القائمة الرئيسية

الصفحات

"كُليب بن ربيعة" أول ملوك تغلب

كتبت: نورهان زكريا

"كُليب بن ربيعة" أول ملوك معد

يُعتبر كُليب أول ملوك تغلِب وبكر وبعض قبائل ربيعة. والذي قامت حرب بسبب مقتله، استمرت أكثر من أربعين عامًا، وهي حرب البسوس. والذي بعهده استطاعت العرب العدنانية (الشمال) حكم مناطقها في الجزيرة العربية بعيدًا عن السيطرة القحطانية (الجنوب) التي كانت سائدة في شبه الجزيرة العربية. وفي هذا المقال سنتحدث عن نشأته وحياته حتى مقتله، وفي مقال آخر سنتكلّم عن الحرب التي قامت إثر مقتله، والتي كادت أن تُبيد جميع سكان شبه الجزيرة العربية.



نسبه كُليب ونشأته


هو كُليب بن ربيعة بن الحارث بن زهير بن جشم بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان. 


لم تحدد المصادر أي تاريخ وُلِد فيه، ولكن تقول بعضها أنه وُلِد في منتصف القرن الخامس بعد الميلاد. وقد نشأ في كنف والده، ولمس فيه ذكاء واضح، فاعتنى به وأقام على تربيته فعلّمه فنون القتال والحرب والوغى، وكان لكُليب نسب مع واحد من عمال حِميَر، حيث تزوج من أخته فكان صهرًا له. كان من خِيرة فرسان العربِ البواسل، فشقّ جموع اليمن وهزمهم شرّ هزيمة، فاستطاعت العرب العدنانية السيطرة على مناطقها في الجزيرة العربية، والتخلّص من سطوة السيطرة القحطانية التي كانت مُستحوذةً على الجزيرة العربية آنذاك، فاجتمعت معدٌ عليه وأقسموا على الولاء والطاعة له. 


لم تجتمع سائر معد إلّا على ثلاثةٍ من رؤساءِ العرب، أوَّلُهم هو عامر بن الظّرب الذي قاد معدًا يوم البيداء في أولِ واقعة بين تُهامة واليمن، وثانيهم هو ربيعة بن الحارث الذي قادها يوم السلان بين تهامة واليمن أيضًا، وكان ثالثهم هو كليب بن ربيعة قائد معد يوم خزاز، وهو جبل يقع في نجد بشبه الجزيرة العربية.


يوم خزاز (اجتماع معد تحت قيادة كُليب)


يُعتبر يوم خزاز من أعظم أيام العرب في الجاهلية قُبيل الإسلام. والذي حدث بسبب احتجاز ملك من ملوك اليمن بعضًا من أسرى مُضر وبيعة وقضاعة، فذهب وفد من مَعد يطلب الإفراج عنهم، ولكن الملك اليمني رفض وأسر عددًا من الوفد، وأطلق سراح الآخرين، وقال لهم ائتوني برؤساء قومكم. لآخُذ عليهم ميثاق الولاء والطاعة لي وإلا قتلتُ أصحابكم، فذهبوا إلى كل قومهم واجتمعت مَعد على كُليب بن وائل. وسار بهم بقيادة سلمة بن خالد المعروف بـ (السَّفاح التّغلبي) والذي أمرهم أن يوقدوا نارًا في جبل خزاز ليهتدوا بها.


وقال: إن غشيكم العدو فأوقدوا نارَين. فعلمت مذحج بقدوم ربيعة ومسيرها، فأقبلوا بجموعهم واستنفروا من يليهم من قبائل اليمن، فساروا إليهم، فلمّا سمع أَهل تهامة بمسير مذحج انضموا إلى كُليب.


وصلت مذحج إلى خزاز ليلًا، فرفع السفَّاح التغلبي نارَين، فلما رأى كليب النارين، أقبل إليهم بالجموع فَصَبَّحَهُمْ، فالتقوا في خزاز فاقتتلوا قتالًا شديدًا أكثروا فيه القتل، وانهزمت مذحج، وانفضّت جموعها، فقال السفاح في ذلك: وليلة بِتُّ أُوقدُ في خزاز هديتُ كتائبًا مٌتَحيراتِ.


زواج كُليب من الجليلة


كان كُليب ينوي الزواج من ابنة عمه مُرّة بن ذهل بن شيبان، ولكن التُبع اليماني (حسان اليماني) ملك اليمن من عرب قحطان أراد الزواج بها فوافق والدها. ورغم علم التُبع بعلاقتها بكُليب ابن عمها، إلا أنه لم يتراجع عن قرار زواجه بها. وجهّزت الجليلة نفسها للزواج وذهبت إلى التُبع ومعها 100 ناقة تحمل شِوارها. وبحيلة ما من كُليب استطاع أن يقتل التُبع، وبذلك أخذ ثأره وثأر أبيه "ربيعة" الذي قتله التُبع. وبعد ذلك تزوّج كُليب بابنة عمه الجليلة. 


الغيرة بين الجساس وكُليب


بعد حرب اليمن ازداد كُليب غرورًا، وقد بغى في الأرض بغيًا عظيمًا حتى وصل به الأمر إلى أن يحمي مواقع السحاب، فكل أرضٍ أشار إليها قد أظلّتها سحابة فهي له، فلا يرقب من حماها أحدًا، ولا يرعى بها أي إنسان، واختصّ نفسه بكثير ممّا لم يختص به الملوك قبله أنفسهم. 


