آخر الأخبار

نظرة المجتمع للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر: بين الابتلاء الإلهي وغياب العدالة الاجتماعية

كتبت: مريم الخولي

نظرة المجتمع للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر: بين الابتلاء الإلهي وغياب العدالة الاجتماعية

الإعاقة في المجتمع المصري ليست مجرد حالة جسدية أو عقلية، بل هي ظاهرة اجتماعية يتم التعامل معها بمزيج من الجهل، الشفقة، والتمييز. ومع أن العالم يتجه نحو احترام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم، فإن المجتمع المصري ما زال يقف على أعتاب فهم مغلوط يربط الإعاقة بما يمكن وصفه بـ"الابتلاء الإلهي"، وهو تصور يعمق من التهميش والإقصاء دون أن يوفر دعمًا حقيقيًا لهؤلاء الأفراد.


الإعاقة والابتلاء الإلهي: جذور الفكرة


في الثقافة الشعبية المصرية، تُفسر الإعاقة غالبًا كنوع من "الابتلاء" من الله، سواء للشخص ذاته أو لعائلته. هذه النظرة، التي تبدو في ظاهرها محاولة للتفسير الروحي أو التخفيف من وقع المشكلة، تخفي في جوهرها رؤية تقلل من شأن الشخص ذي الإعاقة وتُحيله إلى حالة من الاستكانة والاعتماد على الآخرين.


الإعاقة كاختبار للصبر والإيمان


يتبنى البعض فكرة أن الإعاقة هي امتحان من الله لصبر الأهل أو الشخص نفسه. ورغم أن هذا التصور قد يبدو إيجابيًا في دعوته لتحمل المصاعب، إلا أنه يُستخدم أحيانًا كذريعة لتبرير الإهمال المجتمعي، حيث يروج لفكرة أن "الله أراد ذلك" بدلًا من السعي لتحسين حياة الأشخاص ذوي الإعاقة وتوفير الدعم لهم.


الإعاقة كرمز للتحدي


في المقابل، تظهر بين الحين والآخر نماذج تُبرز قدرة ذوي الإعاقة على التغلب على الصعاب وتحقيق إنجازات عظيمة. لكن هذه الأمثلة تُعامل أحيانًا كحالات استثنائية، مما يعزز الفجوة بين الخطاب العام والواقع العملي الذي يعيشه معظم الأشخاص ذوي الإعاقة.



أثر هذه التصورات على ذوي الإعاقة


1. العُزلة الاجتماعية: فكرة أن الإعاقة ابتلاء تجعل الكثيرين ينظرون إلى ذوي الإعاقة بعين الشفقة أو الإحسان، وليس بعين المساواة والاحترام. هذا التصور يؤدي إلى تهميشهم داخل المجتمع، حيث يُعاملون كـ"حالات خاصة" بدلًا من مواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات.


2. تهميش الأسرة: كثير من الأسر التي لديها أفراد من ذوي الإعاقة تُعاني من الوصم الاجتماعي، حيث يُنظر إليها كأنها "مبتلاة" أو مسؤولة بشكل ما عن حالة الإعاقة. هذا يزيد من العبء النفسي عليها ويحد من قدرتها على تقديم الدعم اللازم لأفرادها.


3. التنمية غير المتوازنة: ربط الإعاقة بالابتلاء قد يؤدي إلى تقليل قيمة البرامج والخدمات التي تهدف إلى دمج ذوي الإعاقة في المجتمع. يُعتقد أن الدعم يجب أن يقتصر على المساعدات الخيرية بدلًا من التركيز على توفير فرص التعليم، التدريب، والتمكين الاقتصادي.



الابتلاء بين الفهم الديني والتفسير الشعبي


الإسلام، كدين، قدم رؤية إنسانية متقدمة للتعامل مع التنوع البشري، بما في ذلك الأشخاص ذوو الإعاقة.


