آخر الأخبار

التغيُر المناخي يُهدد سلة غذاء مصر: تحديات وحلول

كتبت: شان مسلم

التغيُر المناخي يُهدد سلة غذاء مصر: تحديات وحلول

تواجه مصر تحديات جمة بسبب التغير المناخي، خاصة في قطاع الزراعة، الذي يُعدّ عصب الاقتصاد المصري. حيث يعد القطاع الزراعي من أهم القطاعات التي سوف تتأثر بالتغيرات المناخية، حيث من المتوقع أن يحدث 20% من الأضرار الناجمة عن تغير المناخ في القطاع الزراعي على المستوى العالمي، وذلك بسبب حساسية المحاصيل الزراعية لتغير درجات الحرارة سواء بالارتفاع أو الانخفاض، حيث تنخفض إنتاجية بعض الحاصلات مثل القمح والأرز بارتفاع درجة الحرارة، في حين ترتفع إنتاجية محصول القطن بهذا الارتفاع، هذا بالإضافة إلى زيادة استهلاك المياه بسبب زيادة مرات الري للحفاظ على درجة رطوبة التربة.


ويُعرف التغير المناخي على أنه التغير الناجم بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن النشاطات البشرية التي تفضي إلى تغير في تكوين الغلاف الجوي العالمي، والذي يُلاحظ على فترات زمنية متماثلة. وقد بلغت الانبعاثات العالمية في عام 2015 ما يتعدى 51 جيجا طن/سنويا من ثاني أكسيد الكربون، ومن المتوقع زيادتها بحلول عام 2030 إذا استمر هذا المعدل أن تزيد بنحو 110%. وتشير التوقعات إلى أن الارتفاع المستمر في تركيزات الغازات سيؤدى إلى ارتفاع المتوسط العالمي لدرجة الحرارة بحلول عام 2050 بنحو (1-2) درجة مئوية إلى (2.5-3.5) درجة مئوية بحلول عام 2100، هذا الأمر سوف يؤدى إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بنحو (61 سم إلى متر) وأن 14% من شواطئ العالم معرضة للتآكل عام 2050 بسبب النحت وقد تصل إلى 25% عام 2100.


وطبقا لدراسات الهيئة القومية للاستشعار عن بُعد تساهم مصر بنحو 0.6% من الانبعاثات العالمية، ولكن تعتبر مصر من أكثر الدول المعرضة للمخاطر المناخية، حيث يهدد ارتفاع منسوب سطح البحر المناطق الساحلية بالغرق ويؤثر على الأمن الغذائي مع احتمالية التعرض لجفاف شديد وانخفاض معدلات الأمطار بنسبة 7% على السواحل الشمالية، ونحو 9% في وسط البلاد بحلول عام 2050، وستعاني التجمعات السكنية الساحلية من تدهور الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى. وهذه التهديدات تصل مستوى السواحل الشرقية للبحر المتوسط في مصر من المنزلة حتى سهل الطينة والمناطق الآمنة نسبيًا وهو ما بين البرلس وخليج أبو قير وشاطئ بورسعيد، وأما ساحل البحر الأحمر يمتاز بخصائص جيولوجية تجعله آمنًا. بينما التأثير على إيراد نهر النيل فتزيد معدلات البخر منه مما يؤثر على الأمن المائي وعلى إنتاج المحطات المائية لإنتاج الكهرباء ومنشآت الطاقة والصناعة التي تعتمد على نهر النيل في توفير احتياجاتها من المياه.


إن التأثيرات المحتملة لتغير المناخ على الإنتاج الزراعي لن تعتمد على المناخ في حد ذاته فقط، وإنما ستعتمد على قدرة قطاع الزراعة على التكيف مع التغيرات المناخية. ويعزى ما بين 10-100% من تفاوت الإنتاج الزراعي في الأجل القصير إلى تقلبات الطقس حيث لوحظ انخفاض معدلات سقوط الأمطار في مصر، ودول شمال إفريقيا، والسعودية، والأردن، وسوريا بنسبة (20-25%) حسب تقديرات بعض الخبراء، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي بهذه الدول بدرجة كبيرة. كما أن تناقص كميات المياه العذبة في البحرين، والسودان، وتونس، والجزائر، والمغرب، والأردن، وسوريا، والإمارات، ستكون له آثار جسيمة على الإنتاج الغذائي وزيادة مخاطر سوء التغذية.


والأمن الغذائي هو أن يتمتع كافة البشر في جميع الأوقات بفرص الحصول من النواحي المادية والاقتصادية والاجتماعية على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم التغذوية وتناسب أذواقهم الغذائية كي يعيشوا حياة موفورة النشاط والصحة.


تهدد التغيرات المناخية الأمن الغذائي العالمي، ففي الوقت الذي تتزايد فيه الحاجة لتوفير الغذاء يصعب تلبية الاحتياجات. حيث يحتاج العالم لزيادة الإنتاج من الغذاء بمعدل 70% على المعدلات الحالية بحلول عام 2050 لتوفير الطعام لما يفوق 9 مليارات نسمة، تأتي الزراعة كأحد المسببات الرئيسية للتغيرات المناخية، حيث تسهم في توليد ما بين 19-29% من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في الوقت الراهن، ويسهم إنتاج المحاصيل والماشية بنحو 10-12% منها، بالإضافة لتسبب الزراعة في تدمير 80% من الغابات على مستوى العالم.


وقد قدر برنامج الغذاء العالمي أثر التغيرات المناخية على درجة تعرض مصر لانعدام الأمن الغذائي بحلول عام 2050 مقارنة بالوضع الراهن، استنادا إلى القدرة على التكيف، ومعدل الانبعاثات، ففي حالة اتخاذ كافة التدابير للتكيف مع التغيرات المناخية يقلل هذا السيناريو من درجة خطورة التعرض لانعدام الأمن الغذائي لأقل درجة ممكنة (18%) مقارنة بالوضع الحالي وبافتراض معدل منخفض من الانبعاثات، ونحو 20% في حال كون درجة الانبعاثات متوسطة، ونحو 35% في حال كانت الانبعاثات مرتفعة. أما في حالة محدودية الاستعدادات والإمكانيات الموظفة للتكيف مع التغيرات المناخية، فإن خطورة التعرض لانعدام الأمن الغذائي ستصبح ملموسة لتقدر بنحو 24% مقارنة بالوضع الراهن في حالة معدل انبعاثات منخفض، ونحو 26% في حالة كانت درجة الانبعاثات متوسطة، ونحو 41% لو كانت درجة الانبعاثات مرتفعة. ومن المتوقع أن تنخفض الإنتاجية الزراعية للعالم بأسره بين 3-16% بحلول عام 2080، وسوف تعاني الدول النامية من انخفاض معدلات الإنتاجية الزراعية ما بين 10-25% في المتوسط بحلول عام 2080.


ولذلك ترتبط التغيرات المناخية ارتباطا وثيقا بقضية الأمن الغذائي بمحاوره المختلفة، حيث أن التغيرات المناخية تتأثر نتيجة لمشتقات الاحتباس الحراري، سواء كانت تلك المشتقات سكانية، أو اقتصادية، وسياسية، وتكنولوجية، أو ثقافية. وتؤدي مشتقات الاحتباس الحراري تلك إلى تغيرات مناخية تتمثل أهم سماتها في زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون CO2 وزيادة درجات الحرارة سواء العظمى أو الصغرى، وزيادة حدة التغيرات المناخية والأحداث الجوية. ومن ناحية أخرى تؤدي تغيرات المناخ إلى إحداث تغير في أصول النظام الغذائي، سواء أصول إنتاج الغذاء أو التغير في التخزين والنقل والتسويق وأصول الحيوانات المزرعية، هذا بالإضافة إلى أن الهجرة تزداد من الأماكن المتأثرة بالتغيرات المناخية إلى الأماكن التي لم تتأثر بتلك التغيرات بشكل كبير. هذا التغير في أصول النظام الغذائي يؤدي إلى تغير في أنشطة النظام الغذائي، مثل التغير في إنتاج الغذاء وتخزين وتغيير الغذاء وتوزيعه واستهلاكه، هذه المكونات تؤثر وتحدث تغييرا في محاور الأمن الغذائي، وهي إتاحة الغذاء ووصول الغذاء إلى كافة فئات المجتمع وفي كافة الأماكن في داخل الإقليم، وكذلك في الاستمرارية في النفاذ إلى الغذاء، وأخيرا استهلاك الغذاء. ونتيجة للتغير في محاور الأمن الغذائي يتغير نظام استهلاك الغذاء من خلال خفض إنتاج الحبوب المستخدمة كعلف حيواني، وتتغير نسب الإنتاج المحلي للغذاء مما يحدث تغييرا في أنماط استهلاك الغذاء وتغييرا في نوعية الغذاء المستهلك، وهذه التغييرات بدورها تؤدي إلى التأثير على الصحة البشرية من خلال التأثير على نسب الاكتفاء الكلوري وتغير في قيم التغذية، الأمر الذي يؤدي إلى تغير في أنواع الأمراض وشدتها الموجودة وخطورة ظهور أمراض جديدة.



تأثير التغيرات المناخية على القطاع الزراعي في مصر


1. التصحر: هو انخفاض في القدرة الإنتاجية للأراضي القاحلة وشبه القاحلة نتيجة للتغيرات المناخية أو ممارسات بشرية، وتعد التغيرات المناخية أحد العوامل الأساسية التي تؤدي إلى حدوث ظاهرة التصحر، وهناك ارتباط وثيق الصلة بين التصحر والتغيرات المناخية، حيث إن التغيرات المناخية تؤدي إلى حدوث تصحر في حين أن زيادة التصحر تؤدي بالضرورة إلى زيادة في التغيرات المناخية، وتشير الخطة القومية لمكافحة التصحر إلى أن مصر من الدول التي تعاني من حدوث ظاهرة التصحر نتيجة كل من أسباب تغيرات المناخ أو نتيجة للممارسات البشرية السيئة التي تؤدي إلى انخفاض في القدرة الإنتاجية للأراضي الزراعية.


2. ارتفاع مستوى سطح البحر: إن الارتفاع المستمر في المتوسط العالمي لدرجات الحرارة سيتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر، وكلما ارتفع مستوى سطح البحر متر واحد يتوقع ضياع 12% من أفضل أراضي دلتا النيل الزراعية، مما سيؤدي لتناقص مساحات الرقعة الزراعية، أيضًا تتعرض الأراضي الساحلية الزراعية للتدهور بسبب التملح وارتفاع مستوى الماء فيها، مما يؤدي إلى تناقص أو فقدان إنتاجيتها تدريجيا.


3. التأثير على مصادر المياه في مصر: تعاني مصر من ندرة المياه وتعتمد بنسبة تزيد عن 95% على مياه نهر النيل في الزراعة والأنشطة البشرية الأخرى، فارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى زيادة التبخر، وزيادة استهلاك المياه في كل المجالات خاصة الزراعية التي تستهلك حوالي 80% من إجمالي موارد المياه، وزيادة الجفاف الذي يُهدد توافر المياه اللازمة للري، مما يُؤثر على نمو المحاصيل ويزيد من ملوحة التربة.


4. الأمراض والآفات النباتية: سيؤثر ارتفاع درجات الحرارة على الوظائف الفسيولوجية للآفات الحشرية ويؤدي لقصر دور حياتها وتزايد أعدادها بسرعة كبيرة، وتشجيع نمو وتكاثر الحشرات والآفات الزراعية والفطريات وأمراض النبات ولقد أشارت العديد من الأبحاث إلى امكانية زيادة انتشار العديد من الأمراض والاصابات الحشرية بالمحاصيل الرئيسية، والتي تؤثر بشكل كبير على إنتاج المحاصيل الزراعية، كما تؤدي إلى زيادة نمو الحشائش في الأراضي المزروعة وزيادة احتياجها للماء.


5. ارتفاع درجات الحرارة: تقدر الزيادة الحالية في المتوسط السنوي لدرجة حرارة الهواء في منطقة حوض المتوسط بحوالي 1.5 درجة مئوية ونسبة الزيادة السنوية تصل إلى0.03 درجة مئوية وهي بذلك تتجاوز المعدلات العالمية، و يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تقليل الإنتاجية الزراعية، وزيادة استهلاك المياه، وانتشار الآفات والأمراض.


6. التغيرات في أنماط هطول الأمطار: تؤدي التغيرات في أنماط هطول الأمطار إلى حدوث فيضانات وجفاف في غير أوقاتهما المعتادة، مما يُؤثر على زراعة المحاصيل.


بعض الحلول المقترحة


1. تغيير مواعيد الزراعة بما يتناسب مع الظروف الجوية الجديدة الناتجة عن التغيرات المناخية.


2. زراعة الأصناف المناسبة من القمح في المناطق المناخية المناسبة لزيادة العائد المحصولي من وحدة المياه.


3. استنباط أصناف جديدة من القمح قادرة على التأقلم مع التغيرات المناخية، وأخرى موفرة للمياه، ومقاومة للجفاف والملوحة.


4. دعم البحث العلمي والابتكار التكنولوجي ومضاعفة الإنفاق على البحوث الزراعية وخاصة المتعلقة بزيادة الإنتاجية الفدانية.


5. تقليل الفاقد من القمح في مراحله المختلفة بداية من مرحلة الحصاد، مرورًا بمرحلة النقل، والتخزين، وأثناء عمليات الطحن، وانتهاء بتوزيع المنتج النهائي على المستهلك.


يُعدّ التغير المناخي تهديدًا خطيرًا للزراعة في مصر، لكنه يُمثل أيضًا فرصة لتحسين كفاءة استخدام الموارد الطبيعية، وتطوير تقنيات زراعية جديدة، وتعزيز الأمن الغذائي مثل ما تبنت مصر في رؤيتها 2030.


المصادر:


- د. وسيم وجيه الكسان رزق الله "أثر التغيرات المناخية على إنتاجية الحاصلات الزراعية في مصر " مجلة كلية السياسة والاقتصاد عدد 5 يناير 2020.


- د. نيفين فرج إبراهيم "التغيرات المناخية والأمن الغذائي في مصر" المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة 29 يوليو 2021.


- د. شريف فياض التغيرات المناخية والأمن الغذائي المصري الأثر وسياسات المواجهة 2022.

العهد نيوز - al3hd news
العهد نيوز - al3hd news
تعليقات