القائمة الرئيسية

الصفحات

عقيدة الحرية

 بقلم: عاطف دُبل

عقيدة الحرية

جناح صغير 


الصباح الأول لذاك العصفور الصغير بعد أن أتقن حِرفة الغناء وعرف صنعة الألحان، ريشة جناحه الأيسر يداعب بها وجهه؛ ليُعلن عن بداية يومه، مازالت الريشة برونقها وإبداع اصطفاف شعيراتها الناعمة، لم يداعبها نسيم السماء بعد.


مسكين يا رباه لا يعرف أنه لن يرفع ريش جناحه عن جانبه يومًا، لكنه لا يبالي، يأكل حَبَّاته ويُقدم عمله على مسرح بني البشر وراء أعواد قفصه ويتغنى بالسعادة.


 ولكن لحظة!... هو لا يعرف معنى الحرية.


عقيدة فاسدة


بعد الحرب العالمية الثانية، تبنى معسكر إقليم غرب الأرض فِكر يدعو للحرية والتحرر، لكن لم يحدد مفهوم شامل عن الحريات، الغريب أن بني البشر في العالم آمَن بالحرية وراحت على أساس "الحرية" تندفع جيوش لإراقة دماء أخرى، وكانت العقيدة راسخة بشكل غريب، وكأن هذه العقيدة هي غاية مقدسة تبرر إراقة الدماء، وانتهت الحروب ويُتم الأطفال ورُملّت النساء وجفت الدماء دون أن نعرف حتى الآن معنى واضح للحرية.  

 

جناح صغير 


كشف الخريف عن أعشاش على تلك الشجرة العتيقة، كانت تختبئ بين أوراق خضراء أذِن لها الفصل الرمادي أن تذبل وتتساقط، الطير من سكان الشجرة يخشون أيام حزن قادمة لا محالة، بني البشر لا يشبعون، مساكين، فظلم الجوع لا يعرف رحمة البطون ولا أحزان الأشجار، وكالعادة، وككل عام يتساقط الطير بطلقات غاشمة وتُهَجر أعشاش استغرق بناؤها العام بأكمله.


عقيدة فاسدة


هل للحرية قيمة في ذاتها؟ أم هي مجرد وسيلة لنيل حقوق؟


الحرية يمكن أن تعني ببساطة "انطلاق الأفعال من العقيدة دون قيد للوصول إلى الهدف، قد يكون الهدف طعام أو شراب أو سعادة أو أي من متطلبات أنفس البشر"، فإذا توفرت هذه المتطلبات تحت مجموعة من القيود، فما قيمة الحرية؟ 


لو كانت القيمة في الهدف لا الحرية فهل يقبل الإنسان الحياة في زنزانة وسط كل ملذاته؟، أم سيرفض ويطلب الانتقال لبيت ثم لقصر ثم يطلب الأرض منزلًا ويبدأ يطالب بحقه في الكون مسكنًا.

 

بذلك تتحول عقيدة الحرية لعقيدة طمع. 


جناح صغير 


ببغاء الراهب المصري لا يسكت أبدًا، يوم الراهب لا يخلو ساعة من صوت ببغائه، في ذلك اليوم البارد كان الراهب يُعِد أغراضه للسفر إلى الهند، فطلب منه الببغاء أن يوصل رسالة لأقرانه هناك، نفذ الراهب وحفظ الرسالة، وفي طريقه وجد ببغاء آخر فقرأ عليه الرسالة، وما سمعها الببغاء حتى ضرب رأسه في الشجرة ووقع ميتًا، وبعد شهور طويلة عاد الراهب وحكى لببغائه عن الحادث، وما أن انتهى الراهب حتى ضرب الببغاء رأسه في عيدان القفص حتى مات، في حزن يشاطره الذهول حمله الراهب خارج القفص فطار أمامه... 


نظر للراهب وجناحه يصافح الهواء وقال جائتني الرسالة من قريني بأنه طالما أغني سأظل حبيس عيدان قفصي، وأن حريتي في صمتي. 


عقيدة فاسدة 


مساكين هؤلاء، عندما نحدثهم عن الحرية أول ما يزور عقولهم هي مجموعة ألوان مبهجة، ولوحات زيتية من عصر غير بعيد تُظهر أشخاص عراة، وبعضهم يتذكر فتاة العشرين ووشاح أبيض يتطاير من على كَتِفيها، وآخرون تلمع أعينهم ويرون ملاك صغير ذو أجنحة بيضاء صغيرة يشيّب شعر الرأس، أمّا عن المفكرين، فهم يتذكرون صور الفلاسفة القدامى بشعرهم المصفف ونظراتهم العميقة أو حانات وراقصات وزجاجات فارغة على الأرض في جانب من دنيا الموسيقى والألوان... 


عندما سألت الدكتور أحمد صلاح رفقي عن معنى الحرية أجاب "الحرية هي القدرة على الحلم واتخاذ القرار لصناعة المستقبل، دون إعاقة من المجتمع أو إجبار من طرف آخر".

  

عقيدة الجناح الصغير


كل فرد له الحق في فرض معنى على مصطلح الحرية بما يتناسب مع ظروف حياته، لكن الحقيقة لا يعرفها سوى هذا العصفور في قفصه الصغير، هل لو فتحنا له باب على الدنيا الواسعة سيكون مصيره الهلاك كطير شجر الخريف، وأن نعيمه الحقيقي وراء أعواد القفص الذي لم يفكر في أن يَمنع عنه الحَب يومًا فيعرف الجوع. 


لو كان بيننا سليمان لعلمنا منطق الطير وعرَّفنا الحقيقة. 


لكن الأهم هو التفكّر في أي عقيدة قبل الاعتقاد، ولتعلم أن القيّم لا تصَدَر على أظْهُر الصواريخ.

تعليقات