آخر الأخبار

أدوية مفقودة وأسعار متصاعدة: هل تنجح مصر في إنقاذ قطاعها الصحي؟

كتبت: صفاء حامد

أدوية مفقودة وأسعار متصاعدة: هل تنجح مصر في إنقاذ قطاعها الصحي؟

بعد أسابيع من زيادات أسعار البنزين والسولار وتذاكر المترو والقطارات، تكررت الظاهرة مع الأدوية في مصر، حيث أعلنت شركة "راميدا" للصناعات الدوائية أنها حصلت على موافقة الهيئة المصرية للأدوية لزيادة أسعار "جميع منتجاتها الأساسية" بنسبة تتراوح بين 40% و50%.


هذا القرار أثار تساؤلات حول إمكانية إنهاء الأزمة التي يعاني منها قطاع الأدوية في مصر منذ مارس الماضي، حيث اشتكى الكثيرون من نقص في أنواع مهمة من أدوية الأمراض المزمنة، سواء كانت مستوردة أو محلية.


يتسبب اختفاء الأدوية الأساسية من الصيدليات المصرية بسبب نقص العملة الأجنبية اللازمة لاستيرادها في حالة من الذعر بين المصابين بالأمراض المزمنة. لم تعد أدوية مرض السكري - وهي الحالة التي تؤثر على حوالي 11 مليون شخص في مصر - وأدوية ضغط الدم والسرطان وعدد من الحالات النفسية متوفرة، وفقًا للصيادلة والمرضى. وارتفعت أسعار البعض الآخر بسبب نقص العرض، مما أدى إلى زيادة مبيعات السوق السوداء من الأدوية غير الموثوقة والتي قد تكون خطيرة على المرضى.


أثناء تواجدي في الصيدلية لشراء دواء الضغط غير المتوفر حتى تاريخه، استمعت لحديث سيدة مصرية تبلغ من العمر 33 عامًا تجد صعوبات في الحصول على دواء "لاميكتال" لعلاج مرضها النفسي، وهو اضطراب ثنائي القطب، حيث كانت تعتمد عليه لسنوات. تقول إنها أصبحت محظوظة إذا تمكنت من العثور على شريط واحد شهريًا، بينما تحتاج إلى 30 إلى 60 قرصًا. وذكرت أن الصيدليات لا توفر الدواء لأنه لا يُعتبر ضروريًا مثل أدوية أخرى، مما اضطرها لتقليل جرعتها. كما أشارت إلى أن سعر الدواء قد ارتفع إلى خمسة أضعاف. ويعد هذا الدواء واحدًا من بين العديد من الأدوية التي ارتفعت أسعارها بسبب نقص العرض.


تاريخيًا، قامت الحكومة المصرية بتنظيم أسعار الأدوية بشكل مشدد لمنع هذا السيناريو وضمان حصول حتى أفقر الناس على الأدوية التي يحتاجون إليها. ولكن هذه القواعد التنظيمية توقفت عن العمل خلال العامين الماضيين منذ أن تضررت البلاد بشدة من أزمة العملة والتباطؤ الاقتصادي. ورفع الموردون والمصنعون الأسعار لمراعاة الزيادة في تكاليف استيراد الأدوية والمكونات اللازمة بسبب انخفاض قيمة العملة المصرية مقابل الدولار الأميركي.


إن النقص في الأدوية أصبح أسوأ منذ أوائل العام الماضي وأصبح الآن عند "مستوى حرج"، حيث أن حوالي 80 في المائة من الأدوية المدرجة في الصيدليات غير متوفرة.


تشهد منطقة وسط القاهرة طوابير أمام صيدلية الإسعاف الشهيرة، حيث يتوافد عليها أشخاص من محافظات بعيدة مثل أسوان والإسكندرية. الناس تتكدس منذ ساعات الفجر للحصول على الأدوية، مما يشير إلى أننا أمام مرحلة خطيرة.


يُعتبر الدواء من المنتجات التي تُسعر جبريًا في مصر، حيث تحدد الهيئة المصرية للدواء أسعار الأدوية المنتجة محليًا قبل طرحها في الصيدليات، ولا يُسمح للشركات بزيادة أسعارها دون موافقة الهيئة. يعود نقص الأدوية إلى إحجام العديد من الشركات عن تصنيع بعض الأصناف الاستراتيجية، تجنبًا للخسائر المالية، نتيجة بُطء آلية زيادة الأسعار التي أقرتها الحكومة في مايو 2024.


