القائمة الرئيسية

الصفحات

الإنسان التائه في طريق الحداثة

كتبت: سلوى حجازي

الإنسان التائه في طريق الحداثة

يقول صامويل باتلر: ”المتعة خير من الحق والواجب”، كان هذا هو الشِعار الضمني الذي رفعته الحداثة حتى باتت الفلسفة الغالبة، والإطار الجامع للأنساق المعرفية والفكرية والتي بدأت إرهاصاتها منذ بداية القرن الثامن عشر، والتي غيرت الكثير من أُطُر الحياة الإنسانية حتى بتنا تتساءل عن كنه الإنسانية، وماهية الإنسان، وقيمته الحقيقية.


هل هي بما يملكه ويكدسه من أشياء؟ أم ببصمته التي يطبعها على وجه التاريخ؟، أم بمدى نفعه للآخرين من عدمه؟!


أم أن الإنسان لم تعد له قيمة في ذاته، وبالتالي جاز قتله وتسليعهُ وجعله في أحيان أخرى جرذ مختبرات وفأر تجارب - ليس بالطبع خدمةً للإنسانية بحسب ورقة التوت التي كانت تستر عورات الأنظمة ثم ما لبست أن سقطت، ولم تعد العورات يُخجَل منها كما في السابق؟! أم أن هذا السؤال كان من زمن قديم ولى وانتهى ولم يعد مطروحًا على الساحة؟!


يجرنا هذا لطرح التساؤل الثاني حول الهدف والغاية من الوجود، وقيمة سعي الإنسان على هذه البسيطة، هل بهدف تحصيل المزيد والمزيد من المتعة، وتجربة أنماط جديدة من الإنفاق والاستهلاك علها ترضينا وتسعدنا في ظل عالم سريع متغير لم نعد نستطع السيطرة على مسار أحداثه، وتقلبات أنماطه الحاكمة؛ فبتنا نتحرر من سجن القيم، وأسر التقاليد، وقواعد الدين والأعراف حتى لا تثقل كاهلنا في معركة البحث عن المتعة المتغيرة والتي لا تنتهي.


في النهاية وعندما أدركنا أن مساعينا قد فشلت في الإمساك بتلابيب اللحظة الممتعة وأن الطريق طويل، والسير فيه مضني لحد الهلاك، وأدركنا كذلك حينها أن اللافتات المُبهرة على طول الطريق كانت خادعة للحد الذي سلبنا أعمارنا في محاولة للحاق بها والنظر إليها جميعها، وبينما كنا مدهوشين من فرط جمال اللافتات مضى العمر واهترأت أحذيتنا وذبلت أجسادنا.


في أول محطة للاستراحة لم نعد نتبين أنفسنا؛ فقد صبغَنا الطريق وقلّبَنا للحد الذي جعلنا نشبه اللافتات كثيرًا، ولكن لم نكن في جمالها أبدًا.


وعندما أدركنا أن المصاب جلل والخطب عظيم، نظرنا للخلف وأردنا العودة لذواتنا المغيبة ولأنفسنا التي نسيناها في غمرة البحث عن المال الكثير والوظيفة المرموقة والحرية المتفلِتة والمنعتقة من كل قيد؛ وجدنا أن الأوان قد فات، والطريق ضاعت بداياته منا للحد الذي لم نعد نتبين من أين بدأنا المسير أصلًا، ثم نظرنا لأنفسنا فوجدناها شاخت للحد الذي لم تستطع معه العودة لما قبل، أما أرواحنا فقد بليت من فرط المُتَّع الكاذبة التي أغرقناها فيها؛ فأكملنا المسير في ذات الطريق لنكمل باقي اللافتات علَّنا نجد ما يسعدنا، ويخفف من هول الرحلة وطول الطريق.


وعندما فشل كل هذا ووجدنا أن الأسئلة الكبرى لم نعد نتبينها وأن الغايات قد سقطت، أو لم نعد ندركها؛ لعنا الوجود وأوجدنا أحط المخارج للعبة الآثمة التي صنعناها؛ فتارة أسقطنا التكريم والتعقل عن الإنسان فهو مادة ليس إلا، وتارة أخرى صنعنا له الكثير من الفلسفات المبررة حتى لا يستوحش في طريق الغي والخسران ... ولا زال الطريق طويل يبدو بلا مخرج، ولازلنا نهرول خلف متعة اللحظة الراهنة.

تعليقات