كتبت: صفاء حامد
يبدو أن سمكة البلطي أعلنت تمردها على المواطن الشقي، وغيرت من نظامها الغذائي لتتغذى على الجمبري بدلًا من خشاش البحر، أو أنها انتقلت للعيش في بحار أخرى، لا أدري سبب ارتفاع سعرها.
حتى وقت قريب، كان السمك البلطي في مصر يُعتبر طوق النجاة للعديد من الأسر ذات الدخل المحدود، حيث كان يوفر لهم مصدرًا جيدًا من البروتين الحيواني بأسعار معقولة لا تتجاوز 10 جنيهات للكيلو. لكن اليوم، ومع تزايد أسعار السلع، ارتفع متوسط سعر الكيلو إلى حوالي 90 جنيهًا، لتشمل الزيادات أيضًا أنواعًا أخرى من الأسماك مثل البوري والشعور والسبيط، التي كانت أسعارها لا تتجاوز 70 جنيهًا. تأثرت تربية الأسماك في مصر بالوضع الحالي، حيث سقطت في شباك الأزمة الاقتصادية، رغم أن هذا القطاع شهد نموًا ملحوظًا من خلال التوسع في "الاستزراع السمكي". وقد ساهم ذلك، بحسب المسؤولين، في تحقيق "قدر كبير من الاكتفاء الذاتي"، بالرغم من محدودية المساحات المائية المتاحة. تمتلك مصر ساحلين طويلين على البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، بالإضافة إلى نهر النيل الذي يمتد من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، و14 بحيرة، من ضمنها بحيرة ناصر، التي تُعتبر أكبر بحيرة اصطناعية في العالم.
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن توسع الاستزراع السمكي جعل مصر تتصدر المرتبة الأولى في إفريقيا، والسادسة عالميًا في هذا المجال، كما احتلت المرتبة الثالثة عالميًا في إنتاج سمك البلطي. وللمرة الأولى، تجاوز إجمالي إنتاج الأسماك 2.3 مليون طن، مع واردات تقدر بحوالي 300 ألف طن من الأسماك المملحة والمعلبة. هذا التقدم أدى إلى زيادة نصيب الفرد من استهلاك الأسماك ليصل إلى نحو 21 كيلوجرامًا سنويًا، وهو ما يقترب من المتوسطات العالمية.
تطورات السوق وأسعار الأسماك على الرغم من الزيادة في الأسعار، شهدت مصر بعض التطورات في قطاع الاستزراع السمكي. فقد قفز سعر الكيلو من البلطي إلى 20 جنيهًا، مما أدى إلى افتتاح مشروعات غذائية جديدة، مثل بركة غليون والفيروز وقناة السويس. كما تم إطلاق المشروع القومي لتنمية البحيرات: المنزلة، البرلس، إدكو، والبردويل، والذي يتضمن إزالة التعديات عليها والتوسع في المشروعات المرتبطة بالثروة السمكية. ومع ذلك، لم يتوقف ارتفاع الأسعار عند هذا الحد، بل ارتفع الكيلو إلى 40 جنيهًا، والآن تجاوزت الأسعار هذا الرقم بأكثر من الضعف في الأسابيع الأخيرة.
الإنتاج السمكي في مصر من المهم أن نلاحظ أن مصر تمتلك حوالي 7000 مزرعة سمكية، معظمها مخصص للبلطي، تغطي مساحة تتراوح بين 320 إلى 359 ألف فدان. وقد قفز إجمالي إنتاج الأسماك في مصر من 1.6 مليون طن في 2017 إلى 2 مليون طن اليوم. كما شهد إنتاج المزارع السمكية زيادة ملحوظة، حيث ارتفع من 1.1 مليون طن إلى 1.6 مليون طن منذ عام 2015. بينما جاء إنتاج البحيرات في المرتبة الثانية بـ220.7 ألف طن (10.8%)، وبلغ إنتاج البحرين الأبيض والمتوسط 99 ألف طن (4.9%)، تلاه نهر النيل بـ77.4 ألف طن (3.8%)، وأخيرًا حقول الأرز بـ15.9 ألف طن (0.8%)، وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2020. كان المواطن يتناول أنواعًا متعددة من السمك معظم أيام الأسبوع، لكن الأسعار الحالية أجبرت المواطن على تقليل الاستهلاك. تجاوز سعر كيلو البلطي، الأكثر شعبية، ما بين 90 جنيهًا (أكثر من ثلاثة دولارات)، بعدما كان سعره لا يتجاوز 25 جنيهًا (أقل من دولار). هذا يعني أن أسرة مكونة من أربعة أو خمسة أفراد تحتاج إلى اثنين أو ثلاثة كيلوجرامات في الوجبة الواحدة.
تحديات الأعلاف وتأثيرها
مع ذلك، تبقى مشكلة إنتاج الأعلاف عائقًا كبيرًا أمام تحقيق الاستقرار في الأسعار. تعاني مزارع السمك من نقص في الخامات الرئيسية مثل الذرة وفول الصويا، مما أدى إلى ارتفاع سعر الطن من 8300 جنيه في 2019 إلى حوالي 23600 جنيه اليوم. ورغم أن هذه الزيادة أقل من تلك التي شهدها علف الدواجن، إلا أنها تمثل عبئًا إضافيًا على المزارعين.
الحاجة للاستثمار والرقابة
تتطلب الظروف الحالية تعزيز الاستثمارات في المزارع السمكية ودعم البحيرات الداخلية عبر تزويدها بملايين من الزريعة. كما أن هناك حاجة ماسة لتطبيق رقابة صارمة لمنع الصيد الجائر، مما سيساعد في استعادة التوازن في سوق الأسماك. بالإضافة إلى ذلك، يجب العمل على خفض تكاليف النقل المرتفعة، التي قد تصل أحيانًا إلى 10 جنيهات لكل كيلو.
يتضح أن هناك الكثير من العمل الذي يجب القيام به لضمان استقرار سوق السمك البلطي في مصر. مع التركيز على تحسين إنتاج الأعلاف وتعزيز الاستزراع السمكي، يمكن لمصر أن تستعيد مكانتها كداعم رئيسي لمصدر البروتين الحيواني بأسعار معقولة، مما يعود بالنفع على المجتمع ككل.