القائمة الرئيسية

الصفحات

السودانيون يصارعون تدهور الاقتصاد بأسلحة الفقر المدقِع

تقرير: محمد عبد الرحمن

السودانيون يصارعون تدهور الاقتصاد بأسلحة الفقر المدقِع

أغلِقت مصانع وخرجت عن الإنتاج وتوقف المستوردين


 ركود في الأسواق وضعف القوة الشرائية


 أخرجت أسَر أطفالها من المدارس لارتفاع الأسعار


تحول كبير في الوضع الاقتصادي في السودان وخلال فترة وجيزة، وما كان أزمة قبل أشهر قليلة أصبح الآن كارثة اقتصادية يكتوي الشعب السوداني بنيرانها بصورة يومية، تضخم وصل ذروته فأثر على الحياة المعيشيّة للأسر السودانية والموظفون والعمال والطلاب والمعاشيون.

السودانيون يصارعون تدهور الاقتصاد بأسلحة الفقر المدقِع

لا أحد اليوم يبحث عن كماليات في السودان، فالوصول إلى تحقيق الالتزامات الضرورية بات أمرًا شاقًا وصعبًا، وقاد التدهور الاقتصادي المخيف إلى الركود ولشهور على مستوى السوق في كل مجالات البيع من السيارات إلى العقارات وصولًا إلى العديد من السلع الاستهلاكية، حيث أصبحت نسبة كبيرة من الأسر السودانية تعتمد في وجباتها على العدس والأرز لوجتين في اليوم نسبة لقلة تكاليفهم، وتنازل معظم الناس عن أكل ثلاث وجبات في اليوم بسبب الضوائق الاقتصادية التي حاصرت السودان واعتمدوا على تنفيذ سياسة التقشف للتصدي للتضخم.


ما يقارب العام الآن، منذ انقلاب 25 أكتوبر والذي كان له الدور الكبير في التدهور الاقتصادي الذي سحق الشعب السوداني وأغلق الأبواب أمام كل الإصلاحات الاقتصادية التي وضعتها حكومة حمدوك واستقرار الوضع الاقتصادي وقتها، فقد قدم العالَم دعمه للسودان من أجل التحول الديمقراطي الذي يبدأ من تحسن الوضع الاقتصادي للسودان، انطلاقًا من الالتزام بإعفاء البلاد من الديون وتقديم المنح من أجل التنمية وتركت حكومة حمدوك 2 مليار دولار في خزينة بنك السودان المركزي، كانت نتاج تحويلات المغتربين والمواطنين عبر البنوك وقتها وكان المنح برنامج الثمرات الذي يدعم الأسر الفقيرة شهريًا بمبلغ من المال والذي نفذ وتوقف الدعم بعد الانقلاب وأعاد السودان إلى ما قبل حكومة الثورة وتدهور الوضع الاقتصادي بصورة واضحة وسريعة ومؤثرة على السودانيين وتركهم أمام تحدي انهيار الاقتصاد وهم على خطوط الفقر.


اضرابات مستمرة

السودانيون يصارعون تدهور الاقتصاد بأسلحة الفقر المدقِع

قررت وزارة المالية في الأشهر القليلة زيادة الضرائب بصورة كبيرة وأكد وزير المالية جبريل إبراهيم أن المالية ستعتمد على الضرائب في حل مشكلة الاقتصاد، ونفذتها على جميع القطاعات الخدمية ووجدت رد فعل مناهض من المواطنيين، حيث أغلق سكان الشمال الشوارع الرئيسية وأوقفوا التجارة بين مصر والسودان احتجاجًا على زيادة تعرفة الكهرباء للقطاع الزراعي ومن ثم خُفِضَت ولكن بقت الضرائب الباهظة على كهرباء السكن وزادت بنسبة كبيرة ولازال المواطنون يعانون من شراء الكهرباء بعد زيادة تعرفتها.


كما أعلن التجار في أكبر أسواق السودان بمُدُنِه المختلفة، الإضراب وإغلاق متاجرهم احتجاجًا على زيادة الضرائب بصورة تعجيزية، فقد أضرب تجار مدني وتمبول والقضارف وسنار وسنجة وانضم إلى هذه المدن عطبرة التي أعلن تجارها الإضراب الأول وأغلقوا السوق يوم 5 أكتوبر.


قال التجار: "أن الضرائب أصبحت باهظة ووصلت الزيادة إلى 1000% ووصلت لجان الأسواق إلى طريق مسدود مع الحكومة فاختارات وسيلة الإضراب بعد أن عجزت عن الوصول إلى حلول وباتت زيادة الضرائب التعجيزية أمر واقع ومن آثارها الفورية؛ أغلقت عشرات المصانع نسبة إلى زيادة مواد الإنتاج وتوقف المستوردون، نظرًا إلى زيادة الدولار الجمركي أيضًا في الأشهر القليلة الماضية.


كما اتجهت الإضرابات إلى قطاعات أخرى، منها قطاع الكهرباء وأطباء الامتياز والكودار الطبية وعُمال النظافة والصرف الصحي بولاية الخرطوم.


بروفات وأساتذة مشاركون في جامعة الخرطوم خُفِضَت رواتبهم بنسبة 50% في العقود التي لم يوقعوا عليها، وأعلن 400 بروفسير وأستاذ مشارك مغادرة جامعة الخرطوم في خطوة تصعيدية تؤكد الكارثة الاقتصادية التي وصل إليها السودان، في بيان لنقابة أساتذة جامعة الخرطوم قالوا بأنهم سيمهلون الإدارة وقتًا وجيزًا لمعالجة عقود البروفات قبل الدخول في الإضراب، وقد نظمت لجنة المعلمين في السودان مواكب ضخمة يوم الأحد الماضي 16 أكتوبر، في العاصمة والولايات من أجل إجازت الهيكل الراتبي للمعلمين، وصلت في الخرطوم إلى وزارة المالية ومجلس الوزراء وفي الولايات ذهبت إلى أمانات الحكومات وأكدت اللجنة مواصلة تصعيدها إلى أن يتم إجازة الراتب الذي وضعته لجنة المعلمين السودانيين.


أثرَت زيادة الضرائب في الخدمات بشكل مباشر، مما جعل موظفي وعمال القطاع العام في السودان يدخلون في إضرابات مستمرة منذ شهر أغسطس إلى هذه اللحظة بسبب ضعف الرواتب وعدم قدرتهم على تغطية التزاماتهم.


معاناة

السودانيون يصارعون تدهور الاقتصاد بأسلحة الفقر المدقِع

في إفادة بخصوص الوضع الاقتصادي في السودان، تحدث إلينا محمد سليمان، الذي يعمل في وكالة السفر والسياحة قائلًا: "تغيير كبير في مختلف الاتجاهات للوضع المعيشي، زادت أسعار السلع الاستهلاكية أكثر من ثلاث مرات خلال أشهر، تعرفة المواصلات ارتفعت مرتين في شهور ولم يزِد الراتب وأصبح لا يغطي احتياجاتي، ومقارنة بما كان قبل عام، حاليًا يخلص الراتب قبل أن يكفي التزامتي الشهرية، نسبة إلى زيادة الضرائب في كل الخدمات المقدمة للمواطن وارتفاع أسعار السلع الضرورية".


تحدثت "حليمة" والتي تعمل بائعة شاي وسط الخرطوم: "يوميًا أركب المواصلات التي تنقلني من مكان سكني إلى العمل وتكلتفها الفي جنيه سوداني، وهذه أضعاف ما كان عليه الحال قبل عام من الآن، زادت أسعار الشاي والقهوة والسكر بنسبة تجاوزت الـ100%، وفي ذات الوقت لم أُزِدْ سعر كباية الشاي والقهوة وظلت كما هي لأنني أقدِر ظروف الناس، ولو زدتها كما زاد سعر الفحم والشاي والقهوة لعزف الناس عن شربها".


واصلت قائلة: "مصاريف المعيشة ارتفعت كثيرًا مقارنة مع العام السابق ويوميًا أحتاج إلى ربع لحمة وبصل وزيت وصلصلة وفحم وهذه المكونات تكلفني يوميًا 5 آلاف جنيه، مصروفاتي زادت أضعاف عن العام الماضي ودخلي أصبح أقل، الوضع الآن سيئ".


قال خالد محمد عيسى، عامل يومية، يغسل سيارات ومسؤول عن مكاتب وسط الخرطوم من نظافة وترتيب: "حاليًا السودان متدهور اقتصاديًا ولا أستطيع أن أوفر احتياجاتي، أصبحت آكل وجبتين فقط، الصباح، في الصباح تكلفني ألف جنيه، وفي المساء ألف جنيه، ونقول الحمد لله على كل حال، لا أستطيع توفير احتياجات ناس البيت ولا أستطيع أن أرسل لهم المال، كل ما أجنيه من أجر بسيط؛ أدبر به احتياجاتي، في العام السابق كنت بطلع أجر كبير ويصل دائما إلى 10 آلاف، حاليًا ألفين و3 آلاف جنيه، وفي بعض الأحيان أقل من ذلك، أصبح المواطنون لا يغلسون عرباتهم بصورة يومية وأحيانًا مرة في الأسبوع؛ لذلك أصبح أجري في اليوم قليل جدًا، حاليًا مع كل العمل بدرس وأهم حاجة الآن دراستي في المراحل الثانوية صناعي، تخصص كهرباء سيارات هدفي التميُّز فيها والتطور والانتقال إلى وضع أفضل". 


تحدث إلينا أيضًا، المواطن عبد الجليل قائلًا: "العام الماضي لو المرتب ما قضى ليك احتياجتك بكون فضل يوم يومين للشهر وما بتأثر وحاليًا نص الشهر، لا يمكن أن تصل له بهذا المرتب وأضطر إلى أن أتديَّن لأكمل التزامات ما تبقى من الشهر، وفي الوقت الحالي الوضع تغير، دخلي بات قليلًا ولا يكفي لاحتياجاتي، لدي أولاد في المدارس وقد كانت أخف قدرًا كانت، والآن الطالب رسومه 300 ألف بدون ترحيل، ولو عندك اتنين أو ثلاثة هذه مشكلة كبيرة وأنا لدي ولدين اتنين وبنت في الروضة، ومصروف الأولاد اليومي للمدرسة ألفين ومع كل هذه الزيادات وارتفاع أسعار السلع فإن الدخل لازال ثابت، في العام الماضي كانت رسوم خضروات الشهر قليلة وحاليا بنفس المبلغ لا تكفي لشراء خضروات أسبوع، أحتاج إلى بنزين بأكثر من 100 ألف للموتور الذي أتحرك به من مكان عملي إلى المنزل وهذا بدون الصيانة، الكهرباء شراكة مع من يسكنون معي منزل أسرتي الكبير ومع قطوعاتها المستمرة في السودان قللت من أسعارها الباهظة لمرتين في الشهر بمبلغ 7000 ألف، المصاريف اليومية للمعيشة والشخصية لعبد الجليل فقط 2000 جنيه، مصاريف المنزل وحدها 6 آلاف، قال عبد الجليل أنه ليس عليه إيجار منزل ولكن تكاليف الشهر له ولأسرته الصغيرة الآن ارتفعت أضعاف العام الماضي". 


مستقبل صادم


في يوم 26 سبتمبر، نشرت رويترز تقرير عن رحيل السودانيين شمالًا نحو دولة مصر للبحث عن مستقبل أكثر إشراقًا، وأجرَّت اتصالا مع محمد الشيخ وهو من خريجي جامعة الخرطوم والذي رحل حديثًا إلى مصر من أجل البحث عن العمل، قال بأن الفرص هناك كثيرة للشباب ولكن أغلبها شاقة، كعامل في مصنع والأجر جيد في مصر وحدد بأن الراتب الشهري يصل إلى 3 آلاف جنيه مصري وهو مبلغ جيد للعيش في مصر لشخص واحد وإن المعيشة أرخص من السودان وأن راتبه يعادل أقل من 100 ألف جنيه سوداني والتي قد أصبحت لا تكفي أي شخص في السودان ولا توفر حياة كريمة، محمد قال بأنه لا يستطيع أن يرسل لأهله مال بسبب احتياجاته الشخصية.


رحلت الكثير من الأسر السودانية إلى مصر من أجل العيش هناك وتعليم أبنائهم، خاصة بعد زيادة الرسوم الدراسية في كل المستويات في السودان وإعلان المدارس رسوم تعجيزية وكذلك الجامعات الخاصة والحكومية، فقد وصلت رسوم بعض الجامعات الخاصة في السودان إلى أكثر من 5 آلاف دولار للطالب وهذه رسوم باهظة الثمن لأسر دخلها قليل.

السودانيون يصارعون تدهور الاقتصاد بأسلحة الفقر المدقِع

بعد إكمال المراحل الدارسية للسودانيين يصطدم الخريجون بأنه لا يوجد فرص عمل لهم ويوجد حاليًا آلاف الخريجين عاطلين عن العمل والآخرون اختاروا أن يهاجروا ومن لم يستطع الهجرة التي أصبحت هي الأخرى أكثر كلفة، يجته إلى الأسواق والأعمال اليومية من أجل تغطية احتياجاتهم اليومية، كل هذا المصير والمستقبل المُظلِم للسودانيين في بلد مورده الأساسي الذهب وبه عشرات الشركات التي تنتج الذهب بصورة يومية، إلا أن المواطنون في عالم موازي منه ولا فائدة من وجود كل هذه الشركات التي تستخرج ذهب البلاد ولا ينعكس إنتاج الذهب في وضعهم المعيشي بل يفاجئهم كل صباح بزيادات في الأسواق وأسعار السلع وتعرفة الخدمات المختلفة في السودان وشركات الاتصالات نموذجًا والتي أعلنت عن زيادات بأضعاف العام الماضي وخلال أشهر رفعت تعرفة الخدمات إلى أكثر من مرتين.


من الأشياء التي تؤكد تدهور الاقتصاد في السودان ووصوله إلى حافة الانهيار هو نسبة التضخم التي وصلت إلى الأعلى عربيًا وشكك صحفيون واقتصاديون في صحة أرقام التضخم للعشرة شهور الماضية في السودان والتي تخرج من مركز الإحصاء، خاصة إذا قارَّنّا ونظرنا إلى الوضع الاقتصادي الذي يحاصر المواطنين وهم يصارعون سوءه بأسلحة الفقر المُدقِع.

تعليقات