وممّا بلغه من الأمر ألّا أحد يمرّ بين يديه في مجلسه إجلالًا له وتعظيمًا لأمره، ولا يحمي أحد من البكريين والتغلبيين إنسانًا ولا طيرًا ولا أرضًا إلا بإذنه، ولا يُورد أحد الإبل مع إبله، وكان يلتفت إلى ناحية فيقول وحش هذه الناحية في حماي فلا يقرب منه أحد. ورغم ذلك كانت جليلة تفتخر بإخوتها وهذا كان أمرًا طبيعيًا عند عرب الجاهلية، حيث كانت المرأة تميل إلى قبيلتها وليس قبيلة زوجها، وبالأخص أنها كانت تلد إناثًا ولم تلد ولدًا. 


كان لمرّة عشرة من الأبناء وكان أصغر أبناءه جساس، وكانت الجليلة تحبّه، فحدث أن دخل كليب مرة من المرات على الجليلة فقال لها: هل تعرفين أحدًا أمنع منّي ذمة؟ فلم ترد عليه، فأعاد عليها السؤال فقالت له: نعم، أخي جساس، فغضب كليب بينه وبين نفسه ولكنه لم يحدّثها بالأمر. 


وحدث مرة أن كانت تُمشط له شعره فقال لها: مَن أعز من وائل؟ فقالت له: أخواي جساس وهمام، فنزع رأسه من يديها ومضى عنها.


مقتل ناقة البسوس


عندما خرج كُليب غاضبًا من الجليلة وَجد ناقة غريبة بين إبلهُ فرماها بسهم في ضرعها فنفرت واختلط الدم باللبن وهي ترغو، فلما رآها الجرمي "جار البسوس" أخبر البسوس فصاحت «واذلاه! واجاراه!» وأنشدت:


لَعمري لو أصبحتُ في دارِ منقذ

                       لماَ ضيمَ سعدُ وهو جارٌ لأبياتِي

وَلكنني أصبحتُ في دارِ غربةٍ 

                مَتى يعدُ فيها الذئبُ يعدُ عَلى شاتِي

فَيا سعدُ لا تغرر بِنَفسك وارتحِل 

                        فَإنكَ في قومٍ عن الجارِ أمواتِ

وَدونكَ أذوادي فإني عنهم لَراحلة 

                                    لا يفقدونِي بنياتِي.


كانت البسوس خالة الجليلة وهمام وجساس، وعندما سمع الجساس ذلك حاول أن يُهدئها ويعوضها عن ناقتهة فرفضت، فقال لها: اسكتي لا تراعي، إني سأقتل جملًا أعظم من هذه الناقة، سأقتل غلالًا، وهو فحل إبل كليب، لم ير في زمانه مثله، وإنما أراد جساس بمقالته كليبًا. 


وعندما سمع كُليب بتهديد جساس، قال له: "عُليان دونه خرطُ القتاد" وعليان هو اسم جمل كُليب، ومعنى كلامه أن الذي يقترب من جمله كأنه ينزع الشوك بيديه. وظلّ التهديد متبادل بينهما حتى حدث مقتل كُليب.


 مقتل كُليب


بعد حادثة قتل ناقة البسوس جفّت الأراضي وذهبت قبيلة بكر وتغلِب للبحث عن المياه. فوصلت قبيلة بكر إلى غدير يُقال له شُبيث، فنفاهم كليب عنه، وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مرّوا على غدير آخر يُقال له الأحص فنفاهم عنه، وقال: لا يذوقون منه قطرة، ثم مروا على بطن الجريب (وادٍ عظيم) فمنعهم إياه، فمضوا حتى نزلوا الذنائب، واتبّعهم كليب وحيّه حتى نزلوا عليه، فمرّ عليه جساس ومعه ابن عمه عمرو بن الحارث بن ذُهل، وهو واقف على غدير الذنائب، فقال له: طردت أهلنا عن المياه حتى كدت تقتلهم عطشًا! فقال كليب: ما منعناهم من ماء إلا ونحن له شاغلون، فقال له: هذا كفعلك بناقة خالتي، فقال له: أو قد ذكرتها أما إني لو وجدتها في غير إبل مُرّة لاستحللت تلك الإبل بها جميعًا، فعطف عليه جساس فرسه، فطعنه برمح فأنفذ حضنه (الحضن ما دون الإبط إلى الكشح). فلما دأَمَه الموت قال: يا جساس، اسقني من الماء، فقال: ما عقلت استسقاءك الماء منذ ولدتك أمك إلا ساعتك هذه، فالتفت إلى عمرو وقال له: يا عمرو، أغثني بشربة ماء، فنزل إليه بضربةٍ أخرى.


حين طعن جساسٌ كُليبًا بالرمح، كتب كليبٌ بدمه على صخرة عبارة (سالم لا تصالح) وقصد أخاه سالمًا لثقته به، وكتب القصيدة البليغة يُوصي بها أخاه الزير بالثأر له، وعدم المصالحة، ويوصيه بابنته اليمامة، ويحذّره من مخالفة وصيته.


قالت العرب بعد هذه الواقعة في عمرو بن الحارث:


المستجير بعمرو حين كربته

                          كالمستجير من الرمضاء بالنار.

تعليقات