهرجانات هو "زيزو النوبي"، تلاه "حودة ناصر" يليه "زياد الإيراني" و "مصطفى الشاعر" ولنا معه وقفة فيما بعد، وغيرهم الكثير ممن لا يقلون عنهم كفاءة ولكن لا يتسع المقال لذكرهم.



لٰق المهرجان الدخلاوي رواجًا كبيرًا وظهر موزعيين كُثُر غير "الفيلو" مثل "حمو صبحي" و "حمو خيري" وكذلك بدأوا في إنشاء استوديوهات بسيطة لتسجيل المهرجانات مثل "استوديو الدربوكا" وظهرت فرق مثل "اتحاد القمة" والمكونة من "حودة ناصر، فيلو، تيتو، بندق، التوني" و "فريق الأحلام" والمكون من "زيزو النوبي، حمو صبحي، أشرف بنوا" واتحاد القوة، ومافيا الشياطين....إلخ.


مع ظهور كلمات معبِرة، بدأ المهرجان يتخلل أوساط المثقفيين لواقعيته ولاتساع المجالات التي يتناولها المهرجان ويتحدث عنها بشكل بسيط يفهمه أي شخص ينسط، فمثلًا مهرجان "القمة وإسلام فانتا" والذي أنتجه فريق اتحاد القمة حيث كان يتحدث عن سوء المعيشة الذي تسبب فيها الفقر وقلة الدخل فيقول:


"الحالة تعبانة مش قادرة...بنكح ترب من فترة

طب نعمل إيه يا أسيادنا...نسرق ولا نبيع بودرة

من المال بيقل البركة...ويضيع كدا حركة في حركة 

متقولش القبض يعيّش...يا إللي بتقبض من شركة 

دا الغني لو عاش متنعنش...دا عشان كان وارث تركة


في جمل بسيطة عبر فيها عن سوء الأحوال ومحدودية دخل الشباب، لذلك انتشر بشكل جنوني بين أوساط الشباب إمّا لأجل موسيقاه التي علِقت بالآدان أو لأجل كلماته الواقعية.



فريق الأحلام  لم يبتعد كثيرًا عن هذه الزاوية، فقد قام بعمل مهرجان "المحكمة" وتحدث فيه عن الغُربة والفقر والاستغلال وعن همجية السائقيين.


فعن الغُربة يقول:


"إللي اشترى أرضه...وحشو أولاده وعرضه  

نفسه في حضن منهم...قبل ما قطر العُمر ياخده".


وعن همجية السائقيين يقول:


"طب يا إللي سايق عفريتتك...خد بالك بقه من إشارتك 

دا أنت محمل أرواح...وكل روح وراك في رقبتك".


وعن الاستغلال يقول: 


"آه من القلب إللي اتحَجّر...في دموع الناس بيفجر 

علشان خاطر قرشين...كَرَشْ الغلبان إللي مأجر 

مع إنه معاه ملايين...خلّا راجل بعياله يتجرجر".


وفي النهاية يسرد قصة كان بطلها شاب محكوم عليه بالإعدام لأجل أنه لجأ إلى السرقة، وفي أول مرة يسرق فيها اعترضه أحد الأشخاص فقام بقتله عن طريق الخطأ، وكان سبب لجوء الشاب إلى السرقة هو كِبر أباه وأمه وكثرة مطالبهم وعلاجهم، كما أنه يعول إخوة يريد أن يعلمهم ولم يجد أي عمل يكفي حاجته.


وفي دفاع الشاب عن نفسه يقول: 


"حسيت بسفينتي بتغرق...مش عارف يا قاضي أفرق 

فجأة محسيتش بنفسي...غير وأنا مادد إيدي وبسرق 

وفي ليلة جهزت نفسي...كله عشان القرش الأزرق 

ودخلت سرقت وفجأة لقيت المقتول جاي يضربني

 معرفش إزاي قتلته مكانش قصدي الخوف ركبني

 والله أنا إللي قولته دي الحقيقة ويلا اعدمني 

أنا مش خايف من الموت 

بس خايف على إللي مني 

إزاي هيعيشوا بعدي في قلب دنيا الخوف ماليها 

كدا سيبت أخواتي بإيديا 

كلاب السكك تنهش فيها

سامحيني يا أمي يا غالية بحبك والله يا حتة مني 

ولو زعلتك في حاجة أكيد يا أبويا دا غصب عني 

أنا بكرة هقابل رب كريم 

اطلب منه يسامحني 

وهودع دنيا جانية 

بتاخد ولا يوم بتدي 

دي حكاية في قلب دنيا 

فوق قبل ما القطر يعدي".



لم يقِل مهرجان المحكمة شهرة وانتشار عن مهرجان القمة وإسلام فانتا، ولم تقل باقي مهرجانات الفريقين التي تم إنتاجها بعد أو قبل شهرة أو رواج عنهما، بل زاد الانتشار وكثرت القضايا التي تم الخوض فيها ونقاشها بشكل يناسب فكرة المهرجان.


فمثلا أنتج القمة "فرتكة فرتكة، طبع أسود، القمة والرابطة الشعبية، قصة كفاح، ناس".


وجاراهم فريق الأحلام فأنتج "أم الحنة، الحاكم والمحكوم، كله بالفلوس، هنا الدخيلة"


إلى جانبهما كانت تنتشر مهرجانات القهراوية والتي لم تكن تهتم بالكلمات بنفس درجة اهتمام الدخلاوية.


مرّت الأيام وزاد الانتشار وأصبح المهرجان هو عمل من لا عمل له، حتى ظهر فريق الـ "vip" ومن هُنا كانت مرحلة الانحدار للفن البسيط الذي أنتجه الشارع المصري.


ففي عام 2016 ظهر فريق الـ "vip" والذي تكون في بدايته من "فيجو الدخلاوي" كموزع و "الشاعر الفاجر 'مصطفى الشاعر' سابقًا" ككاتب و "حمو بيكا و مودي أمين" كمؤديين.


بدأ "الشاعر الفاجر" يتطرق إلى قضايا لم يتطرق لها صُناع المهرجانات من قبل، قضايا مثل التفاخر بالزِنا وفعل الفاحشة مع نساء "الأخصام" وغيرها من الأشياء التي لا يصح ذكرها أمام العامة أو التباهي بها.



ولأن الممنوع مرغوب والسيء ينتشر بشكل أسرع، إما لسامعه بشكل عادي "فما لا يعجبك قد يعجب غيرك" أو لنشره بغرض التعليق عليه سواء كان الكلام عن كونه جيّد أو سيء، أو سبب موسيقاه الصاخبة والرنانة دون الانتباه لكلماته.


سريعًا انتشر هذا النوع البذيء من المهرجان، ولٰق مستمعيين ليسوا بقِلة، حفز هذا فريق الـ"vip" على إنتاج مهرجانات أسوء وأسوء، ففي أحد المهرجانات كان أحدهم يقول "أمك صاحبتي وخالتك فاردتي وأختك بترقص على مطوتي" وكأنه يتباهى بسوء تربيته ودنوّ أخلاقه، وتحولت النقطة التي كانت تميّز المهرجان وهي عدم الرقابة عليه إلى أخطر العيوب.



بعد أن اشتهر "حمو بيكا" من فرقة الـ "vip"، وعلى الأرجح كان سبب شهرته هو سوء صوته، كان في البداية مدعاة للسخرية، ثم تحول إلى أيقونة يحتذى بها في عالم المهرجانات فقلده الكثير والكثير.


بسبب شهرة "حمو بيكا" تعاون معه الكثير ممن يرغبون في الشهرة وشعروا أن العمل مع بيكا هو الحل الأمثل والطريق الأسرع ليصلوا من خلاله إلى المجد والشهرة والمال، مثل "حسن شاكوش" و "عمر كمال" وغيرهم الكثير، بالفعل نالوا ما أرادوا ولقوا ما تمنوا.


في المقابل تدَنت المهرجانات وساءت سمعتها بين غير المدققيين والسطحيين، وظل الأمر يسوء ويسوء إلى أن وصلنا إلى يومنا هذا وساعتنا تلك.



