راسبوتين رجل المعجزات.

كتبت: آية محمد علي

Gregory Rasputin

 رجل تردد صدى اسمه من عمر ال12 وحتى بعد وفاته بآلاف السنوات. 

جريجوري إيڤيموفيتش راسبوتين، وُلد بسيبيريا في شمال شرق روسيا بالعام 1869.

هو رجل أسطوري بالنسبة للكثير، غموضه والانفصام الحاد الواضح بشخصيته وقدرته على السيطرة على خيوط البلاط الروسي جعل منه مادة ممتعة للدراسة والبحث.

 ذُكر اسمه بالعديد من الأفلام السينمائية، حتى أنه ذكر بأحد أفلام ديزني كساحر شرير، وذُكر بأحد حلقات مسلسل الإنمي الشهير المحقق كونان. 

إذًا من هذه الشخصية المثيرة للفضول وما وجه الإثارة فيها.

أسطورة روسيا الأولى، ولد لأبوين فلاحيّن و كان أميًا, ورغم ذلك أصبح مقدسًا وسط الجهلة من الفلاحين. 

ظهرت لدى راسبوتين منذ طفولته رُأى مستمرة وقدرات خارقة للعادة في الشفاء.

 وعلى الرغم من كون تلك القدرات الغريبة التي لديه تدل على رجل وارع، إلا أنه في مراهقته أطلق عليه راسبوتين ما تعني الفاجر بالروسية، وذلك لاشتهاره أيضًا بعلاقته الجنسية الفاضحة... فكيف وصل إلى هذا الحد من الشهرة؟.

حين بلغ الثلاثين من عمره كان متزوجًا وله أربعة أطفال, لكن ولعه بشرب الخمر وسرقة الخيول كان يتنافى مع ما يتوجب عليه من مسؤولية أبوية، وانتهى الأمر باتهامه بسرقة حصانًا كان نقطة تحول بكامل حياته، حيث لاذ بالفرار و أوى بأحد الأديِرة و اتخذ صفة الرهبانية والتي لازمته طيلة حياته.

 وكنتيجة لتأثر راهبنا الباغي بتجاربه الروحانية رحل عن قريته وبدأ يتجول بأنحاء روسيا وخارجها.

 لكنه خلال هذه الرحلات لم يبدل ملابسه أو يغتسل لفترات تبلغ عدة أشهر، كما كان يرتدي قيودًا حديدة تزيد من معانته و وسط تلك الرحلات وصل راسبوتين إلى جبال اثوس في اليونان واكتسب انصارًا ذوي نفوذ.

أثناء جولته تأثر راسبوتين بطائفة متطرفة غير شرعية تدعى خاليستي, وكانت لهم ميول غريبة كالجلد، الممارسات الجنسية، وهذا ما ارتكزت عليه ممارسات راسبوتين الدينية فيما بعد.

 وهذا كان جمعًا شاذًا بين الورع والروحانيات غير المقيدة مع القيام بممارسات جنسية فاضحة. 

فقد كانت ترافقه فكرة أن الإنسان يصبح أكثر قربًا من الله إذا ارتكب ذنبًا شهوانيًا عمدًا ثم تاب توبة نصوحة.

 مع بداية عام 1903 وصل إلى سان بطرسبرج كلام عن قوة الصوفية ذات عيون وحشية ونظرات مجنونة، يبدوا أن راسبوتين حدد موعدًا لدخوله المجتمع الراقي في الوقت المناسب.

 في طيات ذلك الوقت كانت الطبقة الأرستقراطية والطبقات المخملية مولعون بمسائل السحر والتنجيم و تحضير الارواح.

 دخل راسبوتين للبلاط الملكي من خلال عالِم لاهوت  قام بتزكيته.

 وكان للأسرة الملكية في الماضي تقليد استقبال الرجال المقدسين من أجل ميلاد ذَكَّر يرث عرش روسيا.

 انقلبت حياة راسبوتين رأسًا على عقب بعد هذا اللقاء، حيث أنه بطبيعته الساحرة للنساء استطاع ترك انطباعًا عميقًا لدى الإمبراطورة ألكسندرا فيودي ورفونا، فقد أقنعها بقدرته الفائقة خاصة بعد مداوته لوريث العرش وتخفيف معاناته من النزيف المستمر وذلك لأن الصغير كان مصابًا بسيلان الدم الهيموفيليا الموروث من أمه سليلة الأسرة الملكية البريطانية.

 و لأن للمرأة مفعول السحر على الرجال دائمًا اختار راسبوتين الحلقة الضعيفة التي جعلته مستشارًا للإمبراطور، وأصبحت خيوط الحكم بشكل كلّي بيد راسبوتين، فقد وقع الإمبراطور و زوجته لفترة طويلة تحت تأثير سحره.

 كان راسبوتين معارضًا لدخول روسيا الحرب مع العثمانيين في البلقان وتنبأ بأن الدخول بهذه الحرب سينهي أمر روسيا، لكن الضغوط الداخلية فرضت على القيصر نيكولا الثاني الدخول بالحرب.

