كتبت: فرح جلول
عبد العزيز بوتفليقة |
عبد العزيز بوتفليقة، الرئيس العاشر للجزائر، والسابع بعد الاستقلال، هذه الشخصية تعود إلى الأضواء ومعها تساؤلات عديدة لدى الشارع الجزائري والعربي وما خفيَ كان أعظم.
بداية، وُلد بوتفليقة في العام السابع والثلاثين من القرن الماضي، بوجدة المغربية، وهنا أول تساؤل: ما هي جنسيه بوتفليقة؟
جزائري وأصله تلمسان غرب الجزائر، أم مغربي وأصله وجدة شرق المغرب؟؟.
التحق "بوتفليقة" بالثورة التحريرية في نهاية دراسته الثانوية، عام ستة وخمسين تسع مائة وألف (1956)، عمل خلالها بهيئة الأركان، ثم على الحدود الجنوبية "جبهة مالي"، عقب الاستقلال، عُيّن بوتفليقة عضوًا في أول مجلس تأسيسي وطني، ثم وزيرًا للشباب والسياحة في الخامس والعشرين من عمره.
كما لعب دورًا بارزًا في انقلاب الرئيس الراحل هواري بومدين على أحمد بن بلة؛ ليُصبح عبد العزيز بوتفليقة بعدها وزيرًا للخارجية حتى وفاة هواري بومدين سنة 1978.
عام 1999 عاد بوتفليقة إلى الأضواء، هذه المرة كرجل أول للبلاد، عقب انتخابات انسحب منها منافسوه الستة بدعوة أنه مدعوم من العسكر، وهنا مسألة أخرى قد لا يكشف صحتها سوى الأرشيف السري.
لتتوالى فترة حكمه للمرة الثانية سنة 2004، بعد أن فاز على رئيس وزراءه "علي بن فليس" في انتخابات قِيل وقتها أن العسكر قد انقسم بين المتنافسين.
ليُعدِل "بوتفليقة" الدستور في 2008 ويتمكن من استلام الجزائر للمرة الثالثة سنة 2009 ثم الرابعة في 2014 رغم الجدل الواسع الذي حدث بسبب عدم قدرته على ممارسة مهامه، وهنا قضية شائكة أخرى، وكي نفك بعضًا من خيوطها، يتوجب علينا أن نعود إلى 2005.
مسلسل مرض الرئيس بدأ في 2005 واشتد في 2013، عندما أصيب بجلطة دماغية أفقدته القدرة على الحركة ومخاطبة شعبه ليُلقّب "بالرئيس الحاضر الغائب".
مؤيدوا "بوتفليقة" |
يرى مؤيدوا "بوتفليقة" أنه ساهم في إعادة الأمن للبلاد، من خلال قانون "المصالحة الوطنية" بعد سنوات عنف أودت بحياة أكثر من مأتي ألف (200 ألف) جزائري، ويؤكدون أنه استطاع تلميع صورة الجزائر، كما أنعش الاقتصاد وأطلق مشاريع واسعة.
معارضوه، يرون مرحلة حكمه ضياعًا سياسيًا، بسبب إضعاف الأحزاب ومؤسسات الدولة وانتشار الفساد، خاصة مع تولي "السعيد بوتفليقة" تسيير الجزائر تحت غطاء رئاسة أخيه "عبد العزيز بوتفليقة"، الرئيس الذي لم يخاطب شعبه لسنوات.
السعيد بوتفليقة |
لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل ويثبتون ذلك بتفويت الرئيس فرصة تنمية حقيقية أتاحها ارتفاع أسعار النفط خلال حكمه، ليصِفوه بمشتهي السلطة والمتشبث بكرسيها، لا سيما مع تقديمه ملف ترشحه لرئاسيات 2019 أملًا في مدة رئاسية خامسة.
لكن رياح الشارع الجزائري جرت بما لا يشتهيه الرجل، أو بالأحرى مُسِيرو الفساد خلفه، حيث شهدت معظم ولايات الوطن مظاهرات غير مسبوقة في 22 فبراير 2019، هتف خلالها المتظاهرون بكل سلمية في صور اهتز العالم لها: "لا للعهدة الخامسة" متحدين كل التهديدات حول أمن وسلامة الوطن ورافضين تدخل أي أيادي أجنبية في مسائل الوطن رافعين شعار "جيبو BRI جيبو الصاعقة مكانش الخامسة يا بوتفليقة".
ما دفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة آنذاك إلى تأجيل الانتخابات، معلنًا حالة انتقالية تؤسس لما يُسمى "بالجمهورية الجديدة" وتعهد خلالها بأن يُسلم مقاليد الحكم لرئيس جديد، وهُنا الكارثة، إذ كيف لرئيس لا يتحرك ولا يملك القدرة على الكلام أصلا ولم يراه شعبه منذ سنين أن يترشح لعهدة خامسة؟؟؟.
أليس هذا استفزازًا للشعب؟؟
وكيف له أن يتعهد ويوجه رسائل من خلف السِتّار؟؟
من كتب تلك الرسائل ومن قرر كل تلك القرارات؟؟
وهل كان أصلا "بوتفليقة" وقتها على قيد الحياة؟؟
كان ذلك ومزال أكبر هم وسؤال يراود الجميع شعبًا وربما حتى بعض المسؤولين.
بلغ الأمر أن البعض أصبح يقول بكل قناعة "مات بوتفليقة" وينتظرون الوقت المناسب فقط لإعلان ذلك.
الجدير بالذكر، أن بوتفليقة غاب عن الأنظار تمامًا منذ تنحيه من السلطة حتى أثناء التحقيق مع أوجه الفساد، ولم ترد أي معلومات حول مكان تواجده من أي جهة رسمية جزائرية، إلا أن مصدر من وكالة "فرانس برس" ذكر أن الرئيس المتنحي بقوة الشعب تواجد بمقر إقامته المجهز طبيًا بزرالدة غرب الجزائر العاصمة.
ليتفاجأ الرأي العام الجزائري في الحادي عشر من سبتمبر 2021، بإذاعة خبر وفاة عبد العزيز بوتفليقة بطريقة عادية، بل وأبسط من ذلك، وهنا مربط الفرس.
إذ كيف لخبر وفاة رئيس سابق أن يُبث عبر وسائل الإعلام كأي خبر عابر؟؟
بل مازاد الريبة في عقول الرأي العام، هو عدم إعلان رئيس الجزائر الحالي "عبد المجيد تبون" الحداد لثلاثة أيام كما هو متعارف عليه في مثل هذه الأحداث، بالإضافة إلى تنكيس الإعلام.
كل هذه المؤشرات توجه الفكر الجماهيري، وحتى بعض المتخصصين السياسيين والاجتماعيين نحو فكرة حدوث انقسام في أعلى هرم السلطة، بينما يرى آخرون أنه مجرد وقت بدل الضائع تم استغلاله لإعلان خبر وفاة الرئيس "بوتفليقة" المتوفى أصلا.
حتى إن الانقسام وتعارض الآراء بين مختلف شرائح المجتمع الجزائري وصل إلى حد الاختلاف على أحقية الترحم عليه أم لا.
وهنا يقول "محمد الرايسي" في تصريح له عبر "موقع العهد نيوز": ما يعانيه البلد الآن هو نتيجة لسياسة بوتفليقة التي اتسمت وقتها بالجهوية والمحسويية والفساد.
يواصل قائلًا: والدليل أن شقيقه في السجن، وأغلب الوزراء الذين يقضون عقوباتهم الآن هم من منطقته.
ويقول حمزة بولالي لذات الموقع: لا أذكر من فترة حكم "بوتفليقة" سوى أن مداخيل الجزائر من المحروقات قاربت الألف مليار دولار، وأن أبناء الجزائر يهاجرون بمئات الآلاف على قوارب الموت نحو أوروبا، فمن حرم الجزائرين فرصة العيش الكريم، لن يحظى بحزن شعبه بعد رحيله.
بينما نادية الفاطمي ذكرت في تصريح لها لموقع العهد نيوز: أن بوتفليقة انتشل الجزائر من اقتتال داخلي وحرب ضد الفكر الظلامي وكفكف دموع اليتامى والأرامل وأطلق ورشات إصلاح داخلي كبير، وبالتالي فإنه يستحق الوفاء والترحم.
ويؤكد نادر حليمي قائلًا: شاركت في الحراك لتنحيته لكنني أحترم تاريخيه الطويل، وهو الذي شغل عدة مناصب قيادية في الجزائر.
بينما يرى آخرون، أن ما يهمهم هو أن الحراك تمكن من اقتلاعه هو وأخيه من المرادية، لكنهم لا يعارضون تنظيم جنازة رسمية للرئيس الراحل "بوتفليقة"، كما يؤكدون في حديث لهم عبر "موقع العهد نيوز" أنه إذا لم يتم تنظيم جنازة رسمية لبوتفليقة فذلك راجع لعدم الاتفاق بين الحكام الفعليين ولا دخل للشعب في ذلك.
التفاصيل سردناها بكل واقعية والأسلئة تبقى قيد الاهتمام والاستفسار والمحكمة الحقيقية لكل ما جرى من أحداث بالغة الخطورة تبقى هي المحكمة الإلَهية.