قصة: صفاء حامد
كانت الدجاجة البسيطة، بروحها النقية، تتنقل بخفة بين الحقول الخضراء الممتدة. كان قلبها ينبض بالأمل، وعيناها تمتلئان بتفاصيل الأرض التي تمنح الحياة. رغم ثقل المسؤولية، كانت كل خطوة تخطوها تشبه رقصة تعبيرية بين نسيم الحرية وعبق الأمل.
كانت ريشة، الدجاجة البيضاء، تعيش حياة هادئة وسط الحقول الخضراء الممتدة. كانت تغمرها السعادة وهي تتجول بين النباتات الطازجة، تستمتع بنسيم الصباح الذي يعبث بريشها الناعم.
كان صوت زقزقة العصافير يرافقها وهي تنبش الأرض، تجمع الحبوب لتطعم صغارها الذين كانوا ينتظرونها بفارغ الصبر في عش صغير على أطراف الغابة. ريشة كانت رمزًا للبهجة والرضا. تحلق من حولها فراشات ملونة، وكان كل شيء يوحي بالسلام في هذا المكان البديع. الحقول كانت بيتها، والأرض كانت سخية بخيراتها، تشعر معها بالأمان والانتماء.لكن الذئب الماكر كان يتربص. عينيه تلمعان بخبث، يراقب خطواتها وهي تقترب من هدفها.
كانت الأرض قد جادت عليها بخيراتها، وها هي قد جمعت ما يكفي لإشباع صغارها الجائعين، بل وأكثر. شعرت بشيء من الرضا، لكنها لم تدرك أن خطرًا يتربص بها.
بينما كانت ريشة منهمكة في جمع الطعام، شعرت فجأة بشيء غريب. صمتت العصافير، وتوقف النسيم عن اللعب بين الأشجار. التفتت برأسها بحذر، لتجد خلفها عينين حادتين تلمعان كالشرر. إنه الذئب الماكر، يقف بين الأعشاب الطويلة، يترصد حركتها بخبث. قبل أن تستطيع الهروب وقبل أن تستوعب ما يحدث، ريش جسدها يهتز من الارتجاف. اقترب منها الذئب الماكر، عيونه تلمع بنظرة متعطشة للدماء، وفتح فمه في ابتسامة شيطانية. كانت خطواته ثقيلة وقوية، وعواءه المدوي كان يسابق نبضات قلبها المذعور.
انقض عليها بسرعة مذهلة كما ينقض الأسد على فريسته الضعيفة، جسده الهائل يقذفها بعيدًا، وأنيابه القاسية تتوغل في جسدها. قُطعت أنفاسها، وتحطمت عظام قلبها قبل أن تتحطم عظامها تحت قبضة الوحش. حاولت أن تفرّ، لكن كما لو كانت قد رُبطت بالأرض، لا تستطيع الهروب. أظافر الذئب حفرت في جسدها بينما كانت تدور حولها الأفكار مثل العواصف.
صوته الغاضب يكسر صمت الحقول. حاولت ريشة الركض، لكن الذئب كان أسرع منها. أمسك بها بقوة، ومزق الأمان الذي كانت تعيش فيه. انتزع منها كل شيء؛ طعامها، حريتها، وحتى صغارها الذين كانوا ينتظرونها بأمل. ما إن أحكم الذئب قبضته عليها، حتى بدأ ينهش صغارها أمام عينيها، يلتهمهم في صمت رهيب، وكل عضة تكسر روحها أكثر. كان الذئب يُشبع جشعه في لحظات لم يكن فيها أي مفر، تائها في لذة قتل الحياة.
نظرت ريشة إلى صغارها وهم يسحبون آخر أنفاسهم، والدماء تتساقط على الأرض. تحول كل شيء حولها إلى مشهد من الجحيم، بينما كان الذئب يضحك في قلب الحقل، يتركها وحيدة، محطمة، عاجزة عن أن تفعل شيء سوى مشاهدة أسوأ كوابيسها تتحقق أمام عينيها.
وقفت الدجاجة الحزينة وسط الحقول وهي تكاد لا تستطيع استيعاب ما حدث. عيناها غارقتان بالدموع، وقلبها يئن تحت وطأة الألم. فجأة رأت من بعيد دجاجة أخرى تتقدم نحوها بخطوات بطيئة، وعيناها تحملان حزنًا مماثلًا.اقتربت منها وسألتها: ما بكِ؟ هل وقع لكِ ما وقع لي؟
أومأت الدجاجة الأخرى برأسها وأجابت بصوت مختنق: نعم، الذئب الماكر هجم على عشي وأخذ كل شيء. لم يترك لي سوى الخوف والحزن.
تبادلت الدجاجتان نظرات صامتة، لكنهما شعرتا أن الوقت قد حان لفعل شيء. لم يعد بإمكانهما البقاء ضحايا لهذا المفترس الجشع. فقررتا الاتحاد ووضع خطة انتقامية تقلب الطاولة على الذئب.
توجهت الدجاجتان إلى بقية الحيوانات في الغابة، وعرضتا عليهم فكرتهما: "الاتحاد ضد الذئب". الكثيرون كانوا قد عانوا من هجمات الذئب، وتوقهم للسلام دفعهم إلى الانضمام.
بدأ الجميع يعملون كفريق واحد؛ الثعالب الذكية وضعت الفخاخ، والأرانب جمعت الطعام لإغراء الذئب، وحتى الطيور شاركت في مراقبة تحركاته من السماء.
في اليوم المحدد، توجه الذئب إلى الحقول كعادته، متربصًا بفريسته القادمة. وجد طعامًا وفيرًا يبدو وكأنه وليمة أُعدت خصيصًا له. ظن الذئب أن الحظ ابتسم له مرة أخرى، فتقدم بشراهة ليأكل.
لكن ما لم يدركه الذئب هو أن الطعام كان مجرد طُعم، وأن تحت العشب الناعم كانت هناك شبكة محكمة الإغلاق تنتظره.
بمجرد أن وقف في المنتصف، سقطت الشبكة عليه بسرعة، وحبسته تمامًا. حاول التملص، لكن الحيوانات التي كانت مختبئة ظهرت فجأة وأحاطت به من كل جانب.
اجتمعت الحيوانات كلها حول الذئب، الذي بدا لأول مرة خائفًا ومرتبكًا. تحدثت إحدى الدجاجتين بصوت قوي: لقد سرقت منا السلام، وسلبت أرواح صغارنا، لكن اليوم ستدفع الثمن.
قرر الجميع طرد الذئب من الغابة إلى الأبد. حملته الطيور فوق الشبكة بمساعدة الثعالب، وألقوه في وادٍ بعيد لا يستطيع العودة منه.
عادت الدجاجتان إلى الحقول مع بقية الحيوانات. ولأول مرة منذ فترة طويلة، شعر الجميع بالأمان. عاشت الغابة في سلام، وصارت الحقول مكانًا نابضًا بالحياة من جديد.
أما الدجاجتان، فأصبحتا رمزًا للشجاعة والعمل الجماعي. ومع كل شروق شمس جديد، كانت الحقول تغني قصة النصر، بينما يتردد في الأفق صدى الحرية.