سبب انتشار المهرجانات


1 - البساطة:


يُعد المهرجان فن بسيط ولا يحتاج موهبة أو موزعيين متمرسيين أو دارسيين أو ملحنيين، فقط كلمات وموسيقى إما صنعها أحدهم على جهاز كمبيوتر أو قام بتحميلها مسبقًا من الإنترنت وأضاف إليها بعض الأصوات من الطبلة والدرامز.


2 - الواقعية:


المهرجان بشكل عام سواء كان جيّد أو سيء، هو يعبر عن صانعه بشكل ما، فهو يعكس حياته أو يتحدث عن ما يراه أو يعيشه في الشارع، والمتلقي ليس بأدنى من المُرسِل، فالمتلقي لا يشعر بغربة عن الكلام مثل مُعظم الأغاني يكون فيها المتلقي من طبقة والمرسل من طبقة لا يعرف عنها المتلقي أي شيء.


3 - التسمية:


في نهاية كل مهرجان أو بدايته تجدهم يذكرون اسم فلان وعلان وترتان وهذا وذاك وهاك، ويخلعون عليهم صفات الرجولة والشهامة والنُبل "بمقابل مادي طبعًا"، فهذا يُسمِع المهرجان لصديقه، وذاك يُسمِعه لرفيقه، وكأن صُناع المهرجان بدون وعي استخدموا استراتيجية "التسويق الشبكي".


4 - المواكبة:


المهرجان وبكل تأكيد هو ما يواكب عصرنا ووقتنا الحالي، فمن غير المعقول أن تجد مجموعة من الأصدقاء مجتمعين ليحتفلوا مع الأستاذ هاني شاكر بعيد ميلاد جرحه.


5 - الخروج عن المألوف:


إذا تعمقنا قليلًا ونظرنا إلى عصر ما قبل ظهور المهرجان، فسنجد أن جميع الأغاني تدور حول أفكار الحب والاشتياق والخداع والفراق وعيد ميلاد جرح الأستاذ هاني شاكر.



6 - الموسيقى الصاخبة:


في ظِل الكَبت والركود والبطالة والغضب من سؤء الأحوال سواء المادية أو الاجتماعية، أصبح الصخب والموسيقى العالية وبالصدفة البحتة هو الباب الوحيد الفتوح لتفريغ هذا الكبت.



سبب منع المهرجان


على الأغلب فكرة منع المهرجان هي وليدة المزاج ودافعها الغيرة والحقد، وتعليل المنع بأن المهرجان إهانة الذوق العام، هو مجرد تلوييع وليس له أي صِلة بالواقع.


فلا تحاول إقناعي بأن من وقف على المسرح لسنوات وسنوات يحتفل مع جمهوره بعيد ميلاد جرحه، عندما يتركه القائمين على موسم الرياض ويدعون "ابن أمبارح" ليحيي الحفل، لن يغار، وإلا فهو ملاك من لحم ودم.


مفهموم مصطلح الذوق العام هو "مجموعة سلوكيات تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه وهويته"، وهذا ما يقدمه المهرجان فعلًا، فما معنى كلمة الإساءة إلى الذوق العام؟ "هو الذوق العام كان اشتكالك؟".


تذكرني بامرأة قام زوجها بتطليقها بسبب أنها لم تعد تناسب حياته الحالية، ولم تعد تلبي رغباته بالشكل الذي يريده هو، فما كان منها إلا أن صرخت بعيوبه وبمساوئه أمام العامة، وإبعاد العيب عنها وإلصاقه بالزوجة الجديدة.



ختامًا


لن يستطيع أحد مهما بلغت قيمته أو قامته أن يقضي على المهرجان لأنه فن هذا الجيل، مثلما كان "عيد ميلاد جرح الأستاذ" فن عند أجيال سابقة وإسفاف عند أجيال أسبق، فلكل جيل فن ولكل جيل حياة، فلا تفرضوا أنفسكم على من لا يريدونكم، دعوا عنكم رداء الفضيلة فهو لا يليق، وإن أردتم القضاء على الوباء فابتكروا علاج، ولا تظنوا أن قتل المريض هو الحل.

تعليقات