القائمة الرئيسية

الصفحات

علي بيك الكبير...مملوك قتلته الخيانة "الجزء الأول"

كتب: محمود نجيب
علي بيك الكبير...مملوك قتلته الخيانة "الجزء الأول"

بعيدًا عن الشرق الأوسط، في روسيا، في مدينة ريفية قُرب روسيا تسمى "ماسيا" تحت النفوذ العثماني، في الغابات، وُلِد طفل عرف باسم "يوسف بن داود".


كان طفلًا ذكيًا سريع الفهم ينتبه لدروسه، كما كان رياضيًا، وكان والده من رعاة الكنيسة وفي طريقه أن يصبح قسيس أرثوذكسي، وكان يُعِد الصبي يوسف ليصبح رجل دين مثله.


كانت تلك المدينة تشتهر بالهدوء، كما كانت تشتهر أيضًا بعمليات اختطاف الأطفال للتجارة بهم، فكانت تجارة الرقيق خصوصًا للشرق المملوكي، فكان يتم اختطاف الأطفال وشحنهم للشرق للإتجار بهم.


كان يوسف صبيًا وسيمًا ذكي، فقرر تجار الرقيق اختطافه وبيعه في سوق الرقيق؛ لأن تلك النوعية كانت مطلوبة وتم تسليمه لأحد تجار العبيد المشهورين وكان يُدعى "كرد أحمد"، فقام بشحنه على سفينة للإسكندرية؛ ليباع هناك.


لكن القدر كان رحيم بالطفل يوسف الذي أعْجِب به اثنين يهود، وهما إسحاق ويوسف، وكانا يديران الجمرك في الإسكندرية فاشتروا يوسف تقربًا لأحد الأمراء المشهورين وهو "إبراهيم بك كتخدا" الذي فرح بالفتى كثيرًا، خصوصًا أنه لم يكن ينجب، وأعطاه عناية خاصة، فقرر تعليمه العربية والتركية والقرآن وعلومه وعلوم الفروسية وعلوم الحرب، أيضًا سماه عليّ على اسم الصحابي الجليل عليّ بن أبي طالب.



قرر الفتى أن يجتهد كمملوك لأمير طيب، فتفوق في المبارزة ورمي الحراب، فعينه الأمير إبراهيم، أمين مخزن السلاح.


كان إبراهيم بيك كتخدا "الإنكشارية" أي قائد العسكر، كان مسؤولًا عن المحمل المصري وكان فيه كسوة الكعبة المشرفة، وقرر أن يأتي معه الفتى عليّ وسط العسكر.


في منتصف الطريق خرج عليهم بعض العربان؛ ليسرقوا المحمل بما فيه من هدايا وكسوة وغيرها، وحدث أن ارتبك عسكر المحمل وتركوا السلاح، وكان إبراهيم بيك على وشك أن يقتله العربان، ولكن فجأة قفز عليّ وخطف سيفًا من الأرض وقام بمبارزة العربان وحيدًا، حتى هربوا من أمامه ومن الفرحة التي كان بها الجند أطلقوا عليه اسم "علي الجن" او "بلوط قبان" بالتركية.


بمرور الوقت، تدرج إبراهيم بيك في سلالم السلطة إلى أن أصبح من كبار المماليك، وأصبح مسؤولًا عن إدارة الجيش ومعه رضوان بيك والذي كان يدير الشؤون المدنية واصبحا يحكمان مصر فعليًا.



أصبح الفتى "يوسف" أو "علي الجن" يحارب من أجل سيده وتزداد الثقة بينهم، ووصل الحال أن علي خرج في جيش صغير واستطاع الانتصار لسيده، وعند عودته، من فرحة إبراهيم بيك به، أخبره إبراهيم بيك أنه سيسعى له في البكوية، "رغم صغر سنه".


 عندما عَلِم الحاقدون عليه، أنه سيحصل على البكوية رغم صغر سنه، وقفوا له، وفشل إبراهيم بيك في إنهاء الأمر، فحصل له على رتبة كاشف الشرقية وسجلت في الدفاتر الرسمية.


مر الوقت حتى عام 1749 ومات إبراهيم بيك، وترقى عليّ، وأصبح رئيس السنجقة، وحصل على البكوية وأصبح لقبه"علي بيك مير اللواء فازطاغالي" بمعنى حاكم الإقليم "ويا له من شرف".


حاول الأمراء أن يأتوا له بالإمارة ليصبح أميرًا، ومن ثم شيخ بلد، وهو أقصى ما يصل إليه مملوك، ولكنه رفض وأخبرهم أنه سيحصل عليها بسيفه لا بالوسطة.


ولمدة ثمانيّ أعوام، استمر عليّ بيك في التجارة واستيراد المماليك والسلاح، حتى أصبح لديه جيش قوي من المماليك، وقام بتكوين علاقات في الداخل والخارج وتحسين علاقته مع الأزهر.


قام ببسط نفوذة بالحرب حتى وصل عام 1763 إلى منصب شيخ البلد، وبايعه شيوخ الأزهر، ولما اتحد عليه الحاقدون هرب عليّ إلى الصعيد، ومن بعدها الحجاز، ومن بعدها إلى القدس، ولكن استطاع رجاله إقناعه بالعودة، ولما عاد كان رضوان بيك قد توفى.


بعد عودته اقترح أحد رجاله أن يخرج كامير لمحمل الحج، فقام باحتفال مهيب للمحمل وخرج للحج بعد احتفال ضخم، وعندما عاد أصبح عليّ بيك الكبير أكبر رأس في مصر.


بعد عودته طُلِب منه أن ينظم حفل زفاف لبنت إبراهيم بيك "سيده" والتي كان اسمها "هانم" وكانت ستتزوج من واحد من مماليك أبيها، فأحب علي بيك أن يجامل فقام بتنظيم حفل زفاف هو الأعظم في عصره، ومن ضخامة الحدث، أطلق عليه اسم "علي بيك الكبير".


عندما أحس علي بيك بزوال الأخطار التي تهدد حياته، قرر أن يبحث عن أبيه وأهله في روسيا، وعندما أرسل طنطاوي بيك في مهام الجزية أمره بالبحث عن أبيه، فذهب لجني الجزية وذهب لروسيا وقام بالبحث عن أبيه دواد، وجده قد أصبح قسيسًا فذهب له وحكى له عن ابنه يوسف، وكيف أصبح شيخ البلد وأنه يريد رؤيتهم، فوافق القس داود أن يذهب معهم، فأخذ اخت علي وزوجته التي تزوجها من بعد أم علي وذهبوا لمصر، وعندما علم علي بيك قام بتجهيز احتفال مملوكي ضخم لأبيه في قصر الأزبكية وأعطى المصريين الشهر كله احتفالات، احتفالًا بأهله.


 من هنا بدأ علي بيك ترسيخ مملكته التي سيحاول فيها فصل مصر عن الدولة العثمانية والتي ستكون حقبة فاصلة في تاريخ مصر.

المصادر


أيام المماليك "محمد أمير"


مماليك مصر والشام "شفيق مهدي"



تعليقات