 كان تقرّب راسبوتين بقدر ما كان نعمة كان نقمتًا عليه، فقد هاجمه العديد من الأمراء والدوق والفرسان، وتعرّض للعديد من محاولات الاغتيال، لكنه و أثناء الحرب وبعد إحدى محاولات اغتياله وتعافيه من جروحه، عاد للقصر وتم طرد كل معارضيه وانتشرت أخبار أنه و مع الإمبراطورة يخططان بشكل سري للقيام بسلام مع ألمانيا، وبزيادة نفوذه الطاغية زاد اللوم على قرارات القيصر وأصبحت العاصمة تسمى بمدينة إبليس.

وفي أواخر العام 1916 كتب راسبوتين خطابًا للقيصر يتنبأ فيه بقتله ويحمل في طياته تهديدًا كان محققًا، حيث كتب "إذا قتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حيًّا لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أي من أولادك أو أقاربك، فسوف يقتلهم الشعب الروسي. سأُقتل، لم يعد لي وجود في هذه الحياة. صل أرجوك، صل، وكن قويًا، وفكر في عائلتك المصونة.".

 وقد كان بالفعل بعد 12 يومًا قُتل راسبوتين على يدّ أحد أقارب القيصر وبعد 9 أشهر تم إعدام الإمبراطور وكل العائلة الحاكمة. 

وكان لمكيدة قتل راسبوتين قصة أخرى لها ابعادها التي لبد لنا أن نراها.

مكيدة قتل راسبوتين

راسبوتين، ذاك الراهب صاحب الأساطير، سُطِرت في حياته مئات القصص، ولقصة وفاته طقوسها الخاصة للرواية، فقد قيل أن رغم كل محاولات الاغتيال التي تعرض لها راسبوتين بسبب تلاعبه بعقل الإمبراطورة ومن خلالها الإمبراطور؛ لتصبح العائلة الحاكمة لروسيا مجرد ستار يختبئ وراءه ذاك الراهب المتسلق للسلطة؛ ليكون هو الآمر والحاكم الفعلي للبلاد.

كان موت راسبوتين أسطوري بالفعل، حياته كلها أسطورية، فقد تآمر على اغتياله العديد من نبلاء القصر السوفيتي، إلا أنه لم تنجح أي من تلك العمليات، حتى اجتمع النبلاء وقرروا القضاء عليه معًا. 

لم يكن مقتل راسبوتين هو القضية التي جعلت موته أسطوري، ولكن ما حدث بعده هو الأسطوري، وإليكم أحداث المكيدة التي قيل أنها أودت بحياة ذلك الراهب ولكن…

اتفقت مجموعة من النبلاء أو ما دعوا أنفسهم بالوطنيين، على أن يجتمعوا بمنزل أحدهم وهو الأمير فيليكس، فهو سيدعو راسبوتين للعشاء ليعرفه على زوجته الأميرة "إيرنيا" ثم يقدم له كأس من الخمر مع بضع كعكات مسمومة، ليمُت راسبوتين، ثم يقوموا بأخذ جثته إلى النهر وإلقاءها به، ليظهر على أنه غرق...

بدأ تنفيذ الخطة، حيث ذهب راسبوتين للقصر بالفعل وتناول الخمر المسموم، لكن لم يتأثر بالسم، ولم تهتز شعرة من رأسه، مما أثار غضب المتآمرين، ما جعلهم يغيرون الخطة ويقررون إطلاق النار عليه.

بالفعل، بعد خروج الأمير مع راسبوتين لمشاهدة عروض الغجر، أطلق عليه الرصاص واخترقت الرصاصة صدره واتسعت عيناه وكأنه أراد أن يتفوه ببعض الكلمات، وهرول باقي المتآمرين لمّا سمعوا صوت الرصاص ليروا مصرع راسبوتين وبدأوا بالإعداد لنقل الجثة وحرق أغراضه.

بالصدفة اقترب أحدهم للجثة ليُصعق، فقد بدأ راسبوتين بفتح عينيه ثم النهوض، ليصعق الجميع بكونه حيّ وحاول راسبوتين الانقضاض على هذا المتآمر، لكن المتآمر هرب، وهنا خرج راسبوتين يترنح قائلًا "فيليكس سأخبر زوجة القيصر عنك".

أطلق أحدهم و يدعى "يرشيكفيتش" النيران ثانية على راسبوتين، فسقط، فإذا بالآخرين يضربونه بهراوة على رأسه، كما ركل المتآمر رأس الراهب الصريع.. 

كان أحد أفراد الشرطة يتجول في المنطقة، وقد اقترب من بوابة الحديقة بعد أن سمع صوت إطلاق النار.

فتح الأمير البوابة وقال له إن ضيوفه يمضون ليلة حافلة بالشراب والمرح، وقد أطلق أحدهم النار على كلب… 

ثم ألقو راسبوتين في النهر المتجمد، وكانت الصاعقة فعليًا، عندما وجدت الشرطة جثته بعد يومين، وبعد تشريحها، أثبت أن راسبوتين تحتوي رئتيه على الماء من النهر، مما يعني أنه قد مات غرقًا ليس على إثر كل هذا الرصاص.

 وجدت رسالة بجيب راسبوتين تشرح كيفية اغتياله وأنه سيموت على يد أمير من النبلاء، وإن وقع هذا ومات راسبوتين بالفعل فستحل لعنته على الإمبراطورية وتسقط.

وقد كان، بعد موته بـ18 يوم، سقطت روسيا ومن ثم تم إعدام كل الأسرة الحاكمة وتحققت نبوءة راسبوتين.