يعد التحريك الأخير في سعر الجنيه مقابل الدولار السبب الرئيسي لتوقف الشركات عن الإنتاج، حيث وجدت الشركات نفسها مضطرة للتوقف عن شراء الخامات بسعر دولار يقارب 48 جنيهًا، والآن وصل إلى 50 جنيهًا، بعدما كانت تكلفته في السابق حوالي 31 جنيهًا.


كما أن العديد من المضادات الحيوية واسعة النطاق، بما في ذلك أوغمنتين وزيثروماكس، اختفت أيضًا من أرفف الصيدليات المصرية، بالإضافة إلى أدوية السرطان على شكل أقراص. ولكن أدوية علاج السرطان عن طريق الوريد لا تزال متوفرة في المستشفيات المتخصصة، إلا أن بعض المرضى الذين يحتاجون إلى الدواء في صورة أقراص بدأوا في شرائها عبر قنوات غير رسمية.


تنتشر في السوق السوداء أصناف من الأدوية المعروفة، والتي قد تكون منتهية الصلاحية أو مخلوطة بمواد إضافية. ويلجأ بعض المصريين إلى استخدام نسخ غير رسمية من الأنسولين وعلاجات الغدة الدرقية وأدوية اضطرابات ضغط الدم، بعد أن أصبحت النسخ المعتمدة من هذه الأدوية الحيوية أقل توفرًا. تعتبر منتجات السوق السوداء غير خاضعة للتنظيم، فضلًا عن أن أسعارها تصل في بعض الحالات إلى 10 أضعاف أسعارها المدرجة.


عدم التمكن من سد الفجوة المتزايدة بين الطلب والعرض بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل والاعتماد الكبير على المكونات المستوردة، حيث أن توافر الدولار والسعر المرتفع للحصول عليه هو جذر المشكلة. قد أدى النقص المستمر إلى انخفاض أرباح الصيدليات، مما أثر على التدفق النقدي، وزاد من تقليص قدرتها على شراء المخزون من المستوردين والمصنعين على نطاق واسع.


قامت مصر ببناء مدينة لمصانع الأدوية بهدف أن تصبح مركزًا مهمًا في الشرق الأوسط، لكن هذه الخطط لم تنجح لأسباب عدة. على الرغم من أن مصر تنتج 94% من الأدوية محليًا، إلا أنها تستورد 95% من خامات الإنتاج.


عدد المصانع المرخصة في مصر ارتفع من 130 مصنعًا في 2014 إلى 191 مصنعًا حاليًا، ولكن هذا النمو لا يكفي لتلبية احتياجات السوق المحلي، والأزمة الحالية خير دليل على ذلك. بلغت قيمة الواردات من الأدوية خلال الربع الأول من 2024 نحو 751 مليون دولار، بينما كانت 3.6 مليار دولار في 2023.


وجود سيطرة عدد محدود من الشركات الخاصة على سوق الأدوية، حيث أن 10 شركات تستحوذ على أكثر من 85% من إجمالي المبيعات، مع تراجع دور القطاع الحكومي. تستورد مصر معظم المواد الخام من الصين والهند، حيث تكمن المشكلة في أن تكلفة الإنتاج المحلي قد تكون أعلى من تكلفة الاستيراد، مما يعني أن رفع الأسعار وحده لن يحل الأزمة.


تُظهر أزمة الأدوية الحالية في مصر عمق التحديات التي يواجهها القطاع الصحي، حيث تتفاقم مشكلة نقص الأدوية وارتفاع الأسعار بشكل ينذر بالخطر. بينما تسعى الحكومة لتوطين صناعة الدواء، تبقى العقبات قائمة، من الاعتماد على الاستيراد إلى سيطرة الشركات الكبرى. يتطلب الأمر رؤية شاملة واستراتيجيات فعالة لضمان توفير الأدوية الأساسية للمواطنين، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع الحيوي. إن معالجة هذه الأزمة ليست مجرد ضرورة اقتصادية، بل هي مسؤولية وطنية تضمن صحة وسلامة الجميع.

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات