كتبت: فرح جلول
الفاتح، من نوفمبر أربع وخمسين تسع مائة وألف "1954"، تاريخ محفور لدى أبناء القارة الجزائر، بل الحرة الجزائر، مجرد لفظه كفيل للعبور نحو ذاكرة يستحيل أن تُمحى أو تُدنّس؛ لأنها دُونت بالدم لا بالحبر وفداها مليون ونصف مليون روح طاهرة صادقة عند ربها حيّة تُرزق.
روايات الأبطال ومعاناة شعب دمَّره الاحتلال لسنوات وسنوات، تسردها أوراق الزيتون وأمهاتنا بدموع الحرقة، التي تحكي هي الأخرى مدى بشاعة الجرائم الفرنسية في حق هؤلاء، رجالًا ونساءًا، شبابًا وأطفال، سنوات من الدمار، من التقتيل و التعذيب، سنوات عدة والسماء تُمطر رصاصًا والأرض تُنبت قنابل فرنسية ظلمًا وجٓشعًا.
سنوات والجزائريين يُقتَلون أمام الملأ و الجزائريات تُغتصبن، تمامًا كما اغتُصبت الجزائر افتراءًا وخبثًا.
كيف لا نكره فرنسا وهي التي حولت الجزائر إلى مسرح تفننت عليه بقساوة التعذيب من "أحمد زبانة" بالمقصلة إلى التحريق، التقطيع، فصل الأعضاء، القتل الجماعي والاغتصاب واستخدام الكهرباء إلى مجلدات سياسات، طمس الهوية الجزائرية بأدق تفاصيلها، فقد حوِلَت المساجد إلى كنائس واستُبدلت اللغة العربية بالفرنسية، سائرة نحو تحقيق هدفها المنشود "الجزائر فرنسية" عبارة وواقعا.
لكن لا وألف لا، هكذا رد أبطال الجزائر وأضافوا "قسمًا بالنازلات الماحقات والدماء الزاكيات الطاهرات والبنود اللامعات الخافقات في الجبال الشامخات الشاهقات نحن ثُرنا فحياة أو ممات"، فحياة للجزائر جزائرية، أو ممات بشرف.
هؤلاء الثوار ربطوا الوصال بين الشرق والغرب من تبسة إلى مغنية، وبين الشمال والجنوب، من العاصمة إلى تندوف، ووحدوا الهمم؛ ليكون الفاتح من نوفمبر بداية معركة التحرير الجزائرية فاتحًا لأبواب الحرية، مُزيلا لقيود فرنسا الاستعمارية، فما أُخذ بالقوة لم يُسترجع إلا برصاصة الحق لمجاهدين وشهداء قادهم حب الوطن وعزة النفس نحو الجبال؛ ليُحاربوا أعظم دولة أوروبية أنذاك.
لم يُصدق العالم ذلك، فكيف لمُستٓعمرة لأكثر من قرن، أن تقاوم جبروت المستعمر وتواجه دبابات ورشاشات ببندقيات صيد.
لكن الجزائر تُنجب الأبطال ليصنعوا المعجزات بالرصاص، بالحبر والريشة، بجبهة وجيش التحرير الوطني، بالمؤسسات والتنظيمات السياسية بالداخل والخارج.
حُوصرت العظيمة "فرنسا" ممن صفعتهم يومًا باغتصابها للحرة "الجزائر"، لتجد نفسها بعد سبع سنوات من الكفاح الجزائري توقع وثيقة الاستقلال وترحل بذويها بعيدًا، بعيدًا عن أرض سقاها بن مهيدي، ديدوش مراد، العقيد لطفي، العقيد عميروش، حسيبة بن بوعلي، مريم بوعتورة وملايين الجزائرين والجزائريات بدمائهم وأرواحهم منحوها الغالي والنفيس، فالتضحية نادت الوطن فاستجاب أحرار الجزائر له.
اليوم ونحن نحتفل بالذكرى السابعة والستين "67" لاندلاع الثورة التحريرية الجزائرية احتفالًا فخريًا بأسلافنا الذين حرروا هذا الوطن، نزداد فخرًا بأبنائنا وإخواننا، أفراد الجيش الوطني الشعبي الذي سهر ومازال يسهر على أمن الجزائر شبرًا بشبر، كي يحفظ الأمانة ويصون الوديعة حتى آخر قطرة من دماءه.
هذه الذكرى هي أيضًا غرس اليوم في نفوس جيل نأمل منه أن يزيل كل ما يُزعزع استقرار الجزائر ويجني ثمار الحرية كي يغدو بهذا الوطن نحو المعالي والقمم.
دامت الجزائر والحرية رايتان تُرفرفان عاليًا بحب شعبها ويقظة جيشهًا.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.