التصور الإسلامي الصحيح: الإسلام لا يعتبر الإعاقة عائقًا أو نقصًا، بل يؤكد على كرامة الإنسان وقدرته على الإسهام في المجتمع. وقد ورد في السنة النبوية مواقف كثيرة تدعو إلى احترام حقوق ذوي الإعاقة وتمكينهم، مثل تكليف الصحابي عبد الله بن أم مكتوم، وهو أعمى، بمسؤوليات قيادية في الدولة الإسلامية.


الفهم الشعبي المشوه: المشكلة ليست في الدين، بل في التفسيرات الشعبية المبنية على الجهل. هذه التفسيرات تستغل مفهوم الابتلاء لتبرير التقاعس عن تحسين الأوضاع، مما يؤدي إلى استمرار الظلم الاجتماعي والاقتصادي.



الصعوبات اليومية لذوي الإعاقة في مصر


1. غياب البنية التحتية المهيأة: معظم الأماكن العامة والخاصة في مصر غير مجهزة لاستقبال ذوي الإعاقة. الشوارع تفتقر إلى المنحدرات اللازمة للكراسي المتحركة، والمواصلات العامة تكاد تكون مستحيلة الاستخدام بالنسبة لهم.


2. التهميش التعليمي: يواجه ذوو الإعاقة صعوبات في الوصول إلى التعليم، سواء بسبب نقص المدارس المهيأة أو التمييز الذي قد يواجهونه داخل المؤسسات التعليمية.


3. قلة الفرص الاقتصادية: معظم أصحاب الأعمال ينظرون إلى ذوي الإعاقة كعبء، مما يجعلهم يواجهون تحديات كبيرة في الحصول على فرص عمل عادلة.


4. غياب الدعم القانوني: رغم وجود قوانين تضمن حقوق ذوي الإعاقة، فإن تطبيقها يظل ضعيفًا، حيث تُعامل قضاياهم كمجرد شكليات أو "ملفات فرعية" في أجندة التنمية.


إعادة تشكيل التصورات المجتمعية


إذا أراد المجتمع المصري أن يحقق العدالة لذوي الإعاقة، فعليه أن يبدأ بتغيير جذري في الطريقة التي ينظر بها إليهم.


التخلص من فكرة الابتلاء كوصمة: يجب أن تُعاد صياغة مفهوم الابتلاء في الثقافة الشعبية بحيث لا يُستخدم كذريعة للتقصير أو التمييز.


تعزيز التمكين لا الإحسان: يجب أن ينتقل المجتمع من تقديم المساعدات الخيرية إلى التركيز على برامج الدمج والتمكين التي تتيح لذوي الإعاقة تحقيق إمكاناتهم الكاملة.


التطبيق الجاد للقوانين: القوانين التي تحمي حقوق ذوي الإعاقة يجب أن تُفعل بصرامة، مع وضع آليات رقابة ومحاسبة لضمان تنفيذها.


خاتمة: نحو مجتمع عادل ومنصف


الإعاقة ليست عائقًا أو ابتلاءً يجب تحمله بصبر فقط، بل هي جزء من التنوع البشري الذي يجب أن نفتخر به وندعمه. لا يمكن أن ندعي التقدم كمجتمع بينما نقف مكتوفي الأيدي أمام الظلم الذي يواجهه الأشخاص ذوو الإعاقة يوميًا. الطريق نحو العدالة يبدأ بتغيير المفاهيم، وتطبيق القوانين، والأهم، إدراك أن ذوي الإعاقة ليسوا مجرد "ابتلاء" بل هم أفراد متساوون في الحقوق والواجبات، وقادرون على إثراء المجتمع بمساهماتهم الفريدة.


مراجع:

1. تقرير الأمم المتحدة عن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، 2022.

2. دراسة "التمييز المجتمعي ضد ذوي الإعاقة"، مجلة العلوم الاجتماعية، 2020.

3. نصوص من السنة النبوية توضح حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام.

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات